بيت التلمسانى للعزلــة والكتابــة
تجربة جديدة تستحق التأمل والتفكير فى حق الإبداع المصرى
سمر جمال
بعيدًا عن ضجيج المدينة، يقع «بيت التلمسانى» الثقافى على بُعد ساعة من القاهرة، يستقر بطرازه الريفى الحالم، وأشجار البرتقال والليمون وسط العشب الأخضر، وتنتصب على بابه لافتة تحمل اسم عائلة أحبت الفن والأدب: «التلمسانى».
تجربة جديدة تستحق التأمل والتفكير فى حق الإبداع فى مصر، وتعد التجربة الأولى لمنح الإقامة فى مصر التى يعمل بها الآن، بعد أن يجتاز المتقدمون للمنحة الشروط يقع الاختيار على أفضل الكتاب منهم، وتكون المنحة بداية من فبراير حتى أبريل بمعدل ثلاثة كتاب كل شهر، ويتقدم العديد من المتسابقين لها، لجمال وتفرد تلك المنحة، التى تزايد الإحساس بجمال الطبيعة من حولك فتثرى المبدعين بكتابة كل ما هو جديد، فكان لا بد لنا من لقاء مع مؤسسة البيت وصاحبة فكرته الكاتبة والروائية والأكاديمية المصرية مى التلمسانى.
عن مسابقة هذا العام خلال الفترة الحالية وخاصة شهر فبراير حيث يستقبل المنزل ثلاثة من الكاتبات وهن تيسير النجار، مريم وليد، آية طنطاوى مع دكتورة مى، فقمنا بالحديث معهن عن تلك التجربة الفريدة .
تجربة جديدة تستحق التأمل من أجل مشاريع الكتابة.
فتقول دكتورة مى التلمسانى عن التجربة:
البيت يستقبل هذا العام، فى شهرى فبراير وابريل تسعة من الكاتبات والكتاب المصريين والعرب بهدف العزلة والتفرغ للكتابة. يقع بيت التلمسانى على طريق مصر الإسكندرية الصحراوى على مشارف الصحراء، وهو منزل ريفى محاط بحديقة صغيرة ويضم نحو سبعة آلاف كتاب هى مكتبتى ومكتبة أبى المخرج عبد القادر التلمسانى وجزءا من مكتبة الكاتب الكبير والصديق ادوار الخراط. أردت أن أتيح هذا المكان الهادئ للكاتبات والكتاب للإقامة والتفرغ للكتابة يلتقى فيه ثلاثة من الكتاب فى كل مرة، يقيمون معا فى البيت نفسه لمدة أسبوع وتتاح لهم فرصة النقاش فى قضايا تخص الكتابة وأيضا النقاش حول أعمالهم بهدف تطويرها. هذه العزلة الاختيارية أراها مطلبا مهما لكل من يمارس الكتابة، لكنها قد تكون صعبة وغير مريحة لمن يفضل الكتابة وسط الزحام. هى تجربة جديرة بالتأمل وأتمنى أن تجتذب الكثيرين فى المستقبل حيث نحتاج بدرجات متفاوتة لأن نحمى أنفسنا من صخب العالم بهدف انتاج كتابة أو فكر أو ترجمة، هذا الصخب المتمثل فى حياة المدن عامة أو ضغوط العمل والأسرة على المستوى الفردى. هذا العام يتشارك بيت التلمسانى مع دار صفصافة ومنحة آفاق لإتاحة فرصة الإقامة والتفرغ لشباب الكتاب المصريين والعرب لخوض هذه التجربة التى أتمنى أن تكون مثمرة ومحفزة للجميع. كما أتمنى استضافة كتاب من العالم، من افريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا فى السنة المقبلة.
كما قالت بشكل خاص عن تجاربها الخاصة فى منح الإقامة:
تجربة الإقامة فى البيوت المُخصصة للتفرغ للكتابة دائمًا ما تترك ذكرى حميمة فى وجدان كل من عاشها، بما تتيحه من عزلة حميدة، وخبرات جديدة، وتخفف من الضغوط اليومية لإنجاز الكتابة، بالإضافة إلى أن الفكرة تمثل نوعًا من الوفاء لروح والدها المخرج الراحل عبد القادر التلمسانى أحد رواد السينما التسجيلية فى مصر.
وتتذكر تجربة إقامتها قبل سنوات فى بيت للتفرغ للكتابة بمنطقة جبلية فى إيطاليا، وتجربة أخرى فى بيت بمدينة فرنسية، مستعيدة أطياف الكتابة بهما، وتحت وطأة الشغف بالفكرة اقتنت كتابًا مُخصصًا عن أماكن الإقامة الأدبية فى أوروبا وشروطها، لتجد أن العامل المُشترك بها جميعًا هو العزلة التى يتيحها للكاتب، باعتبارها من أولويات احتياجاته، وهاجسه الحقيقى فى أن ينفرد بذاته وأفكاره بعيدًا عن تفاصيل الحياة اليومية، والأعمال المنزلية وغيرها، فتبلورت لديها، عبر تجربتها الذاتية، وبحثها الدؤوب فى مُقومات تلك البيوت، فكرة تأسيس «بيت» أو «مُعتكف للكتابة» فى مصر.
ممتنة للتجربة واستعد لكتابة روايتى الجديدة هنا.
كما قمنا بسؤال الكاتبات الثلاث المشتركات خلال هذا الشهر فكان ردهم يدل على جمال التجربة، حيث قالت الكاتبة آية طنطاوى:
عزلة فى بيت بعيد به حديقة ومتسع لرؤية براح السماء، كانت فكرة مثالية جذبتنى من أفكارى الحالمة دومًا ببيت بعيد عن المدينة وزحام الناس والأفكار، بيت يصلح للكتابة فقط.
وصلنا قبل يومين، استقبلتنا مى التلمساني، كعادتها، بترحاب ومحبة، عرفتنا على بيتها، وقالت انسجموا واكتبوا، تجولوا على راحتكم، وموعد اجتماعنا هو طاولة الطعام فى ساعة الغذاء.
ما زلت أستكشف مشاعرى فى البيت، لكنى منسجمة فيه وأجد روحى فى بعض الزوايا، وعلى الطريق الخارجى المحاوط بأشجار البرتقال والليمون، جئت هنا لأكتب روايتى الجديدة، والإقامة الأدبية التى أتاحتها لنا مى بالتعاون مع دار صفصافة هى تجربة لم أجدها فى مصر، متحمسة لاستمرار التجربة، وممتنة لبيت التلمسانى، لجدرانه وغرفه وبراحه على الإلهام والمحبة.
وممتنة لمى على المحبة الدائمة، اهتمامها بتفاصيلنا الدقيقة، وأحاديثها الجميلة التى لم أشبع منها بعد.
ما أعيشه الآن يعتبر كان حلمًا حين كنت فى وحدتى هناك فى النجع.
كما أضافت الكاتبة تيسير النجار للكلام فى نفس السياق.
فى بيت التلمسانى
وصلنا ظهر يوم الجمعة، بصحبة آية طنطاوى ومريم وليد، وجدنا دكتور مى التلمسانى فى انتظارنا بداخل بيت التلمسانى المدهش، استقبلتنا بترحاب أم ومودة صديقة، شعرت وكأننى أعرفها منذ سنوات، وكذلك آية ومريم مثل صديقتين مقربتين فرقنا زمن غير طويل.
لم يكن لدى تصور مسبق عن المنحة، أحببت التجربة والتعرف على دكتور مى التلمسانى عن قرب والنشر فى صفصافة كذلك، أسعدنى اختيارى ضمن المجموعة بالرغم من كثرة عدد المتقدمين، وعرفت بعدها أن الإقامات الأدبية أو الفنون باختلاف أنواعها حدث معروف ومتكرر فى الغرب، يساعد على التركيز وتوفير الهدوء الذى لا نجده فى زحام المدن.
تحدثنا دكتور مى عن الكتابة بمعناها الأوسع الأمر ليس مقتصرًا على مشروعاتنا، ثم كل منا يكتب بمفرده فى أجواء دافئة وهادئة، مدة الإقامة أسبوع بعون الله.
ما أعيشه الآن يعتبر كان حلمًا حين كنت فى وحدتى هناك فى النجع، أن تجد شريكًا يحب ما تحب، وحوارات ممتدة عن الكتابة وحولها.
أما الكاتبة مريم وليد فكان لها كلمة مشوقة بخصوص تجربة بيت التلمسانى لروزاليوسف حيث قالت تجربة بيت التلمسانى تجربة ملهمة جدًا. المكان فى غاية الدفء والحميمية، ودكتورة مى التلمسانى أستاذة وصديقة ملهمة، وشجعتنا دومًا على الكتابة والعمل، تجربة العزلة ساعدتنى بشكل كبير على كسر حبسة كتابة عانيت منها لأشهر طويلة، أن تجد نفسك وجهًا لوجه أمام اللابتوب فى عزلة كبيرة، ويجب عليك أن تبدأ فى العمل، كل ذلك يجعلك تكتب مهما حاولت الهرب. الأجواء الريفية التى تحيط بالبيت تزيد من الدفء، كما أننى فى فترة الإقامة خضت العديد من النقاشات مع دكتورة مى التلمسانى ومع آية طنطاوى وتيسير النجار حول الكتابة والأدب كانت محفزة ومشجعة على كتابة بشكل كبير، التواجد مع كتاب مثلك فى نفس البيت مهلم كذلك، دائمًا أقول أن الإبداع ينتقل كالعدوى، لذا فالتواجد مع مبدعين مهم جدًا. شخصيًا سعدت بالمكان والتجربة، وأرى أنها تجربة مفيدة ومهمة، غير أن فكرة معتزل الكتابة فكرة جديدة وتجربة لم تخاض فى مصر من قبل، وأتمنى أن تطبق للكتاب المصريين بشكل أوسع.