إبراهيم العسال: مشكلة التاريخ هو كتابته على هوى الأنظمة الحاكمة

علاء الدين ظاهر
حوار - علاء الدين ظاهر
قال الدكتور إبراهيم العسال الباحث والمحاضر بكلية الآداب والفلسفة بجامعة قرطبة فى إسبانيا وعضو اللجنة العلمية للتراث الثقافى بالاتحاد الأندلسى فى إسبانيا أن عثمان بن عفان «المظلوم تاريخيا» هو أول من فكر فى فتح الأندلس عندما وجد أنها السبيل الوحيد لفتح القسطنطينية وهى الحلم الأكبر للمسلمين، مشيرا فى حواره مع جريدة روزاليوسف اليومية إلى أن اللغة الاسبانية حتى الآن بها أكثر من 6000 كلمة من أصل عربى أشهرها«السوق»، كما أنه لا يمكن للأندلسيين أن يعيشوا بدون السياحة والتى تقوم بالأساس على التراث العربى الإسلامي.. وإلى نص الحوار.
■ فى البداية نريد أن نعرف كيف بدأ التاريخ الإسلامى والعربى فى الأندلس وكيف انتهى؟
- لابد أن يكون معروفا فى البداية أن عثمان بن عفان «المظلوم تاريخيا» هو أول من فكر فى فتح الأندلس عندما وجد أنها السبيل الوحيد لفتح القسطنطينية وهى الحلم الأكبر للمسلمين، وكان عثمان يقصد وقتها الوصول إلى القسطنطينية فى شرق أوروبا عن طريق البحر وهو ما لم يتحقق إلا بفتح الأندلس، إلا انه فعليا طُرقت أبواب الأندلس لأول مرة فى التاريخ العربى الإسلامى فى زمان الخليفة الأموى الوليد بن عبدالملك وكان ذلك سنة 92 هجرية / 711 ميلادية عن طريق والى شمال إفريقيا وقتها الفذ موسى بن نصير الذى قام بتذليل عقبات كثيرة واجهته لفتح الأندلس مثل قلة عدة المسلمين وقلة عدد السفن فى الأسطول البحرى الإسلامى فأنشأ موانئ السفن وصار ينشر الإسلام بين الأمازيغ والبربر حتى ظهر منهم قائدا محنكا اختاره موسى لقيادة الجيش وهو طارق بن زياد الذى استطاع عبور المضيق الفاصل بين إفريقيا وأوروبا وسيطر على الجبل والذى لا يزال يحمل اسمه حتى الآن، واستطاع هزيمة الجيش القوطى فى الجزيرة الخضراء ثم فتح قرطبة وطليطلة فى أوائل 93 هجرية وبدأ الحكم إسلامى فى أوروبا الذى امتد قرابة ثمانية قرون، وكانت الأندلس وقتها ضمن التقسيم الإدارى للدولة الإٍسلامية تشكل إحدى مقاطعات إقليم المغرب حتى جاء الخليفة عمر بن عبد العزيز بن مروان وجعلها إقليما مستقلا بذاته، ثم توالى التاريخ العظيم للأندلس بمحطات كثيرة أبرزها دخول «صقر قريش» عبد الرحمن الداخل وتأسيس الخلافة الأموية هناك، ثم تعاقبت دول ملوك الطوائف والمرابطين والموحدين إلى السقوط الكبير فى 2 يناير 1492م لما سقط بنى الأحمر فى غرناطة آخر معاقل المسلمين هناك. وبالمناسبة هذا التاريخ يحتفل به الأسبان إلى اليوم فى الشوارع ويرتدون الأزياء العربية تشبها بهم وهم يسلمون مفاتيح غرناطة إلى مملكة قشتالة فى احتفالات رمزية.
■ لكن دوما ما يرتبط فتح الأندلس بعبدالرحمن الداخل..فما الدور الذى لعبه فى تاريخ الأندلس؟
- هو «صقر قريش» وفارس الأندلس..بعد عصر الولاة فى الأندلس والذى استمر فى الفترة من 92 هجرية إلى 136 هجرية ظن الناس أن الإسلام انتهى من الأندلس نتيجة الفوضى والدمار والصراعات، شاءت الأقدار أن يتجدد الفتح بعد سقوط الدولة الأموية فى دمشق حيث هرب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك فارا من بطش العباسيين الذين حاربوا فلول الدولة الأموية وبقاياها، ودخل الأندلس وواجه صعوبات كبيرة وثورات وصلت إلى أكثر من 20 ثورة تغلب عليها جميعا، واستطاع أن يستقل بالأندلس لأول مرة فى الخلافة الإٍسلامية كولاية مستقلة، وهو يُعد أول من دخل من بنى أمية قرطبة حاكما ولهذا عُرف بالداخل،
أما تسميته بصقر قريش فتعود إلى الخليفة العباسى أبو جعفر المنصور بعد أن يئس من استعادة الأندلس. وقد أنشأ «الداخل» فى الأندلس جيشا قويا ودورا للأسلحة وأسطولا بحريا فضلا عن اهتمامه الكبير بالجانب الحضارى.. ويتعجب المؤرخون فى أوروبا دائما منبهرين بشخصيته وانجازاته فى الأندلس خاصة أن عمره حينها لم يكن تجاوز 25 سنة.
■ ما التأثير العربى والإسلامى الباقى حتى الآن فى إسبانيا؟
- التأثير واضح على كل المستويات حتى وإن حاول بعض المستشرقين المتشددين التقليل من ذلك، فكل قطاعات مقاطعة الأندلس فى إسبانيا تقريبا إلى الآن تتأثر بالفتح العربى والإسلامي، أولها الأسماء العربية للمدن الأندلسية الكبرى مثل قرطبة واشبيلية وغرناطة ومالقا وغيرها، كما أن اللغة الاسبانية نفسها بها أكثر من 6000 كلمة من أصل عربى أشهرها على سبيل المثال لا الحصر كلمة السوق التى لا تزال اسبانية مع بعض التغيرات البسيطة فى اللهجة، واقتصاديا لا يمكن للأندلسيين أن يعيشوا بدون السياحة والتى تقوم بالأساس على التراث العربى الإسلامى هناك والأرقام توضح عدد الملايين الذين يزورون جامع قرطبة ومدينة الزهراء وقصر الحمراء والحمامات العربية وغيرها.
وعلى المستوى الأكاديمى فتحتل الحضارة الإسلامية مكانة كبيرة فى الجامعات الاسبانية من حيث إقبال الباحثين على دراستها، بل إن هناك أقسام كاملة فى الجامعات تقوم على دراسة التراث العربى والإسلامى هناك، اذكر أن هناك فى جامعة قرطبة قاعة كبرى باسم الخليفة الناصر عبد الرحمن الثالث، فضلا عن تماثيل العلماء العرب المنتشرة فى الشوارع هناك، كما أن هذا التأثير اجتماعى أيضا فلا تزال أحياء سكنية كبيرة هناك تحتفظ بأسماء عربية وبعض خطوط الأتوبيس كذلك مثل خط أتوبيس رقم2 ويسمى فاطمة فى حى الزهراء فى مدينة قرطبة. كما انه يستحيل أن تقابل مواطنا إسبانيا بصفة عامة وأندلسيا بصفة خاصة لا يعرف شيئا عن التاريخ العربى الإسلامى هناك.
■ ماذا عن المكانة العلمية للأندلس وقرطبة تحت الحكم الإسلامى خاصة مع وجود بعض التيارات فى أوروبا تنكر ذلك؟
- هذا أمر يدعو للاعتزاز والدهشة فى نفس الوقت....وانا أريد من الأوربيين أن يسألوا إسحاق نيوتن ورينيه ديكارت عن مؤلفات ابن الهيثم فى علم البصريات، ولتسأل أوروبا ليوناردو فيبوناتشيور وبرتمنشيستر عن فضل الخوارزمى على الغرب كله فى علوم الحساب، ولتسأل أوروبا جيراردو الكريمونى لماذا رحل إلى طليلطة ولماذا تعلم العربية ولماذا ترجم 87 مرجعا علميا من اللغة العربية إلى اللاتينية، ولتسأل أوروبا مكتباتها العريقة لما تحتوى إلى الآن على أمهات كتب للعلماء المسلمين كالرازى وثابت بن قرة وحنين بن إسحاق والزرقالى وبن يموسى وشجاع بن أسلم والزهراوي، ولتسأل أوروبا فطاحل علماء الكيمياء فيها عن العالم المسلم جابر بن حيان، ولتسأل جهابذة الفيزياء فى كل الدنيا عن كتاب المناظر لابن الهيثم، ولتسأل أوروبا نفسها لماذا طبعت كتاب القانون فى الطب لابن سينا35 مرة فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلادي، ولتسأل أوروبا فلاسفتها ومثقفيها وكليات الآداب فيها عن مصير علم الفلسفة من دون ابن رشد. وغيرها والأمثلة كثيرة.
■ الأحداث التى شهدتها الدول العربية خلال السنوات الخمس الأخيرة...هل أثرت على نظرة الإسبان لتاريخ الوجود العربى والإسلامى فى إسبانيا؟
- لا اعتقد أن الشخصية الأوروبية تفكر بهذه الطريقة، فالأوربيون المعاصرون تربوا فى بيئات ديمقراطية سليمة تسعد بكل محاولات الوصول إلى الديمقراطية فى العالم العربي، وعلى أية حال هناك فصل تام بين التاريخ والواقع وهم يشعرون بالحزن دائما لما يحدث فى الدول العربية وحزنهم أكبر لأنهم لا يستطيعون أن يزوروا مصر وأهراماتها فى ظل أزمة السياحة الراهنة. وهنا أنا أتكلم عن الشعوب لا الحكومات.
■ وما الفرق؟
- الحكومات لها حسابات أخرى تحكمها السياسة وموازين القوى والتحالفات والارتباطات الدولية ولهذا نادرا ما تجد شعوب أوروبا ترضى عن حكامها.
■ ربما يشعر من يقرأ هذا الحوار أن تاريخ العرب والمسلمين لا يعانى من التشويه فى الأوساط الأوروبية؟
- هذا غير صحيح بالمرة هناك تيار قوى من الباحثين يرفض الاعتراف بالفضل العربى الإسلامى على الأندلس وأوروبا مدعوما ببعض الآراء الاستشراقية الغير متزنة والتى تشكل افتراءات واضحة على الحضارة العربية الإسلامية فى الأندلس. ويجب مقاومتها باللجوء إلى صحيح التاريخ وشهادات الأوروبيين أنفسهم والاستعانة بالمصادر التاريخية المعتبرة لأن التاريخ دائما ما يعانى من الظروف التى يُكتب فيها ودائما أقول أن مشكلة التاريخ هو كتابته على هوى الأنظمة الحاكمة. وعامة نحن فى حاجة ملحة إلى إعادة صياغة التاريخ فى مشروع تقوم عليه أمة بالكامل وليس مشروع أفراد.