الثلاثاء 3 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الصوم موجب للرحمة والعطف على المساكين.. ويمنع النفس من تتبع الشهوات

الصوم موجب للرحمة والعطف على المساكين.. ويمنع النفس من تتبع الشهوات
الصوم موجب للرحمة والعطف على المساكين.. ويمنع النفس من تتبع الشهوات




حوار: صبحى مجاهد

يأتى رمضان كل عام وتتزايد الأسئلة حول حكمته وسننه واحكامه ومفسداته، وفى هذا الجزء الأول من حوار «روزاليوسف» مع د. على جمعة مفتى الجمهورية السابق نوضح العديد من الأمور المتعلقة بالصوم.
حيث أكد د. جمعة فى الجزء الأول من حواره أن الصوم موجب للرحمة والعطف على المساكين وله العديد من الحكم التى بينتها الشريعة، وأن تصفيد الشياطين فى رمضان لا يمنع من وقوع المعاصى.
أضاف أن تأخير قضاء ما فات من رمضان عقب قدوم آخر يوجب القضاء والفدية عند جمهور العلماء، وأن هناك مفسدات للصوم إحداها توجب للقضاء فقط، وأخرى موجبة للقضاء والكفارة معا


■ بداية ما الحكمة من الصَّوْمِ؟
- الصَّوْم وَسِيلَةٌ إِلَى التَّقْوَى، لأِنَّهُ إِذَا انْقَادَتْ نَفْسٌ لِلاِمْتِنَاعِ عَنِ الْحَلاَل طَمَعًا فِى مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَوْفًا مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ، فَأَوْلَى أَنْ تَنْقَادَ لِلاِمْتِنَاعِ عَنِ الْحَرَامِ، فَكَانَ الصَّوْمُ سَبَبًا لاِتِّقَاءِ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّهُ فَرْضٌ، وَإِلَيْهِ وَقَعَتِ الإْشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
كما أن الصَّوْم وَسِيلَةٌ إِلَى شُكْرِ النِّعْمَةِ، إِذْ هُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنِ الأْكْل وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ، وَإِنَّهَا مِنْ أَجَل النِّعَمِ وَأَعْلاَهَا، وَالاِمْتِنَاعُ عَنْهَا زَمَانًا مُعْتَبَرًا يُعَرِّفُ قَدْرَهَا، إِذِ النِّعَمُ مَجْهُولَةٌ، فَإِذَا فُقِدَتْ عُرِفَتْ، فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى قَضَاءِ حَقِّهَا بِالشُّكْرِ، وَشُكْرُ النِّعَمِ فَرْضٌ عَقْلاً وَشَرْعًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
والصوم جُنَّةٌ للنفس من تتبع شهواتها، وفِيه قَهْر الطَّبْعِ وَكَسْر الشَّهْوَةِ، وَلِذَا قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».
ويعتبر الصَّوْم مُوجِبٌ لِلرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَإِنَّ الصَّائِمَ إِذَا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِى بَعْضِ الأْوْقَاتِ، ذَكَرَ مَنْ هَذَا حَالُهُ فِى جَمِيعِ الأْوْقَاتِ، فَتُسَارِعُ إِلَيْهِ الرِّقَّةُ عَلَيْهِ، وَالرَّحْمَةُ بِهِ، بِالإْحْسَانِ إِلَيْهِ، فَيَنَال بِذَلِكَ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ.
■ كيف يقع الانسان فى المعاصى بشهر رمضان رغم ان الشياطين تصفد؟
- وقوع المعصية من بنى آدم يرجع لأسباب عديدة، منها الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء.. قال السندى فى حاشيته على سنن النسائى عند قوله صلى الله عليه وسلم: «وصفدت الشياطين»: ولا ينافيه وقوع المعاصي، إذ يكفى وجود المعاصى شرارة النفس وخبائثها، ولا يلزم أن تكون كل معصية بواسطة شيطان، وإلا لكان لكل شيطان شيطان ويتسلسل، وأيضاً معلوم أنه ما سبق إبليس شيطان آخر، فمعصيته ما كانت إلا من قبل نفسه.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الذين يصفدون من الشياطين مردتهم، فعلى هذا فقد تقع المعصية بوسوسة من لم يصفد من الشياطين.
■ البعض قد يأتيه رمضان ولم يقض ما فاته من رمضان الماضى فما حكم ذلك؟
-ذهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ يَكُونُ عَلَى التَّرَاخِي، وَقَيَّدُوهُ بِمَا إذَا لَمْ يَفُتْ وَقْتُ قَضَائِهِ، بِأَنْ يُهِل رَمَضَانُ آخَرُ، فالأصْل الْمُبَادَرَةُ إِلَى قَضَاءِ مَا فَاتَ مِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ مَا لَمْ يَتَضَيَّقِ الْوَقْتُ، بِأَلاَّ يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمَضَانَ الْقَادِمِ إِلاَّ مَا يَسَعُ أَدَاءَ مَا عَلَيْهِ. فَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْوَقْتُ لِلْقَضَاءِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
فإِنْ لَمْ يَقْضِ فِيهِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى تَأْثِيمِهِ بِالتَّأْخِيرِ إِذَا فَاتَ وَقْتُ الْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ،
وذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ مُطْلَقًا وَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ هَل عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ. لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ عِنْدَهُمُ الْمُتَابَعَةُ مُسَارَعَةً إِلَى إِسْقَاطِ الْوَاجِبِ.
فإذَا أَخَّرَ الْقَضَاءَ حَتَّى دَخَل رَمَضَانُ آخَرُ فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ مُفَرِّطًا فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ مَعَ الْفِدْيَةِ، وَهِيَ إِطْعَامُ مِسْكِينٍ عَنْ كُل يَوْمٍ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال فِى رَجُلٍ مَرِضَ فِى رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ، ثُمَّ صَحَّ فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ: «يَصُومُ الَّذِى أَدْرَكَهُ، ثُمَّ يَصُومُ الَّذِى أَفْطَرَ فِيهِ وَيُطْعِمُ عَنْ كُل يَوْمٍ مِسْكِينًا».
وعِنْدَ الْحَنَفِيَّة أَنَّ مَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ حَتَّى هَل عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ، فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَلاَ فِدْيَةَ، وَاسْتَدَلُّوا بِإِطْلاَقِ قَوْله تَعَالَى: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ.
■ ما مفسدات الصَّوْمِ؟
- يَفْسُدُ الصَّوْمُ إذا انْتَفَى شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهِ، أَوِ اخْتَل أَحَدُ أَرْكَانِهِ، كَالرِّدَّةِ، وَكَطُرُوءِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَكُل مَا يُنَافِيهِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَدُخُول شَيْءٍ مِنْ خَارِجِ الْبَدَنِ إِلَى جَوْفِ الصَّائِمِ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الدَّاخِل إِلَى الْجَوْفِ مِنَ المداخل الطَّبِيعِيَّةِ الأَْصْلِيَّةِ فِى الْجِسْمِ، وَالَّتِى تُعْتَبَرُ مُوَصِّلَةً لِلْمَادَّةِ مِنَ الْخَارِجِ إِلَى الدَّاخِل، كَالْفَمِ وَالأَْنْفِ وَالأُْذُنِ.
وَقَدِ اسْتُدِل لِذَلِكَ، بِالاِتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مَنِ اغْتَسَل فِى مَاءٍ، فَوَجَدَ بَرْدَهُ فِى بَاطِنِهِ لاَ يُفْطِرُ، وَمَنْ طَلَى بَطْنَهُ بِدُهْنٍ لاَ يَضُرُّ.
ويشترط أَنْ يَكُونَ الدَّاخِل إِلَى الْجَوْفِ مِمَّا يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ، كَدُخُول الْمَطَرِ وَالثَّلْجِ بِنَفْسِهِ حَلْقَ الصَّائِمِ إِذَا لَمْ يَبْتَلِعْهُ بِصُنْعِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ - كَالذُّبَابِ يَطِيرُ إِلَى الْحَلْقِ، وَغُبَارِ الطَّرِيقِ - لَمْ يُفْطِرْ إِجْمَاعًا.
وَشُرِطَ كَوْنُ الصَّائِمِ قَاصِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ نَاسِيًا أَنَّهُ صَائِمٌ، فَلاَ يَفْسُدُ صَوْمُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَذَلِكَ لِحَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَل أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ».
وَشَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنْ يَكُونَ الصَّائِمُ مُخْتَارًا، فَلَوْ أُوجِرَ الْمَاءُ، أَوْ صُبَّ الدَّوَاءُ فِى حَلْقِهِ مُكْرَهًا، لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ عِنْدَهُمْ، لأَِنَّهُ لَمْ يَفْعَل وَلَمْ يَقْصِدْ.
■ هل هناك ما يفسد الصوم ويوجب القضاء بلا كفارة؟
- هناك حالات يفسد فيها الصوم وتجب بها القضاء دون الكفارة وهى: تَنَاوُل مَا لاَ يُؤْكَل عَادَةً كَالتُّرَابِ وَالْحَصَى- قَضَاءُ الشَّهْوَةِ عَلَى وَجْهِ الْقُصُورِ: كتَعَمُّد إِنْزَال الْمَنِيِّ بِلاَ جِمَاعٍ، بالاِسْتِمْنَاءِ بِالْكَفِّ أَوْ بِاللَّمْسِ وَالتَّقْبِيل.
وكذلك اسْتِعْمَال الْبَخُورِ بِإِيصَال الدُّخَانِ إِلَى الْحَلْقِ، فَيُفْطِرُ، أَمَّا شَمُّ رَائِحَةِ الْبَخُورِ وَنَحْوِهِ بِلاَ وُصُول دُخَانِهِ إِلَى الْحَلْقِ فَلاَ يُفْطِرُ وَلَوْ جَاءَتْهُ الرَّائِحَةُ وَاسْتَنْشَقَهَا، لأَِنَّ الرَّائِحَةَ لاَ جِسْمَ لَهَا.
كما يفطر بُخَارُ الْقِدْرِ: مَتَى وَصَل لِلْحَلْقِ بِاسْتِنْشَاقٍ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ، أَمَّا لَوْ وَصَل وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلْحَلْقِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ.
وكذلك التَّدْخِينُ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ شُرْبَ الدُّخَانِ أَثْنَاءَ الصَّوْمِ يُفْسِدُ الصِّيَامَ، لأَِنَّهُ مِنَ الْمُفْطِرَاتِ.
والتَّقْطِيرُ فِى الأُْذُنِ: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى فَسَادِ الصَّوْمِ بِتَقْطِيرِ الدَّوَاءِ أَوِ الدُّهْنِ أَوِ الْمَاءِ فِى الأْذُنِ.
والاِحْتِقَانُ: صَبُّ الدَّوَاءِ أَوْ إِدْخَاله نَحْوِهِ فِى الدُّبُرِ. وَقَدْ يَكُونُ بِمَائِعٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَالاِحْتِقَانُ بِالْمَائِعِ مِنَ الْمَاءِ.
■ ما الذى يوجب القضاء والكفارة؟
- الْجِمَاعُ عَمْدًا فِى نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا مُخْتَارًا سواء أَنْزَل أَوْ لَمْ يُنْزِل.
لِحَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ قَال: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ، هَلَكْتُ، قَال: مَا لَكَ؟ قَال: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِى وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَل تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا»؟ قَال: لاَ. قَال: فَهَل تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَال: لاَ. قَال: فَهَل تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَال: لاَ. قَال: فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ، أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ. قَال: أَيْنَ السَّائِل؟ فَقَال: أَنَا، قَال: خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ، فَقَال الرَّجُل: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّى يَا رَسُول اللَّهِ، فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا - يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ - أَهْل بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْل بَيْتِى، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَال: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ».
وَلاَ خِلاَفَ فِى فَسَادِ صَوْمِ الْمَرْأَةِ بِالْجِمَاعِ لأِنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْمُفْطِرَاتِ، وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ فِى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا: فَمَذْهَبُ الجمهور وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا أَيْضًا، لأِنَّهَا هَتَكَتْ صَوْمَ رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهَا كَالرَّجُل. فَقَدِ اسْتَوَيَا فِى الْجِنَايَةِ، وَالْبَيَانُ فِى حَقِّ الرَّجُل بَيَانٌ فِى حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَلاَ يَتَحَمَّل الرَّجُل عَنْهَا؛ لأَِنَّ الْكَفَّارَةَ عِبَادَةٌ أَوْ عُقُوبَةٌ، وَلاَ يَجْرِى فِيهَا التَّحَمُّل.
وَفِى قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ وأَحْمَدَ: أَنَّهُ لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْوَاطِئَ فِى رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، وَلَمْ يَأْمُرِ الْمَرْأَةَ بِشَيْءٍ، مَعَ عِلْمِهِ بِوُجُودِ ذَلِكَ مِنْهَا. وَلأِنَّ الْجِمَاعَ فِعْلُهُ، وَإِنَّمَا هِيَ مَحَل الْفِعْل. وَفِى قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: تَجِبُ، وَيَتَحَمَّلُهَا الرَّجُل.
كما تجب الكفارة والقضاء فيمن أكل وشرب متعمدا، فَإِذَا أَكَل الصَّائِمُ، فِى أَدَاءِ رَمَضَانَ أَوْ شَرِبَ غِذَاءً أَوْ دَوَاءً، طَائِعًا عَامِدًا، بِغَيْرِ خَطَأٍ وَلاَ إِكْرَاهٍ وَلاَ نِسْيَانٍ، أَفْطَرَ وَعَلَيْهِ القضاء والْكَفَّارَةُ.
وكذلك تجب الكفارة والقضاء مَا لَوْ تَعَمَّدَ رَفْعَ النِّيَّةِ نَهَارًا، كَأَنْ يَقُول - وَهُوَ صَائِمٌ: رَفَعْتُ نِيَّةَ صَوْمِى، أَوْ يَقُول رَفَعْتُ نِيَّتِي.
■ ما سنن الصوم؟
تتلخص سنن الصوم فى الآتى:
أ - السَّحُورُ، قال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِى السَّحُورِ بَرَكَةً».
ب - تَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَتَعْجِيل الْفِطْرِ، وَمِمَّا وَرَدَ فِيهِ حَدِيثُ سَهْل بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: «لاَ يَزَال النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ».
ج - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الإِْفْطَارُ عَلَى رُطَبَاتٍ، وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ، فَإِنَّهُ طَهُورٌ». [الترمذي]
د - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ الإِْفْطَارِ، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مَرْفُوعًا: «إِنَّ لِلصَّائِمِ دَعْوَةً لاَ تُرَدُّ».
وَمِنْ أَهَمِّ مَا يَنْبَغِى أَنْ يَتَرَفَّعَ عَنْهُ الصَّائِمُ وَيَحْذَرَهُ: مَا يُحْبِطُ صَوْمَهُ مِنَ الْمَعَاصِى الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، فَيَصُونَ لِسَانَهُ عَنِ اللَّغْوِ وَالْهَذَيَانِ وَالْكَذِبِ، وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالْفُحْشِ وَالْجَفَاءِ، وَالْخُصُومَةِ وَالْمِرَاءِ، وَيَكُفَّ جَوَارِحَهُ عَنْ جَمِيعِ الشَّهَوَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، وَيَشْتَغِل بِالْعِبَادَةِ، وَذِكْرِ اللَّهِ، وَتِلاَوَةِ الْقُرْآنِ.
وَفِى الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَال اللَّهُ تَعَالَى: كُل عَمَل ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثُ وَلاَ يَصْخَبُ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُل: إِنِّى امْرُؤٌ صَائِمٌ».
وَفِى حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، مَا لَمْ يَخْرِقْهَا بِكَذِبٍ أَوْ غِيبَةٍ».
وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْل الزُّورِ، وَالْعَمَل بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ». [ابن ماجه]