الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الخلوة» داخل المنزل بديل للاعتكاف فى رمضان

لم تدخر المؤسسات الدينية جهدًا لصون النفس البشرية من ذلك الفيروس القاتل كورونا، واتخذت فى سبيل ذلك عددًا من الإجراءات والتدابير الاحترازية، بدأت بإغلاق المساجد، ومنع إقامة شعائر صلاة الجمعة، ثم تطورت مع دخول شهر رمضان الكريم لتؤكد منع إقامة موائد الرحمن، أو أى شعائر دينية جماعية، بما فى ذلك صلاة التراويح، والاعتكاف فى المساجد خلال العشر الأواخر من رمضان.



تغيرت خطط الكثيرين فى رمضان، على مستوى إقامة العبادات، ومن ثم بدأ التفكير فى البدائل والحلول، فى إطار الالتزام بقرارات الدولة، لكن البعض الآخر حاول الهجوم على تلك القرارات والتحريض على خرقها، فى محاولة للمزايدة على الدين والشرع الحنيف الذى بسط جناح الرفق بالعباد، بينما أراد هؤلاء تضييق الخناق علينا.

يؤكد الدكتور حامد أبوطالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الأصل فى العبادات هى تأديتها بشكل فردى وليس جماعيا، بما فى ذلك صلاة التراويح وقيام الليل، أما عن الاعتكاف فيقول: «الأصل هو الاعتكاف فى المسجد، لكن ذلك له بديل فى ظل الظرف العالمى الطارئ، ويمكن للإنسان الاعتكاف فى منزله».

يوضح الدكتور أبوطالب، قواعد وسبل تطبيق الاعتكاف فى المنزل، وهى اتخاذ خلوة فى ركن من الشقة للصلاة وتلاوة القرآن، مع الجلوس فيها بشكل منعزل عن باقى أجزاء الشقة، ولها نفس أجر الاعتكاف فى المسجد، مؤكدا أن غلق المساجد وتعليق إقامة العبادات الجماعية قرار تم اتخاذه فى معظم دول العالم وليس مصر فقط، تبعا للظرف الراهن.

«يجب أن يلتزم المعتكف فى البيت بجميع أحكام الاعتكاف الذى يقام فى المسجد، من حيث عدم الاقتراب من النساء، أو المخالطة غير الضرورية، كما يمكن للنساء الاعتكاف أيضا فى ركن آخر من البيت، أو جزء من غرفة يتم تهيئته كالمسجد، تُؤدى فيه الصلوات والعبادات».

الدكتورة سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، تُشير إلى أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- اعتكف وزوجاته فى المنزل، باعتباره كان جزءًا من مسجده، ورغم ذلك فلا يُشترط على المسلم أن يعتكف فى المسجد، ومن حق أى شخص الاعتكاف فى البيت، مع كامل الثواب.

توضح أستاذ الفقه المقارن مفهوم الاعتكاف بقولها: «هو التفرغ للعبادة والصلاة والذكر طبعا مع الصوم، بشرط ألا يخرج المسلم من معكفه إلا للضرورة القصوى، سواء الذهاب لقضاء الحاجة، أو للطبيب حال اقتضاء الضرورة».

تتابع الدكتورة سعاد صالح: «لا يجب على المسلم المبالغة فى أداء العبادات، أو الانخراط بحيث لا يعطى لنفسه قدرا من الراحة، حتى فى أوقات الاعتكاف، فإن لبدنك عليك حق»، مؤكدة على كون الاعتكاف سنّة وليس فرضَا، يمكن إقامته فى المنزل بعيدا عن الضوضاء.

تُشدد أستاذ الفقه المقارن على أن الفريضة الوحيدة التى يجب أن تُؤدى فى المسجد هى صلاة الجمعة، فجميع الصلوات الأخرى ليست فرضًا تأديتها فى المسجد، سواء الصلوات الخمس أو التراويح والتهجد، مُحذرة من خرق قرار منع الاعتكاف فى المساجد بقولها: «من يتحايل على الدولة ويحاول الاعتكاف فى الزوايا يرتكب إثمًا، ويتبارى لتحويل السنة إلى فرض».

الرسول - صلى الله عليه وسلم- أدى صلاة التراويح أيامًا فى منزله، خشية أن يظن الناس أنها فريضة، وتتابع الدكتورة سعاد صالح: «الله لا يؤاخذ عبده فى حقوقه، ولكن يؤاخذ العبد فى حقوق العبد ولا يتنازل فيها، لأن حق الله مع العبد مبنى على المسامحة وليس المشاكسة».

من جانبه يؤكد الدكتور أحمد عشماوي، أستاذ التفسير وعلوم القرآن، أن صلاة الجماعة فرض كفاية، فلو أداها البعض سقطت عن الكل، لذا فإن الأصل فى العبادات الفردية وليست الجماعية، ولا يجب أن يتمسك المسلك بتأدية العبادات بشكل جماعى على حساب حياته، فى ظل الظروف الراهنة المتعلقة بانتشار فيروس كورونا.

يتابع الدكتور عشماوي: «قضية صلاة الجماعة جاءت لحكمة ترابط الناس، ولا يُشترط قبول الصلاة أو العبادة بتأديتها جماعيًا، فالله لا يأمر بما فيه مشقة للعباد، ومن ضمن السبعة الذين يظلهم الله فى ظله يوم القيامة رجل ذكر الله خاليا ففاضت عينه بالدمع، أى أن الخلوة محل الخشوع، بعيدا عن الرياء والتباكى أثناء الصلاة الجماعية».

يستنكر عشماوى محاولة البعض الهجوم على الدولة فى قراراتها بشأن العبادات والأنشطة الجماعية فى رمضان، قائلا: «معتوه كل من يهاجم الدولة على قراراتها لحماية أرواح الناس، فالدولة منعت الاعتكاف لظرف قاهر، ولم تتعنت ضد المسلمين مثلا، والإسلام جاء للحفاظ على النفس، والدين لا يقوم إلا بالنفس».

يرى أستاذ التفسير أن المزايدين على قرارات المؤسسات الدينية لهم أغراض سياسية بعيدة عن الرغبة فى تأدية العبادة أو النوافل، وهذا ليس له علاقة بالدين، فالدولة تنقذ ما يمكن إنقاذه.