السبت 28 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
النهوض بالهوية الحضارية

النهوض بالهوية الحضارية

مما لاشك فيه أن أى مجتمع يمتلك مفردات تمنحه حالة من الخصوصية والتميز، غير أن مصر بما تملكه من حضارة ضاربة بجذورها فى عمق تاريخ  الإنسانية، تجعلها أحد أهم النماذج التى عبرت آثارها عن هويتها الوطنية الراسخة.



تمتاز أرض مصر، بأنها بلا مراحل تاريخية مظلمة، فمن اليسير على أى قارئ للتاريخ المصرى أن يتنقل عبر العصور، واقفًا على بدايتها ونهايتها، فالإجابة على سؤال بداية العصر البطلمى يسيرة ويفرقه عن عصر الأسرات المصرية فترة حكم الإسكندر الأكبر، ثم العصر الرومانى بعد موت كليوباترا ثم العصر المسيحى، والفتح العربى من بعده فى القرن السابع الميلادى.

من كل هذا يمكن للقارئ أن يدرك مدى أهمية الآثار المصرية، التى تعكس الهوية الوطنية الجامعة، لذا كان هدف قوى الشر  قبل ثورة 30 يونية محاولة طمس الهوية، وسعت عقب نجاح الثورة إلى ارتكاب جرائم إرهابية لمحو تلك الهوية، بحرق الكنائس وتفجيرها، فى محاولة لإشعال فتنة طائفية  وتدمير الآثار وإحراق المتاحف.

وخير دليل على ذلك متحف ملوى الذى يضم تراثًا حضاريًا بالغ الروعة لآثار مدينة المنيا عروس الصعيد، كان هدف هؤلاء الإرهابيين من حرق الآثار طمس الهوية فقد حرقوا شواهد لمقابر البدريين وهم صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام والذين شاركوا معه فى غزوة بدر وماتوا فى مصر بعد فتحها، وتحمل شواهد قبورهم آيات من الذكر الحكيم.

سبق ذلك  محاولات حرق وسرقة المتحف المصرى بل تدمير بعض أجزاء من أهرامات الجيزة، وهناك العديد من الأمثلة التى توضح أن هذه المرحلة كانت تستهدف هوية مصر الحضارية والثقافية.

صور للتدمير الذى لم يفرق بين مرحلة وأخرى فى متحف ملوى لذا كان الحفاظ على الهوية المصرية هو أحد أهم أهداف ثورة 30 يونية،  فسعت القيادة السياسية عقب استعادة الوطن، فى تعظيم قدرة مصر الحضارية، وترميم ما استهدفه الإرهاب من الآثار والتوسع فى افتتاح المتاحف المصرية مصحوبة باحتفالات عالمية، وجميعنا يذكر موكب المومياوات الملكية المتجهة من المتحف المصرى إلى متحف الحضارة، وينتظر العالم افتتاحًا أسطوريًا للمتحف المصرى الكبير الربع الأخير من هذا العام بإذن الله.

أصلحت الجمهورية الجديدة ما خربته الأيدى الإرهابية الآثمة، ففى خلال ثلاث سنوات من تدميره تمت إعادة افتتاح متحف ملوى كأحد أسرع مشروعات الترميم فى تاريخ الآثار المصرية، ولم يكن هذا فقط ما تم إنجازه بل تم تطوير البنية التحتية المؤدية إلى المتحف من طرق واستراحات لتيسير وصول الزوار والسائحين إليه بما يعكس صورة مصر الحضارية، فمصر عصية على الانكسار لا يمكن أن تنال منها معاول الشر. 

وضعت القيادة السياسية بالجمهورية الجديدة، استراتيجية متكاملة لتعظيم الاستفادة من قوة مصر الحضارية، وتعظيم موارد السياحة المصرية، بداية بتطوير البنية التحتية بمحيط المقاصد السياحية، والطرق المؤدية إليها، لإضافة مقاصد سياحية جديدة منها مشروع التجلى فى سيناء، وتطوير منطقة الأهرامات.

وكان مشروع إحياء مسار رحلة العائلة المقدسة أحد أهم المشروعات التى تعكس الهوية المصرية وتؤكد مقولة المسيح عليه السلام مبارك شعبى مصر، ولتصل للعالم من خلاله رسالة أن المسيح بديانته العظيمة الممتدة عبر العديد من البلدان، عندما تعرضت العائلة المقدسة للخطر خرجت به والدته سيدتنا مريم إلى مصر دون غيرها فوجدت فيها الأمن والسلام، فهى كما قال عليه السلام (مبارك شعبى مصر).

ثم كانت رسالة مصر إلى العالم بالحفاظ على أجساد ملوكها، وإقامة أكبر قاعة متحفية فى العالم للمومياوات الملكية لتكون رسالة أخرى من قيادة مصر السياسية أن هوية مصر ممتدة من أول مومياء محنطة بالكامل وأول شهيد مصرى مات دفاعًا عن وطنه الملك سقننرع الذى لم يقبل إهانة حاكم الهكسوس فحاربه وفتح الباب بعد استشهاده لأبنائه للدفاع عن وطنهم، وطرد عدوهم وتأسيس أكبر إمبراطورية فى العالم القديم امتدت من قرن الأرض (الجندل الرابع) إلى المياه المعكوسة (نهر الفرات).

وتواصل مصر تقديم هداياها للإنسانية، المتحف المصرى الكبير أحد عجائب الدنيا فى العصر الحديث، فهو أكبر متحف فى العالم يضم آثار حضارة واحدة، وهو المتحف الذى يمثل نقلة للعالم أجمع وليس لمصر لقراءة الحضارة والتعريف بأصولها التى وضعتها مصر، وفيه ما يمكن علماء وطلاب علم المصريات فى العالم من دراسة الحضارة والآثار المصرية.

ولكونها استراتيجية عمل مدروسة، فقد أنشأت مصر وافتتحت مطار سفنكس الدولى لتيسير وصول السائح إلى المتحف، فضلًا عن مطار العلمين وتطوير مطار برج العرب ليتمكن الجميع من الوصول إلى مبتغاهم فى أقل وقت ممكن وتيسير التنقل بين مقاصد مصر السياحية والشاطئية لتحقيق أقصى استفادة من وقته خلال الزيارة.

إن التنمية السياحية والأثرية المصرية عقب ثورة 30 يونية لم تكن من أجل البعد الاقتصادى، ولكن رسالة إلى العالم أن هذا الوطن لاتقتله رصاصة لكنه يستقبلها ويردها فى صدر عدوه، وتكون درعًا واقية وحصنًا يدافع عن الهوية المصرية، نطلب الآن فقط من سفاراتنا فى الخارج أن تسير على نهج قيادتنا السياسية وتقوم من خلال مكاتبنا السياحية بتعديل ملف الآثار المصرية ومقاصدها لتفتح الأبواب أمام السائحين لزيارة مصر،  مرات عديدة، فمصر  بهويتها وثقافتها هضمت المحتلين، ولفظت من حاول العبث بهويتها، وبإذن الله ستبتلع كل من يحاول أن يمسها بشر.