السبت 21 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصر صوت العقـــل وسط النـيران

سيناريوهات مستقبل الحرب الإيرانيــة الإسرائيلية وتأثيرها على الإقليم

فى وقت تتزايد فيه مؤشرات الانفجار الإقليمى، حذر خبراء سياسيون واستراتيجيون من أن التصعيد المتبادل بين إسرائيل وإيران يهدد بإشعال الشرق الأوسط برمته، ويدفع المنطقة نحو هاوية صراع شامل ستكون له تداعيات كارثية على الأمن والاستقرار. 



وفى خضم هذا المشهد المشتعل، تبرز مصر كلاعب رئيسى يحاول احتواء الأزمة عبر تحركات دبلوماسية متزنة، تعكس موقعها وثقلها الاستراتيجى فى الإقليم.

«صوت العقل» هكذا أجمع الخبراء على وصف مصر التى تمارس دورًا حكيمًا فى هذه الأزمة، إذ تسعى عبر تحركاتها الدبلوماسية المتزنة وجهودها المكثفة إلى احتواء الأزمة وتفادى انزلاق المنطقة نحو المجهول، فى ظل غياب موقف دولى حاسم، وتصاعد وتيرة الردود العسكرية التى تكرس سياسة «غطرسة القوة» على حساب الحلول السياسية المستدامة.

انفجار إقليمى شامل 

اللواء عادل العمدة، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، قال إن الصراع الإسرائيلى الإيرانى ينذر بانفجار إقليمى شامل، ستكون له تداعيات كارثية على أمن واستقرار الشرق الأوسط بالكامل، ويدفع المنطقة نحو المجهول.

وفى تصريحات لـ«روزاليوسف» أكد «العمدة» أن مستقبل الصراع بين إيران وإسرائيل بات غامضًا ومقلقًا للغاية، إذ من المرجح أن يشهد تصعيدًا كبيرًا قد يؤدى إلى حرب إقليمية موسعة تشمل أطرافًا دولية وتحالفات جديدة، وهو ما يزيد الأوضاع اشتعالًا، ويهدد أمن الخليج، ويؤثر على الملاحة الدولية وتدفق النفط، ويؤدى إلى ارتفاع الأسعار عالميًا.

بحكم موقعها الاستراتيجى وثقلها السياسى والعسكرى، تدرك مصر أن انفجار هذا الصراع سيمثل تهديدًا وجوديًا لكل دول المنطقة، ولهذا جاء موقفها واضحًا بالتنسيق مع أكثر من 20 دولة، برفض الضربة الإسرائيلية والتمسك بالحل السياسى، والعودة الفورية إلى المفاوضات، ونزع فتيل الأزمة عبر تحكيم العقل ووقف أى مساعٍ لتوسيع رقعة المواجهة، على حد قوله.

مصر تمثل صوت العقل والاتزان فى هذه المرحلة الحرجة، وتتحرك بمنهجية تعتمد على التوازن الاستراتيجى، وتدعو إلى نزع السلاح النووى من المنطقة باعتباره الخطر الأكبر على مستقبل الأجيال القادمة، وتؤمن أن الحل الجذرى لا يكون إلا سياسيًا وشاملًا.

وفى تصريحاته شدد «العمدة» على أن القيادة المصرية تدير الأزمة بحكمة، وتسعى بكل أدواتها الدبلوماسية والعسكرية والأمنية إلى تقليل التأثيرات السلبية على الداخل المصرى، والحفاظ على أمنها القومى من أى ارتدادات محتملة، والتاريخ يؤكد أن مصر دائمًا ما انحازت للحلول السياسية لا العسكرية، إيمانًا منها بأن السلام العادل والشامل هو الطريق الوحيد للاستقرار الحقيقى.

تحوّل خطير

يرى الدكتور مختار الغباشى، نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن التصعيد المتبادل بين إسرائيل وإيران يعكس تحولًا خطيرًا فى طبيعة الصراع داخل الإقليم، ويزيد من احتمالات الانفجار الشامل، مشيرًا إلى أن هذا الصراع، الذى خرج من نطاق الحرب بالوكالة إلى حافة المواجهة المباشرة، ألقى بظلاله على قضايا إقليمية ودولية كبرى، مثل الحرب فى أوكرانيا والأوضاع الإنسانية الكارثية فى غزة.

استخدام القوة لن يحقق الأمن على حد قول الغباشى لـ»روز اليوسف» مضيفًا أن استعراض العضلات ومحاولة فرض معادلات الردع على طهران، سيؤديان إلى مزيد من الانفلات فى الإقليم، خاصة فى ظل غياب موقف أمريكى حاسم، بل ربما مهادن، يسعى لفرض اتفاقات قسرية على إيران دون معالجة حقيقية لأسباب التوتر.

الغباشى شدد على أن مصر تظل صوت العقل فى هذه المنطقة المضطربة، فهى ليست طرفًا فى أى من هذه الصراعات، لكنها تدير توازنًا استراتيجيًا بالغ الدقة، وتطرح حلولًا سياسية سلمية تنطلق من مبدأ احترام سيادة الدول، وعدم التصعيد، والحفاظ على أمن وسلامة شعوب المنطقة.

يرى الغباشى أن القاهرة، عبر دبلوماسيتها النشطة، تدعو إلى وقف التصعيد، وتبذل جهدًا حقيقيًا لتطويق الصراع قبل أن يتحول إلى مواجهة شاملة قد تعصف باستقرار الشرق الأوسط بأسره، مشيرًا إلى أن المنطقة لا تحتمل مزيدًا من الصراعات، ولا بد من صوت عاقل يوقف هذا الجنون، ويعيد الجميع إلى طاولة السياسة بدلًا من أن تُحسم الأمور بمدافع الصواريخ والطائرات المسيّرة.

سيناريوهات معقدة

من جانبه، أكد الدكتور رضا فرحات، أستاذ العلوم السياسية، أن التصعيد الإسرائيلى ضد إيران يُعد نموذجًا جديدًا من الاشتباك الإقليمى الذى يهدد استقرار الشرق الأوسط بأكمله، ويحمل سيناريوهات معقدة تبدأ من الحرب بالوكالة، ولا تنتهى عند حدود المواجهة المباشرة، ما يعمق أزمات المنطقة، ويزيد من احتمالات الانفجار فى ملفات أخرى، أبرزها الملف السورى واللبنانى والعراقى واليمنى.

وفقًا لتصريحاته لـ«روزاليوسف» فإن مصر، كعادتها، تمثل صوت العقل فى خضم هذا التوتر، مستندة إلى عقيدتها الثابتة فى اعتماد الحلول السياسية لا العسكرية، وهو ما ينعكس فى تحركاتها الدبلوماسية المتزنة، ودعواتها المتكررة لوقف التصعيد، وتغليب منطق الحوار على منطق الحرب. 

مصر تدير هذه الأزمة بحنكة كبيرة، من خلال تبنى مواقف متوازنة تمنع انزلاق الإقليم نحو سيناريوهات كارثية، وفى الوقت نفسه، تحصن الداخل المصرى من تداعيات الأزمة اقتصاديًا وأمنيًا، على حد وصفه.

القوة ليست حلًا

استخدام القوة لن يحقق الأمن فى الشرق الأوسط على حد قول الدكتور عمرو حسين، الباحث فى العلاقات الدولية، مشيرًا إلى أن الصراع الإسرائيلى الإيرانى الحالى يحمل فى طياته تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمى بأسره، خاصة مع انزلاق الأطراف إلى سباق ردود الفعل العسكرية والتصعيد المتبادل، الذى قد يفتح الباب أمام فوضى غير محسوبة العواقب.

حسين أوضح لـ«روز اليوسف» أن مصر تحرص، عبر أدواتها الدبلوماسية واستراتيجياتها المتوازنة، على الدفع نحو خفض التوتر، والتأكيد على ضرورة معالجة جذور الأزمات، لا مجرد إدارة نتائجها. 

لطالما كانت السياسة المصرية تعتمد على مبدأ تحقيق التوازن الاستراتيجى، والحفاظ على قنوات الاتصال مع جميع الأطراف، ما يمنحها قدرة فريدة على لعب دور الوسيط الموثوق فى مثل هذه النزاعات المعقدة، على حد قوله.

حسين حذر من أن استمرار المواجهة بين إسرائيل وإيران قد ينتج عنه عدة سيناريوهات محتملة، أخطرها انزلاق المواجهة إلى حرب شاملة بالوكالة تشمل ميليشيات حليفة لإيران فى المنطقة، فضلًا عن احتمالات استهداف المنشآت الحيوية والطرق البحرية الاستراتيجية، ما سيرفع أسعار الطاقة عالميًا ويضغط على الاقتصادات الهشة فى الشرق الأوسط.

بالإضافة إلى أن هناك أيضًا سيناريو بقاء الصراع فى إطار الضربات المحدودة المتبادلة دون الوصول إلى مواجهة كبرى، وهو ما تفضل القوى الدولية عدم تجاوزه حرصًا على استقرار أسواق الطاقة وخطوط الملاحة.

وفيما يتعلق بكيفية إدارة مصر لهذه الأزمة، أشار حسين إلى أن القاهرة تتحرك على مسارين متوازيين: داخليًا، من خلال تدعيم الجبهة الداخلية وتأمين مصادر الطاقة والغذاء لتقليل التأثر بأى اضطرابات، وخارجيًا، عبر اتصالات رفيعة المستوى مع العواصم الكبرى لدعم التهدئة، وتذكير الجميع بأن الحلول العسكرية لن تحقق إلا مزيدًا من الخسائر البشرية والاقتصادية.

المنطقة أحوج ما تكون الآن إلى رؤية واقعية ومسئولية جماعية تنهى الصراع عبر حلول سياسية مستدامة، لا عبر سباق القنابل والصواريخ الذى لن يُخلف سوى دمار جديد يزيد من تعقيد الأزمات القائمة، على حد تعبيره.

وحذر حسين من أن استمرار المواجهة بين إسرائيل وإيران قد ينتج عنه عدة سيناريوهات محتملة، أخطرها انزلاق المواجهة إلى حرب شاملة بالوكالة، تشمل ميليشيات حليفة لإيران فى المنطقة، فضلًا عن احتمالات استهداف المنشآت الحيوية والطرق البحرية الاستراتيجية، مما سيرفع أسعار الطاقة عالميًا، ويضغط على الاقتصادات الهشة فى الشرق الأوسط.