السبت 19 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مستشار مفتى الجمهورية العلمى: الجماعات الدينية فى مصر وراء ظهور التطرف فى الفتوى

مستشار مفتى الجمهورية العلمى: الجماعات الدينية فى مصر وراء ظهور التطرف فى الفتوى
مستشار مفتى الجمهورية العلمى: الجماعات الدينية فى مصر وراء ظهور التطرف فى الفتوى




كتب - صبحى مجاهد
استطاع د. مجدى عاشور مستشار مفتى الجمهورية العلمى رصد العديد من مظاهر التطرف فى الفتوى من خلال بحثه الذى تتبع فيه مسيرة الفتوى فى مصر كنموذج، حيث اكد خلال بحثه، الذى قدم فى المؤتمر الدولى لدار الإفتاء المصرية المنعقد الاسبوع الماضى فى القاهرة بحضور علماء ومفتين من 50 دولة: إن من ينظر فى تاريخ مصر يجد أن الله تعالى قد حباها بالصدارة فى العلم والفتوى منذ القدم، فبها نزل الصحابة - رضى الله تعالى عنهم أجمعين - ثم جاء من بعدهم التابعون ثم تابعوهم فحملوا الأمانة وقاموا على أمرها وشئونها أحسن قيام، ويكفى أن من فقهائها الأعلام الإمام الليث بن سعد، ثم استوطنها أصحاب الإمام مالك - رضى الله عنه - ثم دخلها الإمام الشافعي، وقد استمر العلم فيها يضرب بأطنابه، حتى تكونت بها أعظم جامعة إسلامية عرفها المسلمون بعد القرون الأولى، وهى الأزهر الشريف، ثم أصبح هناك مفتى لعموم الديار المصرية، حتى استقرت المسألة على وجود دار الإفتاء المصرية.
أضاف ان بزوغ التطرف فى الفتوى ظهر مع ظهور جماعات دينية فى مصر تدين بمرجعية غير الأزهر الشريف، والتى تكلفت بإبعاد المقلد لتعاليمها عن الملامح الواضحة التى تميز جماعة المسلمين هويةً ومظهرًا، وليس من وراء ذلك موجب سوى اتباع الأهواء والإعجاب بالرأي، مما ساهم ذلك فى تعدد الفتوى مصدرًا ومنهجًا، فوقعت مخالفات جسيمة؛ حيث اتبع غير سبيل العلماء المعتبرين، وتولى ما ارتضاه لنفسه من مناهج مبتدعة لم يؤصلها الأوائل، ولم يكشف عنها الأواخر، فكانت بدعًا من القول وزورًا، وكذلك ساهم هذا الأمر بشكل أو بآخر فيما يعانى منه المجتمع الإسلامى بشأن مشكلة: «فوضى الفتاوى».
وأوضح أن من مظاهر التطرف فى الفتوى القدح فى الثوابت الدينية المستقرة، حيث تتابع المحاولات التى تظهر بين حين وآخر لتنادى بالانسلاخ من الالتزام بالثوابت الشرعية بدعوى الرجعية، على الرغم من أن هذه الثوابت هى التى تشكل هوية دين الإسلام،، وكذلك مهاجمة المؤسسات الدينية ومناهجها، حيث نشاهد أن مِن دأب أصحاب الفكر المتطرف أنهم لا يملون مهاجمة المؤسسات الدينية ومناهجها، ويرمونها بالشرك فضلا عن البدعة والفسوق، زعمًا بأن هذه المؤسسات هى حامية الكفر والحاملة له، وهى فى الحقيقة الحاضنة الشرعية للفكر المعتدل فى المجتمع العالمى.
ولفت إلى أن من معايير التطرف فى الإفتاء عدم تحصيل مؤهلات الفتوى، والإنكار فى المختلف فيه، حيث أثار المتطرفون مسائل الخلاف على أن رأيهم فيها هو الممثل للحق والصواب وما عداه لا يعدو البدع والضلال، بل يجعلون ذلك مناطا للولاء والبراء، غافلين ومتغافلين عن كونها مسائل خلافية قديمة لم تكن حديثة، وقد فرغ كل مذهب مما قاله بأدلته وسطَّر ذلك فى كتبه المعتمدة.
وشدد على أن المتطرفين لا يعتبرون خلاف غيرهم، ومن ثَمَّ يعدون المسألة التى يتكلمون فيها من الأمور القطعية الدلالة ذات المعنى الواحد، فيقعون فى العنت والإعنات والتنفير من دين الله تعالى، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
ولفت إلى أن الشرع حسم مادة الهوى فى الأحكام الشرعية؛ فالمتبع لهواه يشق عليه كل شيء، سواء أكان فى نفسه شاقا أم لم يكن؛ لأنه يصده عن مراده، ويحول بينه وبين مقصوده، ولذلك سمِّى أهل البدع أهلَ الأهواء؛ موضحا أن اتباع الهوى فى الفتوى له مظاهر عدة، منها تتبع الرخص، واتخاذ الحيل المذمومة، والتعصب والتقليد الأعمى.
وأكد عاشور أنه لما كان التطرف يقابل الوسطية؛ فإن معالمه تتضح ببيان معالم الوسطية فى الفتوى؛ إذ بالضد تتضح الأشياء، حيث إن الوسطية فى الفتوى تتضمن المقارنة بين الكلى والجزئى، والموازنة بين الأصول والفروع، والربط الوثيق بين النصوص الشرعية ومعتبرات المصالح فى الفتاوى والآراء.
وأوضح أن التعصب البغيض يغمض أعين المتطرفين عن رؤية العلماء المعتبرين، فلا يرون إلا أنفسهم أو من يصلون بأتباعه إلى درجة تقترب من القداسة من حيث لا يشعرون؛ لفقدانهم المعيار الذى يفرق بين التطرف والاعتدال.
وشدد مستشار مفتى الجمهورية على أن الإسلام أعطى أمن المجتمعات الفكرى الاهتمام البالغ، فقد جعله من أعظم مقاصد الشريعة، إذ به يتحقق حفظها، وهو مفتاح تحقيق العزة للأمة الإسلامية والخيرية التى هى مطالبة باستعادتها بعد أن ضيعتها لقرون، وبه تبنى وتنهض الأمم، وأى إخلال به إخلال بالجانب السلوكى والاجتماعى والسياسى لها.
وطالب د. مجدى عاشور بضرورة قصر الفتوى على المتخصصين حيث إن اجتراء الأدعياء واتخاذهم رؤوسا ومراجع، يدخل على الناس اللبس والتشويش فى دينهم، كما تسعى الجماعات المتطرفة إلى توظيف الطائفية المقيتة لتحقيق أطماع سياسية دنيوية، لا علاقة لها بنصرة الدين والأمة، وإنما تستهدف العدوان على الغير والاستحواذ على حقوقه بالاستقواء والغدر، وهم يسعون فى تحقيق مآربهم الخسيسة يقللون من دور المؤسسات العلمية؛ يتعدون على صلاحيتها، ويتعمدون الإساءة إليها والتشكيك فى اطلاعها ومسئولياتها وإضعاف هيبتها والنيل من سمعتها.
واختتم عاشور بحثه بأنه يجب أن يستقى الإفتاء من خلال النظر بعينين؛ عين على النص ومدلولاته، وعين على الواقع ومعطياته، وربط ذلك بمقاصد الشريعة وغاياتها، حتى ترجع الأمة إلى دروب التنوير والحكمة، التى تحصنها من المزالق، التى يعود سببها الأصيل إلى ما يمكن تسميته بـ«الفقه الأعور»، الذى يأتى عَوَارُه من كونه ينظر إلى النصوص بعين واحدة، فيدرك جزءا من النص، أو جزءا من الحكم، تاركًا مقتضيات كثيرة كفهم الواقع، ومراعاة المقاصد والمآلات، وهى لا تنفصل بحال من الأحوال عن النص أو الحكم.