السجاد اليدوى.. من المحلية للعالمية

السجاد، عنصر أساسى من مكونات الثقافة العربية والمصرية، إذ بلغت تلك الصناعة أعلى درجاتها فى الفترة العباسية واستمرت حتى يومنا هذا.
للسجاد قيمة جمالية وفنية كبيرة عند الجميع، فالأمر لا يتوقف على نقوشه الجميلة، وألوانه المبهجة، إذ أن الفنان الراحل فريد الأطرش، الملقب بموسيقار الأزمان، غنى للسجاد بكلمات وألحان حريرية سجلت بأحرف ذهبية فى تاريخ الموسيقى العربية: بساط الريح جميل ومريح وكله أمان ولا البولمان / يا طاير فوق وكلك ذوق أنا مشتاق وبرانى الشوق / بساط الريح قوام يا جميل أنا مشتاق لوادى النيل / أنا لفيت ولقيت البعد عليّ يا مصر طويل».
وبساط الريح الذى غنى له فريد، سجادة سحرية أسطورية ورد ذكرها فى حكاية ألف ليلة وليلة، تنقل الناس فوقها فوراً وبسرعة إلى وجهتهم، حيث ظهرت فى حكايات علاء الدين عندما كان يتنقل عليها بين المدن.
وبعيداً عن الأساطير، والتغزل الشعرى فى جمال السجاد، فهناك عدة طرق لنسج السجاد منها: «الحياكة»، و»الشك» الأولى لصناعة سجاد ذى خيوط عرضية متشابكة، والطريقة الثانية لصناعة سجاد به فروة.
ورغم التقدم التكنولوجى فى صناعة السجاد وتنوع تصاميمه، يبقى السجاد اليدوى بما يضفيه من سحر على المنزل يرتقى بقيمة الأثاث، الأكثر طلبًا رغم غلاء ثمنه، لا سيما أنه لا يتأثر بعوامل الزمن، بل تزداد قيمته مع الوقت، وكلّما كان الرسم دقيقاً ويحمل تفاصيل متعدّدة وعقداً كثيرة ارتفعت قيمته المادية والجمالية.
«أبيس».. حرير طبيعى
مصنع السجاد اليدوى بأبيس الثامنة، المكون من ثلاثة طوابق وكل طابق به مصنع مستقل بذاته، ساهم فى فك كرب الغارمين والغارمات من أهالى القرية وتحويلهم إلى منتجين.
حليمة محمد ريان، نائب مدير الإنتاج بالمصنع قالت لـ«روزاليوسف»: البداية كانت فى إبريل 2014، عندما زارت مؤسسة «مصر الخير» القرية لدفع ديون بعض الغارمات، فجاءت الفكرة بفتح أول مصنع فى قرية التحرير بأبيس 1 بخمسة أنوال، ثم 20 نولًا وبعد أربعة أشهر فتح المصنع الثانى بأبيس 8 ثم الثالث.
تضيف حليمة: أمتلك حاليًا 100 نول بمعدل إنتاج حوالى 60 مترًا شهريًا من السجاد اليدوي، وتقدم أهالى القرية للعمل فى المصنع الذى ينتج أصناف السجاد بين سجاد الصوف والسجاد الحريرى على الأنوال، والسجاد المنتج من الصوف والحرير، وإنتاج التصميمات الحديثة، فضلًا عن التصميمات العالمية بأفضل الخامات الموجودة.
وأشارت إلى أن الخامات عبارة عن حرير طبيعى بنسبة 100%، حيث يستخدم الصوف المصرى والنيوزلندي، وتم تصدير أول مجموعة سجاد إلى أمريكا، ومجموعة ثانية لكندا فى وأخرى لإيطاليا بعد تنفيذ التصميمات المطلوبة، إذ يتراوح سعر متر الصوف بين 1300 إلى 3700 جنيه، والحرير من 6700 إلى 10 آلاف جنيه.
وعن جودة المنتج تشدد حليمة على أن المصنع لديه كتالوج قديم يسير وفقه وإذا كان للعمل نماذج جديدة نقوم بتنفيذها، كما أن القرية أعادت لصناعة السجاد جودتها وسمعتها، إذ أنهم يستخدمون العقدة المقفولة وليست المفتوحة مثلما يفعل الكثير من صناع السجاد اليدوى الذين ساهموا فى ضياع سمعة السجاد اليدوى المصرى بعدما كان ينافس الإيراني.
حليمة لديها 210 عاملًا 80%منهم فتيات، بالمراحل التعليمية المختلفة، يعملن بالساعة لتوفير مصروفات تعليمهن، كما تحلم بامتلاك مكان يسع 1000 نول لتوفير أكثر من 3000 فرصة عمل لأهالى أبيس، وحل مشكلة البطالة.
المصنع يحمل العلامة التجارية «أبيس للسجاد» ويتم التسويق له من خلال المشاركة فى المعارض الدولية، بالإضافة إلى وجود منافذ ثابتة للبيع للجمهور فى القاهرة «التجمع الخامس ووادى النيل» ومنفذين فى الإسكندرية بشارع الأقبال، وآخر فى منطقة الإبراهيمية.
عاملة النظافة بالمصنع «رفضت ذكر اسمها» تدين بالفضل للمصنع الذى ساهم فى تحويلها من غارمة إلى عاملة، بعدما كادت أن تعصف بها الديون، عقب توقيعها على شيكات بقيمة 6 آلاف جنيه، لتجهيز ابنتها، فدفعت مؤسسة مصر الخير دينها وألحقتها بالمصنع.
العاملة تؤكد أن المصنع أنقذ الكثيرمن نساء القرية من الديون التى تراكمت عليهن بسبب تزويج البنات الذى يتكلف مالًا طاقة لهن به ووفر فرص عمل لهن لأن نساء القرية يصعب عليهن العمل خارج القرية.
«رحل زوجى وتركنى مع ابنتى الصغيرة وليس لنا دخل ثابت»، هكذا بدأت سعاد بسيونى «51سنة» وقالت: بعد فتح المصنع تقدمت للعمل وتعلمت الحرفة، وأستطيع الآن عمل سجادة وحدى دون مساعدة وكنت أحصل علي400 جنيه خلال فترة التدريب، وابنتى أيضًا تعمل معى حاليًا لتساعدنى فى مصاريف البيت وتجهيزه.
وتقول سامية رمضان «20سنة» من عاملات المصنع: فى البداية سمعت عن المصنع وقلت «أضيع وقت» لكننى وقعت فى حب الصنعة، واعمل الآن لأساعد والدى فى مصروف المنزل، فعندى خمس أخوات منهن أخت تعمل معى.
وتابعت: هناك بعض الفتيات تعمل من المنزل بعد استلامهن نولًا من المصنع والمواد الخام، لصناعة السجاد، كما شجعت جيرانى على العمل بالمصنع، وساهمت فى تجهيز اخوتي، بعد أن أصبح لى دخل ثابت بالمصنع، حيث إنها تشعر بالفخر بتصدير منتجات المصنع للخارج.