د.سمير عوض الله شاهد عيان يروى: لحظات البطولة والفداء للشهيد ورجال الأطفاء

فى يوم الخوف والفزع، يوم الأحد الموافق ١ / ٦/ ٢٠٢٥م، استيقظنا على أصوات انفجارات متتالية، تسببت فى اهتزاز زجاج النوافذ والبلكونة، واهتزت معها قلوبنا أيضا خوفا وفزعا.
سألتنى زوجتى: هو فيه إيه، ماذا يحدث؟، فأجبتها بخبرتى المحدودة: يبدو أنها أصوات طلقات نارية.
فقالت: لأ، إنها أصوات انفجارات، ده زجاج البلكونة وزجاج النوافذ بيترج ويتحرك.
وإذا بأصوات سيارات الإسعاف تملأ المكان.
وفجأة أجد أحمد ابنى عند باب الشقة، قائلا: بابا.. أنا نازل أشوف إيه.
فقلت له: انزل، وأنا شارد الذهن.
وفجأة تنبهت إلى خطأى، إذ كيف أوافق على نزول صغيرى فى هذا الجو المرعب، ونحن لا نعلم ماذا يحدث فى الشارع.
ولم يأخذ التليفون فى يده.
فقررت النزول مسرعا خلفه بحثا عنه، ولمعرفة ما يحدث.
فوجدت المصاب الجليل، والحادث الأليم، وجدت النيران مشتعلة فى سيارة الوقود بجوار (بنزينة المجاورة ٧٠ الحى التاسع- العاشر من رمضان)، تلك البنزينة التى تبعد عن العمارة التى أقيم بها حوالى ٢٠٠ متر تقريبا.
تلك البنزينة التى تلتصق بها مدارس عالم الفكر، وتحيط بها العمارت السكنية والبيوت إلا من جانب واحد تطل منه على الصحراء.
قام البطل الشهيد خالد محمد شوقى عبدالعال،- دون خوف أو تردد- بقيادة السيارة والنيران تأكلها؛ لمحاولة إبعادها عن البنزينة وعن مدرسة عالم الفكر للغات، وعن العمارات، حفاظا على أرواح الناس.
البطل خالد لم يفكر فى نفسه، ولم يهرب لينجو من الهلاك، لقد اشتعلت النيران فى قميصه، فقام بخلعه، ونالته النيران فى أماكن متعددة من جسده.
وأخذ الجلد ينضج ويحترق ويتساقط من جسد البطل، وهو لا يعبأ بذلك.
وتواصل محاولات الإنقاذ مع رجال الإطفاء الأبطال الذين لم يقل دورهم البطولى عن دور البطل خالد، والناس حولهم فى فزع وهلع يدعون ربهم ويطلبون النجاة، أما أنا فقد كنت قلقا على ابنى أحمد؛ لأننى لم أجده بين الناس.
أين أنت يا أحمد؟، وأذهب مسرعا عدة مرات ما بين عمارتى وبين النزينة بحثا عن ولدى، فلا أجده، أعود مرة أخرى للحريق وللبنزينة، فرأيت أن النار قد هدأت بعض الشيء، ورأيت بعينى أحد رجال الإطفاء قد صعد بخرطوم المياه فوق الشاحنة المحترقة بعدما هدأت النيران إلا من جزء صغير أسفل الشاحنة.
ووجدت زملاءه يحيطون بالشاحنة من كل جانب بخراطيهم، فظننت أن الأمر قد انتهى، وأنهم استطاعوا السيطرة على الحريق، لذا مضيت مسرعا إلى أسفل عمارتى بحثا عن ولدى (أحمد) مرة ثالثة، وبعد ابتعادى عن موقع الحادث بحوالى ٣٠ ثانية أسمع صوت انفجار مرعب.
يا إلهى، لقد خدع رجل الإطفاء، وصعد فوق الشاحنة، فما مصيره الآن؟!
رجعت مسرعا، لأرى ألسنة النيران قد ارتفعت إلى عنان السماء مرة أخرى.
يا رب، أين رجل الإطفاء، لقد حملوا الرجل فوق الترولى وتوجهوا به إلى سيارة الإسعاف.
شفاك الله وعافاك أيها البطل.. شفاكم الله أيها الأبطال.
ثم تمكن رجال الإطفاء الأبطال بعد جهد كبير من إخماد النيران.
وبعد أسبوع مضى، وفى نفس اليوم الحزين الأحد الموافق ٨/ ٦/ ٢٠٢٥م، وتقريبا فى نفس التوقيت يموت البطل الشهيد.. يموت الأسطى خالد محمد شوقى عبدالعال متأثرا بإصاباته البالغة وحروقه المتعددة والمنتشرة فى جميع بدنه.
نعم مات سائق شاحنة الوقود ببنزينة السبعين، مات لينقذنا من الموت
مات لينقذ الآلاف، (لقد قاد السيارة مشتعلة؛ ليخرجها من محطة البنزين؛ فاشتعلت النيران فى جسده الطاهر)، لقد ضحى بنفسه؛ ليحافظ على أرواح الآخرين.
رحمك الله يا أسطى خالد وغفر لك..