«روزاليوسف» تعيد إصدار «مآذن القاهرة» لصاحب الريشة الذهبية «الحسين فوزى»

أحمد سميح
كتب - أحمد سميح
ضمن إصدارات «الكتاب الذهبى» التى يرأس تحريرها الكاتب الصحفى أسامة سلامة، أعادت مؤسسة روزاليوسف مؤخرا إصدار رائعة رائد فن الجرافيك المصرى الفنان «الحسين فوزى»، التى تحمل اسم «مآذن القاهرة»، والتى صدرت فى ستينيات القرن الماضى، وأعادت روزاليوسف تقديمها باعتبارها نموذجا فنيا وثقافيا جديرا بالتقديم لكل الأجيال وباعتبار روزاليوسف المؤسسة الرائدة فى تبنى ألوان وأشكال الفنون والثقافة فى مصر والعالم العربى منذ نشأتها وحتى الآن.
تحمل نسخة الكتاب الصادرة عن مؤسسة روزاليوسف فى مقدمتها تقديما بقلم الفنان الدكتور حازم فتح الله أستاذ الجرافيك، الرئيس الأسبق لقسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، العميد الأسبق للكلية، نائب رئيس جامعة حلوان الأسبق، وأحد أهم تلاميذ الحسين فوزى الذين تتلمذوا على يديه وتربوا على فنه وفكره وإبداعه.
كما تحمل نسخة الكتاب الصادرة عن مؤسسة روزاليوسف مقدمة عامة عن تاريخ المآذن بقلم الدكتور خالد عزب، رئيس قطاع المشروعات بمكتبة الإسكندرية ورئيس اللجنة الوطنية المصرية للمجلس الدولى للمتاحف.
يعتبر الحسين فوزى (1905 - 1999) الرائد الأول لفن الجرافيك المصرى، فعلى يديه تتلمذ مئات الجرافيكيين من ذوى الأسماء اللامعة فى مصر والعالم العربي، وكانت إبداعاته فى مجال الرسوم الصحفية مدرسة متفردة لكل العاملين فى هذا المجال، كما تعتبر أعماله الفنية سواء فى الرسم أو التصوير أو الجرافيك من أجمل وأروع ما تحتويه متاحف مصر الفنية.
وهو واحد من رواد الجيل الثانى فى الحركة التشكيلية المصرية، حيث أسهم فى تشكيل الكثير من ملامحها، ولد الحسين فوزى فى سبتمبر عام 1905 بحى الحلمية الجديدة بالقاهرة، وبعد رحلة فنية ولدت معه فى حقول طنطا لتظهر موهبته الفنية مبكرا وهو فى عمر خمس سنوات وصولا إلى المرحلة الثانوية التى درسها فى مدرسة السعيدية لتتبلور موهبته وتتنامى بمرور الوقت، ثم التحاقه بمدرسة الفنون الجميلة (كلية الفنون الجميلة الآن) عام 1928 دون علم أسرته، فقد اختار له والده الالتحاق بمدرسة الهندسة كما اختار لأخيه الأكبر من قبله مدرسة العلوم، لينبغ «فوزى» فى دراسة الفنون على يد أساتذته الفرنساويين الذين استقدمهم الأمير يوسف كمال مؤسس كلية الفنون الجميلة من فرنسا لتعليم الفنون، ثم يستكمل «فوزى» بعد ذلك دراسة فنون التصوير الزيتى والحفر والطباعة والفنون الزخرفية فى باريس أثناء بعثة فنية هناك عام 1929، والتى كانت بمثابة التحقيق لحلم فنى طالما راوده، حيث بدأ فى دراسة التصوير هناك على يد المصور العالمى «فوجرا» إلى جوار رائد فن التصوير المصرى الفنان أحمد صبرى، وكان فى عامه الأول هناك يدرس فن التصوير فى الفترة الصباحية، ثم يذهب لدراسة فنون الزخرفة فى الفترة المسائية، ثم يلتحق فى عامه الثانى هناك بمدرسة «استين» المتخصصة فى فنون الحفر والطباعة تلك الفنون التى كان يعرفها القلة فى باريس وكانت غير معروفة نهائيا بمصر فى وقت كانت فيه الحركة الصحفية برمتها وقت ذاك تفتقر إلى الكثير من الخبرات.
ليعود وقد استحوذ فن الحفر على عقله وتفكيره ليصبح أول أستاذ مصرى فى مدرسة الفنون الجميلة العليا بالقاهرة، يعلم هذا الفن إلى أن صار عام 1934 رئيسًا لقسم فن الحفر، ومنذ ذلك التاريخ بدأ يمهد لتيار قوى فى فن الحفر المصرى المعاصر أدى بدوره لفتح آفاق من التعبير لمن جاء بعده من أجيال، ليتخرج على يديه أغلب أساتذة هذا الفن من رواد الفن المصرى الذين ساروا على دربه فى الحب والتفانى لفن الحفر ومن بين هؤلاء الفنانين «عبدالله جوهر، كمال أمين، ماهر رائف، حسين الجبالى وأحمد نوار وحازم فتح الله».
بدأ الحسين فوزى الرسم للصحافة منذ عام 1924 فاستطاع أن يخلق تيارًا قويا ومجددًا لفن الصحافة المصرية إلى جوار منافسه الفنان الراحل حسين بيكار. تتمثل فى إسهاماته فى مجلة «المصور ـ الرسالة ـ آخر ساعة ـ على بابا»، كما رسم العديد من روايات يوسف السباعى، ونجيب محفوظ أشهرها رسومه لرواية «أولاد حارتنا»، والتى نشرت مسلسلة فى الأهرام إضافة إلى رسومه المصاحبة لروايات ومؤلفات العديد من رواد وكتاب الرواية المصرية.
ومن أهم أعماله فى مجال النشر ما قام برسمه وتلوينه بالألوان المائية وحمل اسم «مساجد مصر»، الذى كلفته به وزارة الأوقاف وقام برسمه ما بين عامى 1943 و 1948 متنقلا بين أروقة المساجد وحول روائع زخارفها، والتى تجمعت فيها آيات فن المعمار الإسلامى فى مصر، وصدر فى مجلدين ويعد مرجعا فنيًا وتاريخيًا لمعالم مصر لا يقل فى روعته وبهائه وجمالياته عن كتاب وصف مصر، الذى رسمه كبار الفنانين الفرنسيين أثناء الحملة الفرنسية على مصر، علاوة على قيامه برسم كتاب «مآذن القاهرة»، الذى هو بين أيدينا الآن فى طبعة ثانية.
وقد حصل الحسين فوزى على جائزة الدولة التقديرية عام 1989فى تكريم من الدولة تأخر كثيرا، وقد رحل الحسين فوزى عن عالمنا فى فجر الأربعاء 14 يوليو 1999، وتعتبر لوحته الرائعة «الدلالة» 1940 من أهم اللوحات فى فن التصوير المصرى المعاصر.
ويقول الفنان الدكتور حازم فتح الله فى مقدمته عن الكتاب، والتى حملت اسم «الريشة الذهبية.. فى الكتاب الذهبى!»:
إذا كان «الكتاب الذهبى» قد اعتدناه منذ صدوره فى خمسينيات القرن الماضى ينتقى درر الأعمال من بحار الثقافة والمعرفة، فإنه بهذا الكتاب الفنى يؤكد معرفتنا بأنه بالفعل «كتاب ذهبى» يقدم فى مستهل عودته صاحب ريشة ذهبية.. إنه «الحسين فوزى».
وتابع: حين أكتب عن أستاذ أساتذة فنون الجرافيك «الحسين فوزي».. أشعر بالرهبة وأجدنى حائرا.. من أين أبدأ؟ هل أبدأ بصاحب الأعمال التصويرية التى تعددت فتفوقت، بين أعمال زيتية تصور حياتنا الاجتماعية فى مرحلة مهمة، وأعمال ضخمة متحفية، تسجل تاريخنا السياسى والحضارى ومعاركنا التى خضناها، راصدا إخفاقاتنا وانتصاراتنا.. أم أبدأ بـ«الحسين فوزى» رسام الصحافة الأول لأغلفة أعرق المجلات، أغلفته الملونة مازلنا نذكرها منذ طفولتنا، وكم حاولنا أن نحاكيها، مازلنا نذكر عناوينها وأسماءها «عطشانة.. الشبكة.. عروسة المولد.. منديل الحلو.. وغيرها وغيرها»، ورسومه التوضيحية فى تلك المجلات أو فى جرائدنا الكبرى، ومصاحبة رسومه لكتابات كبار كتابنا وحتى مجلات الأطفال وقصصهم لم تخل من رسومه.
أم ابدأ بـ«الحسين فوزي» الذى وقع عليه الاختيار لرسم مجلدين من أكبر المجلدات - بعد وصف مصر - مصورا «مساجد مصر» ففاقت رسومه رسوم المستشرقين لأنه سجلها معايشا وراصدا بعين العاشق المحب، وليس بعين سائح عابر.. المستشرقون اندهشوا فرسموا، لكن «فوزى» رسم المساجد فأدهشهم وأدهشنا! أم ابدأ بـ«فوزى» الذى رسم «مآذن القاهرة» بالريشة والحبر الشينى رسوما سريعة معايشا أحياءنا القديمة ذات العراقة؟
أمام رسوم «فوزى» داخل المساجد أنت فى خلوة مع الله.. قائم تصلى.. أو تسبح بحمده بعد نهاية صلاة.. أما هنا أمام «مآذن القاهرة» فأنت فى خارج.. وسط معترك حياة.. من خلال رسومه تسمع أصواتا.. تمتزج.. تتصارع.. أنت فى الشارع.. فى قلب الحياة.. فاختلطت أصوات الباعة.. بصيحات الأطفال.. وكلاكسات العربات.. أجراس دراجات.. وصاجات باعة العرقسوس.. نور الشمس يغمر المكان.. مؤكدا ظلال المعمار.. بكتلته العتيدة.. المآذن تخترق الأفق.. والمئذنة إعلان.. دعوة.. حى على الصلاة.. حى على الفلاح.
إننا فى خضم بحور حركتنا التشكيلية المتعددة الاتجاهات، المتلاطمة الأمواج، لابد من وقفة متأنية، أمام أهم قباطنتها وبحاريها، وأستاذنا «فوزي» أحد أهم هؤلاء القباطنة.. بحار.. مسافر زاده الخيال.. والأوراق والأحبار.. وقبل أن يبدأ رحلة العمل.. تراه هائما.. زائغ العينين.. كأنما يحمل هموما أو محلقا مع أحلام.. أو أوهام «فاوستية».. أو كأنه يعانى مخاضا! وما إن يبدأ منطلقا فى رسومه.. يغدو مشرقا فرحانا.. فرحة طفل صغير ببنطلون قصير.. ولا عجب فقد استحضر ذاته، ذاته التى تحمل رؤيته الفنية.. ذاكرته وذكرياته.. ذاكرته البصرية المشحونة بقباب ومآذن القاهرة.. وبواباتها ودروبها.. وذكرياته مع ناسها.. ناسها الحقيقيين!.