الخميس 6 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
هذه خطتنا للتعمير بلا تهجير

العرب على قلب رجل واحد

هذه خطتنا للتعمير بلا تهجير

بعثت القمة العربية غير العادية، برسالة بالغة الأهمية للعالم أجمع من القاهرة، مفادها: «العرب على قلب رجل واحد: هذه خطتنا لتعمير غزة  دون تهجير».



يضيف الرابع من مارس -الرابع من شهر رمضان الجاريان، تاريخًا جديدًا للدعم المصرى الشريف والتضامن العربى القوى، لمسيرة القضية الفلسطينية، فى ظل إدراك عميق لخطورة المرحلة التى تمر بها المنطقة والقضية المركزية للأمة العربية.

فمنذ اللحظة الأولى للحلقة الجديدة من الصراع، الضارب بجذوره إلى ما قبل العام 1948، ومصر تؤكد أن لا سلام دائم بدون حل عادل للقضية الفلسطينية ينهى الظلم التاريخى الذى تعرض ولا زال يتعرض له الشعب الفلسطينى بأجياله المتعاقبة. ومع كل عدوان جديد يمارسه المحتل، يُثبت الواقع أن الصمود الأسطورى للشعب الفلسطينى، يزداد صلابة جيلًا بعد جيل، وإصرارًا على التشبث بالجذور فى الأرض مهما تعاظمت فظاعة جرائم المحتل، الذى مارس حرب إبادة فى قطاع غزة مؤخرًا.

هذا الصمود الأسطورى لشعب فلسطين حياه العرب فى البيان الختامى للقمة، وما رآه العالم فى المشهد التاريخى لعودة المهجرين قسريًا لأنقاض بيوتهم فى قطاع غزة، مع بدء تنفيذ قرار وقف إطلاق النار.

اعتمد العرب المجتمعون، فى القمة الطارئة، الخطة المصرية لإعادة إعمار وتنمية غزة، وبذلك باتت رؤية العرب مجتمعين، للتعافى المُبكر وإعادة إعمار غزة دون تهجير، تلك الخطة بأبعادها التنموية والسياسية، وهى الأمر بالغ الأهمية، فهنا مصر والسلطة الفلسطينية والدول العربية مجتمعة يقولون للعالم، هناك مسار آخر للسلام أكثر عدلًا وقابلية للتحقيق على أرض الواقع فى مواجهة، أطروحات لا منطقية طرحها الرئيس ترامب ولم تلقَ قبولًا لا عربيًا ولا دوليًا.

العرب قالوا كلمتهم الموحدة، نعم للتعمير دون تهجير، وخطة مصر المعتمدة من القمة العربية، تقدم آليات تنفيذية بجدول زمنى ودراسة جدوى مالية لتحقيق ذلك، مداها الزمنى الأقل التعافى المُبكر بإزالة الأنقاض فى غضون ستة أشهر وتوفير مساكن مؤقتة، والأقصى 5 سنوات للإعمار الكامل، بإجمالى تمويل مستهدف 53 مليار دولار.

لم تترك الخطة المصرية، تفصيلة بدون معالجة، من إدارة القطاع عبر لجنة إدارية تكنوقراط غير فصائلية تعمل تحت مظلة السلطة الفلسطينية، مع تدريب مصر للكوادر الأمنية لحفظ الاستقرار فى القطاع، إلى الرؤية المستقبلية لانتخابات متى توافرت البيئة التى تسمح بذلك، إلى مخططات العمران والتجمعات السكنية والميناء والمنشآت الخدمية.

وتشمل الخطة آليات التمويل المستهدف، وحوكمة عمليات التمويل والإنفاق، من خلال العمل على «إنشاء صندوق ائتمانى يتولى تلقى التعهدات المالية من كل الدول ومؤسسات التمويل المانحة بغرض تنفيذ مشروعات التعافى والإعمار». 

ولتعهدات التمويل تمت الدعوة لعقد مؤتمر بالقاهرة لإعمار غزة وتنميتها، تدعو له دول العالم والمنظمات المانحة، لتوفير موارد تنفيذ خطة إعادة الإعمار والتنمية فى القطاع.

بيد أن تلك القرارات والرؤية العربية، تتطلب حشد الرأى العام الدولى  لتحقيق سلام عادل يبلغ قمته بالوصول لحل جذرى على أسس الشرعية الدولية، وفق حل الدولتين الذى يمنح الشعب الفلسطينى حقه فى إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

ومن ثم فإن اعتماد القمة العربية للخطة، خطوة بالغة الأهمية للانطلاق عربيًا من موقف موحد جامع، رافض لمخططات التهجير، متمسك بالتعمير دون أى تغيير فى التركيبة السكانية لقطاع غزة، تليها خطة تحرك دبلوماسى عبر الدائرة الإسلامية والعالمية، لخلق توافق دولى داعم للخطة التى لم تعد مصرية فلسطينية بل رؤية الأمة العربية.

لا بديل عن السلام العادل، تؤكد مصر دائمًا، وفى كلمته خلال ترؤس القمة العربية أمس الأول شدد الرئيس عبدالفتاح السيسى، على أنه «بالتوازى مع خطة الإعمار، لا بد من إطلاق مسار للسلام من الناحيتين الأمنية والسياسية»، مشددًا على أن «مصر دشنت السلام منذ خمسة عقود وحرصت عليه، وهى لا تعرف غير السلام القائم على الحق والعدل وعدم خلق واقع طارد للسكان خارج أراضيهم». 

مصر لا تعرف غير السلام العادل بديلًا، والعرب قالوا كلمتهم، تعمير دون تهجير، وقد أعرب الرئيس عبدالفتاح السيسى عن ثقته فى قدرة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على تحقيق السلام.

وقد أكدت قرارات القمة العربية على أن خيار الأمة العربية الاستراتيجى تحقيق السلام العادل والشامل الذى يلبى جميع حقوق الشعب الفلسطيني، وتكثيف التعاون مع القوى الدولية والإقليمية، بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تحقيق سلام شامل وعادل بالمنطقة. 

وها هم العرب جددوا تأكيد موقفهم الواضح، السابق التأكيد عليه فى قمم ومواقف عدة، لا بديل عن السلام العادل وحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، وإدانة قرار الاحتلال بوقف إدخال المساعدات الإغاثية لأهالى قطاع غزة، والتحذير من محاولات تهجير سكان القطاع.

اعتمد العرب خطة مصر التى وضعت بتنسيق كامل مع دولة فلسطين، ودراسات البنك الدولى والصندوق الائتمانى للأمم المتحدة، بشأن التعافى المبكر وإعادة الإعمار، والعمل على تقديم كافة سبل الدعم المالى والسياسى لتنفيذها.

نجحت القمة العربية، ولتبدأ الخطوة التالية بزيارات اللجنة الوزارية العربية الإسلامية لعواصم العالم لشرح خطة إعادة الإعمار والتنمية، وتوسيع قاعدة الدعم الدولى لوضعها موضع التنفيذ.

ومن أهم القرارات الدعوة للتعاون مع الأمم المتحدة لإنشاء صندوق دولى لرعاية أيتام غزة ضحايا العدوان الإسرائيلى الذين يناهز عددهم 40 ألف طفل.

جولة جديدة من المواجهات الدبلوماسية والسياسية، لا تقل أهمية عن المواجهات السابقة، لتثبيت وقف إطلاق النار والبدء فى إجراءات التعافى المبكر والإعمار، تشير ردود الفعل العالمية الأولية إلى ترحيب بالخطة، باستثناء الاحتلال ومن يدعم رؤيته فى الإدارة الأمريكية، لكن الواقع يؤكد دائمًا أن الحق لن يضيع طالما الشعب الفلسطينى صامد والقرار العربى موحد بإذن الله.