الخميس 29 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حازم فتح الله: بناء الدولة يبدأ بالثقافة ونحتاج حركة نقدية تتناول الفن بفهم ووعى

حازم فتح الله: بناء الدولة يبدأ بالثقافة ونحتاج حركة نقدية تتناول الفن بفهم ووعى
حازم فتح الله: بناء الدولة يبدأ بالثقافة ونحتاج حركة نقدية تتناول الفن بفهم ووعى




حوار - أحمد سميح

 

يشغل الفنان د. حازم فتح الله موقعاً فريداً فى عالم كلية الفنون الجميلة بالقاهرة طيلة أكثر من خمسين عاما قضاها بين مجالات الفنون المختلفة منذ حصوله على بكالوريوس من قسم الحفر بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1966، تدرج بعدها فى سلك التدريس الجامعى ليتولى رئاسة قسم الجرافيك ثم وكيلا ثم عميدا للكلية عام 1998، حتى تولى فى عام 2001 منصب نائب رئيس جامعة حلوان لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، ثم نائبا لشئون التعليم والطلاب 2002 وقائماً بأعمال رئيس الجامعة، وبعد ذلك كأستاذ متفرغ بقسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة ليمارس دوره المحبب إلى قلبه بين زملائه وتلامذته.. وهو إلى جوار تاريخه التعليمى الطويل كان له الكثير من المشاركات فى الرسوم والكتابة الصحفية منذ عام 1962 بمؤسسات (أخبار اليوم - روزا ليوسف - دار الهلال)، حصل على جائزة الدولة التشجيعية فى الجرافيك عام 1986، ثم حصل على نوط الامتياز من الدرجة الأولى عام 1991.. عن رؤيته وأفكاره ونظرته لمستقبل الفنون الجميلة كان لنا معه هذا الحوار.


■ حدثنا عن بداياتك الفنية ورحلتك مع الصحافة؟
- الرسم كان بالنسبة لى هواية من صغرى، لدرجة أننى بدأت أرسم قبل تعلم الكتابة، وبدأت أستمع إلى الإذاعة، وكتبت سيناريوهات، وكنت مغرماً بقراءة مجلة «آخر ساعة» و«أخبار اليوم»، وفى عمر 12 سنة قرأت مقالة للكاتب على أمين، كتبها بمناسبة ليلة القدر، وقال فيها: «إذا كان لديك أمنية، فأنا مستعد لتحقيقها، ارسلها وسوف أساعدك، ويبقى فتحت لك طاقة القدر، ولا تطلب منى الصعود إلى القمر، لأنى سأعطيك تذكرة ذهاب فقط، والرجوع عليك»، فكتبت خطابا قلت فيه: «أنا حازم فتح الله، تلميذ فى المرحلة الثانية إعدادى فى مدرسة «أودة باشا»، وأمنيتى أن أقابل الرسامين رخا وبيكار وصاروخان، وطموحى أن أكون صحفيا ورساما، حيث إننى أرسم مجلات الحائط فى المدرسة»، بعدها بأسبوع وصلنى خطاب منه يطلب منى أن أقابله فى «دار أخبار اليوم»، وأنه مستعد لتحقيق أمنيتى، وبالفعل ذهبت لمقابلته فقابلنى بترحاب شديد وكأنه يعرفنى، وشاهد رسوماتى وكتاباتى، وطلب من سكرتيرته «نعم الباز» أن أتجول فى الدار، وأقابل رخا وصاروخان وبيكار وكنعان، وتحققت بذلك أمنيتى، بعدها بشهور قامت أحداث العدوان الثلاثى عام 1956، فتخيلت الحدث ورسمته بألوان الجواش، وذهبت به إلى على أمين، وعندما رآها طلب منى أن أكتب تعليقا على الرسمة، ثم فوجئت بها منشورة فى مجلة «آخر ساعة»، وصرفوا لى شيكاً بخمسة جنيهات، وكان هذا بداية تعلقى بالصحافة، ورسمت أيضا فى مجلة «الجيل» كما بدأت بعدها أنشر رسوماتى فى نادى الرسامين فى مجلة «صباح الخير»، وقمت برسم الكاريكاتير الإعلانى فى «روزاليوسف» واستمررت فى العمل فى مجلة «صباح الخير» حتى عام 1973، بعدها ابتعدت عن الصحافة، واستمررت فى العمل والتدريس بالكلية.
■ كيف كانت علاقتك بأساتذتك ورواد الجرافيك؟
- كنت أحفظ رسومات الفنان الرائد الحسين فوزى، وإلى الآن أنا متأثر به، فأى فنان يقترب منه يتأثر به، وقد تنبأ لى بأننى سوف أكون عميدا للكلية، أما الفنان كمال أمين فهو أول أستاذ درّس لى مادة الحفر، وتعلمت منه، ثم الفنان عبدالله جوهر الذى كان إنسانا رائعا، وكان أول من طوّر فى أداء فن الحفر فى مصر.
■ ترأست «منتدى تطوير التعليم» فى كليات قطاع الفنون والتربية الموسيقية والذى أقامته جامعة حلوان مؤخرا.. حدثنا عن أهم أهدافه وتوصياته؟
- لاشك أن تعليم الفنون فى مصر يمر بأزمة مسئول عنها جانبان، الأول هو الكليات الأكاديمية والثانى مسئولة عنه الجهات الإدارية فى الدولة، فمكتب التنسيق مثلا اعتبره قياساً غير حقيقى لاختيار طالب كليات الفنون، صحيح أن الفن مبنى على قدر من العلم لكن تظل الموهبة هى العنصر الأهم فيه، فبدون تنمية ملكة الابتكار والإبداع لن نستطيع أن نقدم للمجتمع خريجاً أو فناناً أو مبتكراً ومصمماً على المستوى المطلوب، كنا نطلب منذ سنوات بأن يكون المعيار الوحيد لاختيار طالب الفنون هو امتحان القدرات فقط دون الرجوع إلى المجموع، واختبار القدرات نفسه بحاجة إلى نوع من التطوير، وقد استشهدت بمقولة طه حسين فى كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر» بأن دور الجامعة ليس فقط لتخرج لنا شخصاً يستطيع أن يلم بالمعرفة أو الثقافة بل أن تخرج لنا شخصا صانعاً للثقافة، فكليات الفنون فى مصر يجب أن تكون صانعة للثقافة بالفعل. بالنسبة للقبول أيضا هناك تقليد تقوم به وزارة التعليم العالى والمجلس الأعلى للجامعات بأن تحدد كل كلية عدد الطلاب المقبولين طبقا لإمكانياتها المادية والبشرية، وطالب الفنون يختلف عن طالب الكليات النظرية لأنه يحتاج إلى حيز ومساحة من المتابعة بين الطالب والأستاذ ليكون هناك احتكاك وتأثير وتأثر لتتم الاستفادة الحقيقية، خصوصا أننا نسعى لئلا تكون هناك بطالة فى هذا المجال، ليكون لكل خريج موقعه ومكانه فى العمل بعد التخرج، فمن المهم جدا أن يتم تحديد أعداد القبول بناء على الإمكانيات وعلى حاجة سوق العمل، ومن المهم أيضا أن يكون هناك مواكبة لما يحدث فى العالم كله وتبادل للخبرات، وبذلك يكون من الأفضل إخراج كليات الفنون من التنسيق لأنها كليات ذات طبيعة خاصة، ومن ناحية أخرى نحتاج للارتقاء بالفنون وأن يكون هناك إعداد مسبق للطالب أيضا فى ما قبل المرحلة الجامعية، وفى فترة سابقة اقترح أحد وزراء التربية والتعليم أن تكون هناك مدراس مؤهلة لكليات الفنون، ونحن نرى أن يكون هناك بجانب الشق العلمى والأدبى جانب أيضا للعلوم الإنسانية.
■ افتتحت كلية الفنون الجميلة مؤخراً متحفاً لمقتنياتها.. هل يُعتبر المتحف إضافة للحركة الثقافية المصرية؟
- لاشك أن أى متحف يقام هو إضافة للثقافة، ولابد من أن يكون هناك ترويج للمتحف ليكون له زواره وليس من الفنانين فقط، فمهم جدا أن نصل بالفن إلى رجل الشارع لأن دور كليات الفنون ومهمتها هو نشر الثقافة ونشر الذوق الجمالى، وقد اقترحت مثلا أن يكون التذوق الفنى بنظام الساعات المعتمدة الجامعية، وأن يكون متطلباً علمياً فى جميع المجلات والتخصصات، وذلك حتى ننشر ونرتفع بالذوق الجمالى للمجتمع، والمؤسف مثلا أن نجد أن زوار المعارض هم الفنانون أنفسهم وأصدقاؤهم فقط فى حين أننا نجد فى ايطاليا مثلا طلبة المدارس يزورون القاعات ويأخذون الحصص فيها، وعند الحديث عن بناء الدولة نحتاج إلى بنائها ثقافية جماليا، والحضارة المصرية مبنية على الفن من تصوير وعمارة ونحت فالفن هو من يبنى الحضارات، ولكى ننمى ملكة الإبداع لدى الطالب ولكى نلغى مسألة التلقين نحتاج إلى تنمية الخيال والجانب الجمالى لديه.
■ كيف ترى حال الفن والثقافة المصرية وكيف ننميها؟
- نفتقد النقد الفنى الذى يصل إلى الناس، هناك نقاد ولكنهم قليلون، نحتاج إلى حركة نقدية تتناول الفن بفهم ووعى، لسنا بحاجة إلى ناقد ناقل يملى عليه الفنان رؤيته بل نحتاج إلى ناقد له رؤيته ويستطيع أن يحلل العمل الفنى وأن يصل به للناس، والبداية فى كليات الفنون كانت بقسم تاريخ الفن وهو قسم وليد ولكنه يخرج طالباً واعياً ملماً بتاريخ الفنون والحضارات من البدائى وحتى الحداثة وما بعد الحداثة، والنقد موجود فى أقسام الكلية كمادة جانبية واللوائح الجديدة تقترح أن تتبع تلك المواد قسم تاريخ الفن.
■ هل يصب تعدد كليات الفنون الجميلة فى صالح الحركة التشكيلية المصرية؟
- أصبح لدينا الآن خمس كليات للفنون الجميلة، والمهم أن يكون لكل كلية منها فلسفتها، فلو نظرنا إلى ايطاليا مثلا سنجد أن هناك أكاديمية للفنون الجميلة فى روما وأخرى فى ميلانو وأخرى فى فينيسيا وهكذا، لكن لكل منها فلسفتها الخاصة تبعا للمنطقة الموجودة بها، وكان هذا هو التفكير فى تعدد كليات الفنون فى مصر منذ البداية، كلية الفنون الجميلة فى المنيا نجحت فى ذلك فى بدايتها ولكنها أصبحت تطبق لائحة كلية الفنون الجميلة بالقاهرة فيما بعد، نفس الشيء فى كلية الفنون الجميلة بالأقصر، وهكذا، فالمهم هو مسألة تحديد الأهداف، فكليات التربية الفنية لها أهدافها التى تختلف عن كليات الفنون الجميلة وتختلف أيضا عن كليات الفنون التطبيقية، وفى وقت من الأوقات كان هناك نوع من الاندماج مع الحفاظ على الأهداف، الفنان محمد حسن مثلا وهو خريج للدفعة الأولى من كلية الفنون الجميلة أصبح أول عميد لكلية الفنون التطبيقية، الفنان أحمد عثمان وهو ابن لكلية الفنون التطبيقية هو من قام بتأسيس كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، وهكذا.
■ ما دور الفنون والثقافة فى مناهج المراحل الدراسية والتعليمية المختلفة؟
- للأسف هناك فقر فى الثقافة بشكل عام، وفى اختيار المناهج، الكتاب الذى يقدم للطالب مثلا لابد وأن يكون كتاباً ذا مستوى مرتفع، لأنه ينمى حاسة التذوق الفنى لدى الطفل، فالطالب الذى يتعلم من كتاب يحترم أصول فن الكتاب سيحترم كتابه ويعرف بالتالى كيف يسير على رصيف الشارع، وعدم وجود رصيف فى البلد يعود لأنه لا يوجد رصيف فى الكتاب، لأن هوامش الكتاب لم تحترم، الفراغات لم تحترم، فالمسألة ليست مجرد مادة علمية مرصوصة وملقنة.
■ ما سبب اختفاء دراسة الموديل العارى من كليات الفنون؟
- هناك من يظن أن اختفاء الموديل العارى كان نتيجة أمر إداري، وهذا لم يحدث، بل مازالت المادة التى كانت تدرس حينها موجودة إلى الآن وهى مادة «الطبيعة الحية»، لكن النقص والمشكلة فى الموديلات نفسها، لأنه فى نهاية سبعينيات القرن الماضى بدأ التيار السلفى أو الوهابى يغزو المجتمع المصرى، وبالتالى اصبح هناك خوف لدى الموديلات من رسمهم عراة، وكان هناك قديما عائلات بالكامل تمتهن مهنة الرسم العارى، وكان معظمهم يقيمون فى الكلية، مثلا عبدالوهاب هيكل وابنته أمينة وابنه سيد كانوا يقيمون ى الكلية، الموديل جليلة رسمت عارية فى شبابها وعندما كبرت رسمت مرتدية طرحة وجلابية وكانت هى من تتولى رعاية الموديلات وكانت تلقب بأم الموديلات، وكان هناك علاقات إنسانية بين الطلبة والموديلات وهناك من تزوج من موديلات، بل كان هناك موديلات يمارسون الرسم أيضا، فكان هناك علاقات إنسانية محترمة بين الفنانين والموديلات واذكر أن إحدى الموديلات أهدت زميلا لنا رقيق الحال فرشا وألوانا وقالت له «عشان انت بترسم كويس»، والموجودون الآن من الموديلات يتقاضون مبالغ ضئيلة جدا، وهناك من اتهم الفنان ماهر رائف بأنه السبب فى إلغاء دراسة الموديل العارى بقرار إدارى وهو مالم يحدث، ونسب إليه الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين وهو أمر غير حقيقى فهو كان رجلا منطلقا ومتحررا اتجه بعد ذلك إلى التصوف.