
عبده مباشر
30 يونيو.. الأخطاء والغضب والثورة
قليلة هى المرات التى ثار فيها الشعب المصرى قياسًا بكثير من الشعوب ويمكن الإشارة إلى أنه منذ بدء الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 قام بثورتى القاهرة الأولى والثانية بعدما ظل ساكنًا إلى أن قاد الأميرالاى أحمد عرابى ثورة ضد سلطة الخديو توفيق ومن بعده جاءت ثورة مصطفى كامل إلى أن انفجر الشعب فى ثورة هائلة عام 1919 تحت قيادة الزعيم سعد زغلول من أجل الاستقلال والحرية والديمقراطية وظلت الحياة فى مصر فى مجملها تتحرك نحو الأفضل سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا فى إطار مشروع نهضوى بدأه محمد على باشا عندما تولى السلطة فى مصر عام 1805.
ويوضح أهل العلم أن الشعب المصرى من شعوب الوديان التى تتسم بهدوء الطبع واللين وتسعى من أجل التنمية والاستقرار وهذه الطباع تختلف عن شعوب الجبال التى تتسم بالطباع الحادة والميل للصراع وحياة أبناء وادى النيل التى سجلت عددًا محدودًا من الثورات على امتداد أكثر من قرنين من الزمان تختلف مثلًا عن فرنسا التى ثارت ثورتها التاريخية العظمى عام 1789، ثم ثارت أعوام 1830 و1848 و1870 أى أن الشعب الفرنسى ثار أربع ثورات خلال 80 عامًا.
ولم يكن الشعب المصرى ينتقل من حالة الهدوء والاستقرار إلى الحالة الثورية إلا تحت ضغوط هائلة نالت من حريته أو كرامته أو أمنه وسيادته.
وقد توفرت كل هذه الأسباب مع عدد هائل من الأخطاء التى لا يمكن تجاوزها أو غفرانها خلال الفترة التى سبقت اندلاع هذه الثورة الشعبية العارمة فى 30 يونية 2013 ويمكن الإشارة إلى التالى:
تعرضت سيادة مصر على أرضها لانتهاك خطير عندما تدفقت يوم 27 يناير 2011 من الأنفاق مجموعات إرهابية مسلحة فوق سيارات چيب رباعية وما حدث أن أكثر من 200 سيارة لاند كروز من مدينتى رفح والعريش هاجمت كل عناصر السلطة المصرية بشمال سيناء خاصة قسم ثان العريش، وبدأت فى إطلاق النار بشكل عشوائى وفى كل اتجاه لإرغام المواطنين على الاحتماء ببيوتهم وفى ظل هذه السيطرة تدفقت مجموعات إرهابية متعددة إلى الدلتا، وهناك انضمت إلى عناصر إرهابية من الإخوان وتم الهجوم على عدد من الليمانات والسجون يوم 28 يناير 2011، لإطلاق سراح العناصر الإخوانية بما فيها القيادات وعناصر أخرى من حماس وحزب الله اللبنانى بالإضافة إلى الآلاف من المجرمين العتاة للإسهام فى زعزعة الاستقرار بمصر وقد خسرت الشرطة كثيرًا من عناصرها خلال هذه الهجمات وكان محمد مرسى من بين الذين تم إطلاق سراحهم.
أقدم رئيس الجمهورية الإخوانى الخائن محمد مرسى على التنازل عن منطقتى حلايب وشلاتين للسودان ببلاهة ودون أى إدراك لقيمة أرض الوطن وانطلقت أفراح أهل الحكم الإخوان فى السودان.
وقد رفض المواطنون وبقوة مثل هذا التفريط فى أرض الوطن وساندتهم القوات المسلحة، أراد الخائن محمد مرسى منح السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس مساحة هائلة من سيناء لضمها إلى قطاع غزة فى غيبة مفجعة لمفهوم الوطن والوطنية وهذا القرار كان يقف وراءه قوات الاحتلال الإسرائيلية فى غزة ومن خلفها الحكومة فى تل أبيب، وقد رفض محمود عباس مثل هذا القرار، وللحفاظ على أرض الوطن من هذه القرارات البلهاء، قررت القيادة العامة ولاعتبارات أمن مصر الانفراد بكل ما يتعلق بأرض سيناء.
الاندفاع بقوة على طريق أخونة الدولة والاعتماد فقط على العناصر الإخوانية وتجاهل كل الكفاءات وأصحاب الخبرات من المصريين، المهم أن مكتب الإرشاد بالمقطم كان يختار العناصر التى تشغل المواقع أيا كانت مستويات التعليم أو الكفاءة أو الخبرة وعلى سبيل المثال فقد تم تعيين أستاذ بكلية الطب البيطرى رئيسًا لمجلس الشورى، واختيار أستاذ بكلية الزراعة رئيسًا لمجلس الشعب.
وهذان المنصبان لم يكن يشغلهما طوال التاريخ سوى أساتذة وعلماء وكفاءات قانونية، كما اختاروا أحد خريجى كلية الألسن لشغل منصب وزير الاستثمار وكان منصب وزير الإعلام من نصيب صحفى فاشل وبعد تعيينه انشغل بمغازلة المذيعات وقد فضحته مذيعتان.
وعرف المصريون أن الإخوان الإرهابيون الذين ظلوا يعملون بقوة وبكل الوسائل على امتداد أكثر من 80 عامًا من أجل الوصول إلى قمة السلطة لم يهتموا بإعداد العناصر التى تشغل المناصب الرئيسية أو غير الرئيسية.
باستهتار بالغ بالقضاء والقانون قرروا إغلاق المحكمة الدستورية وحصارها لمنعها من أداء دورها، كما حاصروا مدينة الإنتاج الإعلامى للحيلولة بينها وبين أداء دورها.
ولم يتورعوا عن الصدام بالقضاء والإعلام وكل القوى السياسية والنقابية واتحادات العمال، ورجال الأعمال، ومارسوا مع كثيرين عمليات ابتزاز مكشوفة وغير أخلاقية.
وبلغ التبجح ذروته بإصدار إعلان دستورى يحصن كل قرارات رئيس الجمهورية، ولم يكن هناك سابقة لمثل هذا الإعلان الفج الذى يمنح عصمة لقرارات واحد من البشر.
أثناء الاحتفال بيوم النصر العظيم اختار المسئولون الإخوان أن يجلس على المقاعد الرئيسية بالمنصة عدد كبير ممن اتهموا بالاشتراك فى اغتيال الرئيس السادات بعد أن أخرجوهم من السجون وتغاضوا عن الأحكام الصادرة ضدهم وفوجئ قادة القوات المسلحة والمواطنون بهذا المشهد البالغ السوء والساقط، ورفض من رفض واستنكر من استنكر وعبرت كتابات كثيرة عن الغضب من هذا المشهد فالسادات هو الرئيس الذى قاد مصر لانتصار عسكرى عظيم على القوات الإسرائيلية فى أول عملية هجومية من عصر الخديو إسماعيل وهو من أعاد لمصر كل أراضيها المحتلة فى سيناء.
ولم ينس المصريون هذا المشهد الغليظ وهذا السقوط التاريخى والأخلاقى والقانونى والإنسانى والوطنى.
تحول الرفض الشعبى لسلطة الإخوان الخونة إلى غضب وتحول الغضب إلى مظاهرات تهتف بسقوطهم وتوجهت مظاهرة إلى مقر الرئاسة بمصر الجديدة وأحاطت بالمبنى وهى تزأر غضبًا وسخطًا وطلب الرئيس محمد مرسى من الحرس الجمهورى إطلاق النيران على المتظاهرين ورفض قائد قوات الحرس تنفيذ مثل هذا الأمر فتوجه الرئيس إلى الشرطة ولم يختلف الموقف، رفضت القوات المسلحة والشرطة إطلاق النيران على المتظاهرين.
واستدعى مرسى عددًا كبيرًا من ميليشيات الإخوان التى اصطدمت بالمتظاهرين، وسالت الدماء، وتمكنوا من فض المظاهرة، بعدها بدأت هذه الميليشيات فى الجرى بشوارع المنطقة ابتهاجًا بنصرها، ولم يأبه أحد للجرحى الذين مازالوا بالمنطقة فى انتظار سيارات الإسعاف.
أما الرئيس محمد مرسى فقد هرب من باب جانبى خوفًا من المظاهرة والمتظاهرين، نشطت السلطة الإخوانية الإرهابية لدعوة الإرهابيين والمقاتلين المرتزقة الإسلاميين من كل مكان فى العالم للقدوم إلى مصر والاحتشاد بسيناء تمهيدًا لإعلان ولاية سيناء الإسلامية واستقبلت مصر الآلاف تلو الآلاف من هؤلاء الإرهابيين سواء كان معهم وثائق سفر أم لا وكان هناك من يستقبلهم ويعمل على نقلهم إلى سيناء.
وبدأ هذا الحشد الإرهابى فى العمل من أجل إنشاء هذه الولاية الإسلامية، وقدمت لهم السلطة كل ما يحتاجونه من دعم.
وقد اعترفت هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية فى ذلك فى كتابها «خيارات صعبة» الذى تمت ترجمته إلى اللغة العربية أنها زارت عددًا من الدول لحثها على الاعتراف بدولة ولاية سيناء الإسلامية بمجرد إعلان ميلادية.
وهذه الحشود الإرهابية هى التى أطلقت أعنف موجة إرهابية تعرضت لها مصر بمجرد سقوط دولة الإخوان.
هذه الأخطاء الفادحة جدًا والتى لا يمكن لسلطة حكم حكيمة أو ناضجة أو عاقلة ارتكابها بهذا الشكل الذى تمت به، ضغطت بقوة على قلوب وعقول المصريين، واستنفدت كل طاقتهم على الصبر والاحتمال، ورأى الجميع بشكل واضح أن مصر تواجه خطرًا وجوديًا، وأن حجم هذا الخطر يتضاعف يومًا بعد يوم، وأدت هذه الضغوط الهائلة إلى تململ الناس وتحول التململ إلى معارضة عالية الصوت وإلى غضب هائل.
وبرزت على السطح مجموعة «تمرد» التى بدأت فى جمع توقيعات المواطنين الموثقة على بيان يرفض سلطة الإخوان ويدعو لسقوط حكم المرشد وقد جمعت هذه المجموعة ملايين التوقيعات.
وبسرعة خرج الناس للتظاهر فى كل مدن مصر فى ثورة غير مسبوقة فلم يسبق أن شهدت مصر أكثر من 30 مليون مواطن فى الشوارع يهتفون بسقوط حكم المرشد، وتطلع الثوار إلى القوات المسلحة.
لقد بدأت الثورة يوم 30 يونية 2013 أى بعد عام تقريبًا من تولى محمد مرسى سلطاته كرئيس للجمهورية.
وانتظرت قيادة القوات المسلحة ثلاثة أيام تاركة للثورة والثوار أن يزدادوا صلابة وتماسكًا وأن يشهد العالم أن الشعب المصرى لم يعد يقبل بسلطة الإخوان ويوم 3 يوليو، تقدمت القوات المسلحة وتصدت للتعبير عن إرادة الشعب وحمايته وبما أدى إلى انطواء صفحة الحكم الإخوانى.