
أيمن عبد المجيد
تغييرات التركيبة العمرية بالجبهة الداخلية فى حاجة لاستراتيجية تحصين معرفى
تحديات الدولة والوعى الوطنى
لماذا هذا العدد الخاص الآن؟ سؤال ربما يراود البعض، وربما يذهب آخرون دون حاجة إلى تفكير إلى أنه احتفال بالذكرى الثانية عشرة لثورة الثلاثين من يونيو.
لكن الحقيقة فى ظل تحديات وتهديدات إقليمية ودولية تتعاظم وأزمات تتصاعد بتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على مصر داخليًا ومحددات أمنها القومى على جميع المحاور الاستراتيجية، يستوجب تكثيف الجهود الإعلامية بمعالجات مهنية تحاول الإسهام فى تنمية الوعى الوطني المعزز لصلابة الجبهة الداخلية.
تلك الجبهة الداخلية كانت ولا تزال حائط الصد الفولاذى فى مواجهة أخطر تحديات وتهديدات الدولة الوطنية فى عصرها الحديث، ومن ثغرات الجبهة الداخلية فى تجارب دولية عايشتها عبر وسائل الإعلام سقطت دول عدة فى الإقليم.
تحديات وتهديدات الدولة الوطنية المصرية، وجبهتها الداخلية بلغت ذروتها، ما بين أعوام 2011 وحتى 2014 داخليًا وخارجيًا فى الأعوام التالية لتصل إلى ذروتها في مخطط تهجير الأشقاء الفلسطينيين من غزة.
الجبهة الداخلية المصرية التي عايشت السنوات الثلاث التي بدأت من عام 2011، وتصدت لمحاولات إسقاط الدولة من الداخل، وطمس الهوية الوطنية، شهدت متغيرات متنوعة فى بنيتها السياسية، والاجتماعية وتركيبتها العمرية، ومعايشتها للأحداث ممتدة الأثر والتأثير.
فهناك جيل كامل اليوم فى ريعان الشباب، ينتقل من الحياة الجامعية إلى الحياة العملية، كان فى مرحلة الطفولة المتوسطة والمتأخرة فى السنوات الثلاث التي شهد فيها الوطن أخطر تحديات عصره الحديث.
فهؤلاء الأطفال الذين كانوا ملتحقين للتو بالمرحلة الأولى الابتدائية سبع وثماني سنوات، فى عام 2011، وما تلاها حتى 2013، باتوا اليوم شبابا يافعين تجاوزوا الـ22 عامًا، يؤدون خدمتهم العسكرية ويبدأون حياتهم العملية، جيل سيتحمل مسؤولية المستقبل.
وهناك جيل كان فى مرحلة تكوين وعيه السياسى يقبل على سن العشرين تجاوز اليوم الثلاثين عامًا، وآخرون كانت أعمارهم عشر سنوات عام 2015 ومصر تخوض حربها فى مواجهة أعنف موجة إرهابية استهدفت كسر الإرادة الوطنية هم اليوم فى سن العشرين.
هذا الجيل نما فى ظل هجمات متوالية لتزييف الوعى، شنتها جماعة الإخوان الإرهابية وأذرعها الإعلامية، والحروب النفسية المعادية، التي استهدفت الجبهة الداخلية لإحداث شروخ فى جدار الثقة والأمل فى المستقبل، فى ظل ضغوط الحياة التي تفرضها تأثيرات الأزمات الدولية والصراعات الإقليمية.
وهنا تأتى أهمية النقاش العميق، الذي يستهدف تعزيز الوعى الوطني للأجيال الشابة، باللحظات التاريخية التي لم تسعفهم مرحلتهم العمرية حين معايشتها، لاستيعاب تحدياتها المصيرية بالقدر الكافى، وإدراك والأثمان التي دفعت والدماء التي بذلت لعبورها، وأثر ما يتحقق من إنجازات، على تعزيز القدرة الشاملة للدولة، لتحقيق الأمن والاستقرار وردع العدائيات، وتلبية طموحات الشعب فى غد أفضل، دون إغفال التعبير عن مشكلاته وأمله وطموحاته.
واجهت الدولة الوطنية المصرية الكثير من التحديات منذ عام 2011, فقد نجت بوعى شعبها، وبسالة جيشها ومؤسساتها، من مخطط تدمير الدول الوطنية من الداخل الذي بدأ في 2011، وعبرت مخطط الفوضى، فى حين نجح المخطط فى إصابة دول بالإقليم بشروخ عميقة فى مؤسساتها، فيما سقطت دول أخرى لا تزال تجاهد لاستعادة دولتها الوطنية وتدفع من دماء مواطنيها ومقدراتها أثمانا باهظة.
استثمر تنظيم الإخوان لحظة استثنائية، رحل فيها رئيس بحكومته وحزبه الحاكم، دون وجود بنية سياسية قوية لأحزاب سياسية مدنية قادرة على المنافسة للوثوب على السلطة، فكان التحدى الأخطر، حيث حكم تنظيم فاشى الدولة وسعى لطمس الهوية الوطنية وأخونة مؤسسات الدولة وإقصاء من كانوا يطلقون عليهم «شركاء الميدان»، تمهيدًا لتنفيذ مشاريعهم التي تهدد الأمن القومى وتنتهك السيادة الوطنية، فاستيقظ الشعب وأطاح بحكمهم فى الثلاثين من يونيو عام 2013.
كشر التنظيم عن أنيابه، وأشهر مخالبه، التي أخفاها عن جيل كامل من الشباب الذين نشأوا يرونهم، يتسترون خلف رداء الوسطية والسلمية، يتغلغلون فى مجالس إدارات النقابات وفى الجامعات والمعارك الانتخابية النيابية، ليفاجأ «عاصرو الليمون»، - وهو مصطلح برر البعض به لنفسه انتخاب مرشح التنظيم فى الانتخابات الرئاسية- بالوجه الحقيقى الإرهابى للتنظيم الذي استهدف كسر إرادة الشعب «يا نحكمكم يا نقتلكم».
خاضت الدولة، شعبا وقيادة وجيشا ومؤسسات، حربا ضروسا على مختلف الجبهات لفرض إرادة الشعب وحماية الهوية والسيادة الوطنية، إصلاحات سياسية داخلية، دستور 2014، مرجعية الدولة فى الحقوق الحريات والواجبات، مرحلة انتقالية وانتخابات رئاسية، معركة دبلوماسية للتعريف بحقيقة ما حدث ومواجهة حملات التزييف التي شنها تنظيم الإخوان وداعميه دوليًا.
مواجهة الحروب النفسية والشائعات، ومحاولات الحصار الاقتصادى لإعاقة التنمية، كل ذلك ومنذ اللحظة الأولى مواجهة دامية على جبهة مكافحة الإرهاب التي انتهت بانتصار الدولة وتطهير مصر وسيناء من الإرهاب، كما توالت الانتصارات فى كل الجبهات وفرضت مصر شعبًا وقيادة إرادتها.
تنامت القدرة الشاملة للدولة المصرية، وبناء الإنسان ومضاعفة العمران، وتعزيز القدرات الإنتاجية الزراعية والصناعية، والعدالة الاجتماعية والنهوض بالبنية التحتية وتعظيم القدرة الدفاعية وردع التهديدات الخارجية، فكان الخط الأحمر «سرت- الجفرة» فى ليبيا، والتصدى لمخطط تهجير الأشقاء من قطاع غزة، ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى.
تنامى قدرة الدولة الشاملة وحماية أمنها القومى، لم يكن ليتحقق دون استعادة الشعب دولته الوطنية، مستقلة القرار كاملة السيادة، فولاذية الإرادة، بقيادة وطنية تنطلق من خبرة وإلمام دقيق بالتحديات والتهديدات، قادرة على الإدارة وفق استراتيجيات عمل مستدام لتحقيق هدف تعزيز القدرة الشاملة للدولة.
قاد الرئيس عبدالفتاح السيسي سفينة الوطن، ليعبر بها محيط التحديات الداخلية والخارجية، إلى بر الأمان والاستقرار والتنمية، مدعومًا بصلابة الشعب ووعيه، ووحدة جبهته الداخلية. وفى سبيل الحفاظ على تماسك الجبهة الوطنية، ومعدلات الوعى المتنامى، اعتمد القائد عبدالفتاح السيسي وزيرًا للدفاع ثم رئيسًا للجمهورية، المصارحة والمكاشفة استراتيجية، والإنجازات دليل على قياس معدلات الأداء.
أطلع الشعب على حقيقة الأوضاع وحجم التحديات والمسؤولية المشتركة، فالأوطان تبنى بالجهد والصبر والعمل والتضحيات لا الأمنيات، فكان باكورة المشروعات القومية المجرى الملاحى الجديد لقناة السويس لتعزيز قدرتها التنافسية ودخلها القومى، ورفع الروح المعنوية وإرسال رسالة للأعداء أن يدًا تبنى ويدًا تحمى فلن تستطيعوا إعاقة التنمية، فكان الإنجاز فى ١٢ شهرًا بتمويل من الشعب وبسواعد أبنائه.
توالت الإنجازات وطفرة المشروعات القومية فى مختلف المجالات بنيه تحتية وطاقة وعمران وزراعة وصناعة وحياة كريمة ونهضة فى الجامعات التكنولوجية وبنية رقمية وتنامى القدرة العسكرية.
يُقاس الإنجاز بحجم التحدى، فما أنجز تم بالتوازى مع معارك تطهير الوطن وسيناء من الإرهاب، وأزمات عالمية لها تأثيراتها الداخلية، منها جائحة كورونا والحرب الروسية الغربية فى أوكرانيا ومؤخرًا العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وعلى إيران.
لعل الواقع المعاش أقدر من أى مقالات على تحصين العقول ضد الهجمات التي تستهدف الجبهة الداخلية، فقديمًا قالوا على المجرى الملاحى الجديد لقناة السويس «ترعة»، فبات واقعًا فاضحا لأكاذيب الأعداء، وعندما نوعت مصر مصادر التسليح وحصلت مصر على حاملات الطائرات والمقاتلات والغواصات الأحدث عالميًا قالوا لماذا نشترى السلاح أليس هناك ما هو أهم، لتكشف الصراعات المعاشة بالإقليم والتهديدات على محاورنا الاستراتيجية، بصيرة قيادة الدولة وقدرتها على رصد التحديات المستقبلية والاستعداد لها.
استراتيجية متكاملة لتطوير وتعظيم قدرات الجيش المصري على مستوى الفرد المقاتل والقواعد العسكرية على المحاور الاستراتيجية، وتنويع مصادر السلاح وغيرها من مكونات القدرة الدفاعية الرادعة التي يتناولها فى هذا العدد نخبة من خبراء الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية
فى هذا العدد ثورة 30 يونيو بعيون الشعب، التحديات والإنجازات والطموحات، التي يعبر عنها المواطن البسيط، والخبراء فى كل المجالات، والقيادات الحزبية والبرلمانية والنقابية، والعلماء والمفكرون والمسؤولون التنفيذيون.
ويبقى الشعب هو البطل، بوعيه وتضحياته، وتماسكه كالبنيان المرصوص، خلف قيادة وطنية حكيمة، تواصل الإبحار بسفينة الوطن في محيط عالمى وإقليمى متلاطم التحديات والتهديدات إلى مستقبل تزداد فيه قوة مصر الشاملة آمنة مستقرة تحقق الرخاء لشعبها بإذن الله.
ويبقى الشهداء هم تاج على رأس كل مصري، بما بذلوه من أرواحهم ودمائهم دفاعًا عن الوطن وشعبه، وفى هذا العدد رسالة أمهات الشهداء لشباب مصر: «فلذات أكبادنا بذلوا الدماء فواصلوا البناء».
رحم الله الشهداء وعاشت مصر..