رسائل القاهرة .. مستعدون للتفاوض والوصول لاتفاق عادل بشأن سد النهضة
تقرير- أحمد إمبابى
على مدى الأسبوع الماضي، قدمت القاهرة مجموعة من الرسائل التى تؤكد موقفها الخاص بمسار مفاوضات قضية سد النهضة الإثيوبي، حيث تتبنى الدولة المصرية خيار التفاوض مع الدول الثلاثة أملًا فى الوصول لاتفاق قانونى ملزم وشامل بشأن قواعد ملء وتشغيل السد.
رسائل القاهرة التى جاءت فى ظل حالة الجمود التى أصابت مسار التفاوض، منذ آخر جولة مفاوضات فى كينشاسا بالكونغو، إبريل الماضي، برعاية الاتحاد الإفريقي، حيث شهدت القضية تصعيدًا لمجلس الأمن بعد إخفاق المفاوضات على مدى عقد كامل دون نتيجة، لكن هذه الحالة شهدت الأيام الأخيرة حراكًا فى ظل إعلان الجانب الإثيوبى بدء ترتيبات الملء الثالث للسد، صاحبها تصريحات من رئيس الوزراء الإثيوبى يدعو فيه الدول الثلاث لتبنى خطاب التعاون والسلام!.
الموقف المصرى الأخير، جاء على لسان مسئولى الدولة المصرية، بداية من الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة، ثم من رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، وأيضًا وزير الخارجية سامح شكري، وجميعها تؤكد الرؤية المصرية بشأن ضرورة التوصل لاتفاق قانونى ملزم.
لكن تلك الرسائل، عكست ترتيبات بشأن إمكانية العودة لمسار المفاوضات مرة أخرى وبرعاية من الاتحاد الإفريقي، لكن هذه المرة سيكون بدعم من الرئيس السنغالى الذى سيتسلم رئاسة الاتحاد الإفريقى فبراير المقبل، خصوصًا بعد زيارته الأخيرة للقاهرة الأسبوع الماضى فى لقاء قمة جمعه مع الرئيس السيسى كان من بين محاوره قضية الأمن المائى وقضية سد النهضة.
الرئـاسة: ضرورة التوصل لاتفاق قانونى فى فترة زمنية محددة
على المستوى الرئاسي، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال الأيام الماضية رؤية مصر الثابتة بشأن قضية سد النهضة، ففى لقائه بممثلى الإعلام الأجنبى بمنتدى شباب العالم أكد الرئيس السيسى أنه يحرص على إدارة أزمة وقضية سد النهضة من خلال الحوار الهادئ بعيدًا عن أى شكل من أشكال الانفعال والتشنج.
وأضاف الرئيس أن الهدف من ذلك هو حل هذه القضية والوصول إلى اتفاق قانونى ملزم بشأن ملء وتشغيل السد، مشيرًا إلى أنه تم التوصل لاتفاق فى 2015 مع الجانبين الإثيوبى والسودانى بشأن هذا الموضوع، وألا يتم ملء السد إلا بعد الوصول إلى اتفاق قانونى بشأن عملية الملء والتشغيل، تراعى شواغلنا».
وخلال الأسبوع الماضي، استقبل الرئيس السيسى نظيريه الجزائرى والسنغالى بالقاهرة، وأكد خلال لقاءى القمة على موقف مصر من القضية أيضًا، حيث أشار الرئيس السيسى فى لقائه مع الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون، أنه تم تناول قضية الأمن المائى المصرى كونه جزءًا من الأمن القومى العربي، وتم الاتفاق على ضرورة الحفاظ على الحقوق المائية لمصر باعتبارها قضية مصيرية، وثمن الرئيس الجزائرى الجهود التى تبذلها مصر للتوصل إلى اتفاق شامل ومنصف بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.
وفى البيان الختامى للقمة أكد أن الرئيسين تناولا قضية سد النهضة، وما تمثله مياه النيل من أهمية بالغة للشعب المصري، وتوافقا على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم ينظم عملية ملء وتشغيل سد النهضة وبما يحقق مصالح الدول الثلاث مصر والسودان وأثيوبيا بشكل عادل ومنصف.
وخلال لقائه مع الرئيس السنغالى ماكى سال، الذى سيتسلم رئاسة الاتحاد الإفريقى خلال أيام، أكد الرئيس السيسى على الاهتمام المصرى بجهود صون السلم والأمن وتحقيق الاستقرار فى القارة، بما فيها منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، فضلًا عن منطقة الساحل الإفريقي.
كما تناولت مباحثاتنا التطورات الخاصة بملف سد النهضة، حيث استعرض الرئيس السيسى رؤية مصر المستندة إلى كون نهر النيل مصدرًا للتعاون والتنمية وشريان حياة جامع لشعوب دول حوض النيل، حيث أكد الرئيس على أهمية التوصل لاتفاق قانونى عادل ومتوازن وملزم ينظم عملية ملء وتشغيل سد النهضة وفقًا لقواعد القانون الدولى ومخرجات مجلس الأمن فى هذا الشأن، وذلك فى إطار زمنى مناسب ودون أية إجراءات منفردة.
الحكـومة: مستعدون لاستئناف المفاوضات للوصول لاتفاق متوازن فى أقرب وقت
فى نفس التوقيت كان أن أصدر الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، بيانًا فى الخامس والعشرين من يناير، جدد فيه التأكيد على رؤية الحكومة المصرية تجاه القضية، حيث أشار إلى أن مصر تؤكد حرصها على التوصل لاتفاق ملء وتشغيل ملزم قانونيًا لاتفاق سد النهضة يحقق المصالح المشتركة، من خلال الموازنة بين تحقيق إثيوبيا أقصى استفادة ممكنة من سد النهضة، فى مجال توليد الكهرباء وتحقيق التنمية المستدامة، فى مقابل عدم حدوث ضرر لدولتى المصب «مصر والسودان».
وأعلن مدبولى فى بيانه أن مصر أبدت اهتمامًا باستئناف المفاوضات فى أقرب وقت بهدف الإسراع فى حل النقاط الخلافية الفنية والقانونية، وصولًا لاتفاق عادل ومتوازن ومنصف، مع الوضع فى الاعتبار ما تعانيه مصر من ندرة المياه واعتمادها بشكل رئيسى على مياه النيل، التى يعد مصدرها الأساسى من النيل الأزرق، بما يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون من شأنها تحقيق الاستقرار الإقليمى.
وأكد فى نفس الوقت على أن تحقيق التنمية فى جميع دول حوض النيل كان دائمًا من أولويات مصر، من خلال تقديم المساعدات والخبرات التى تسهم فى مساعدة الدول الشقيقة فى إطار التعاون الثنائى باعتبارها الأساس فى توفير الاستقرار لشعوب تلك الدول.
الخـارجيـة: مصر حريصة علىالتوصل إلى توافق بين الدول الثلاث بشأن السد الإثيوبى
فى التوقيت أيضًا، كانت هناك رسالة أخرى من وزير الخارجية سامح شكرى تؤكد مجددًا على نفس الموقف المصري، حيث أشار بداية فى مؤتمر صحفى مع نظيره العمانى يوم الأحد 23 يناير على أن مصر لم تكن السبب فى انقطاع مفاوضات سد النهضة، وأن آخر المفاوضات كانت تحت إشراف الاتحاد الإفريقي، مشيرًا إلى أن مصر دائمًا على استعداد لاستئناف المفاوضات مع إثيوبيا إذا كانت هناك إرادة سياسية تساعد للتوصل إلى اتفاق. وأكد شكرى على إن مصر تحرص دائمًا على التوصل إلى توافق بين الدول الثلاث، والتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم وفق قواعد القانون الدولى والممارسات الدولية، بما يلبى احتياجات جميع الأطراف، وهى حق إثيوبيا فى التنمية، وحق مصر والسودان فى نصيبيهما من مياه النيل.
وبعدها بحوالى 48 ساعة، استقبل شكري، السفير «ديفيد ساترفيلد» المبعوث الأمريكى الخاص للقرن الإفريقي، حيث أكد خلال اللقاء على أهمية استئناف المفاوضات فى أقرب وقت ممكن، بهدف التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن وملزم قانوناً حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، يراعى مصالح الدول الثلاث، وذلك اتساقاً مع البيان الرئاسى الصادر عن مجلس الأمن فى سبتمبر 2021.
تحركات إثيوبية
فى النصف الثانى من يناير، وتحديد يوم الخميس 20 يناير، كان أن أصدر رئيس الوزراء الإثيوبي، بيانا وجه فيه الدعوة لمصر والسودان لرعاية ما أسماه بخطاب بناء السلام بشأن سد النهضة، والتعاون والتعايش المتبادل والتنمية لجميع شعوبنا دون الإضرار ببعضها البعض. والنيل بشكل عام ومشروع سد النهضة على وجه الخصوص مناسبان لمثل هذا الغرض الأسمى».
بيان أبى أحمد المطول، لم يتطرق لملف المفاوضات، لكنه فى نفس الوقت أشار إلى رؤية حكومته الهادفة لتوليد الطاقة الكهربائية، باعتبار أن الكهرباء بنية تحتية أساسية تفتقر إليها إثيوبيا وأكثر من 53٪ من مواطنيها، أو حوالى 60 مليون شخص لا يستطيعون الوصول إليها، مشيرًا إلى أن «إثيوبيا لديها طموح لبناء اقتصاد حديث قائم على الزراعة والتصنيع والصناعة.
وسبق هذا البيان إعلان الحكومة الإثيوبية، اعتزامها إزالة 17 ألف هكتار من الغابات فى إقليم بنى شنقول، تمهيدا للملء الثالث لبحيرة سد النهضة.
السفير محمد حجازى لـ«روزاليوسف»:
مصر تعول على رئاسة السنغال للاتحاد الإفريقى لتحريك مفاوضات السد الإثيوبى
أكد السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية السابق، أن تولى الرئيس السنغالى ماكى سال رئاسة الاتحاد الإفريقى فى قمة الاتحاد المقبلة 5 فبراير بأديس أبابا، ستكون رئاسة مختلفة للاتحاد الإفريقى لأكثر من سبب منها ثقل دولة السنغال، ودورها الإقليمى والقاري، وأيضًا باعتبارها ستترأس المنتدى العالمى للمياه فى مارس المقبل.
وأشار فى تصريحات خاصة لـ«روزاليوسف» أن زيارة الرئيس السنغالى للقاهرة الأسبوع الماضي، كانت زيارة مهمة ونستطيع أن نقول إنها زيارة نوعية واستراتيجية للعلاقات بين البلدين لأنها مست قضايا تخص الأمن القومى المصرى بشكل مباشر وخصوصًا قضية سد النهضة، بجانب ملف مكافحة الإرهاب خاصة فى إقليم الساحل والصحراء.
وأشار السفير حجازى إلى أن مصر تعول على الرئيس السنغالى الذى سيتولى الإشراف على مفاوضات سد النهضة بمجرد توليه رئاسة الاتحاد الإفريقي، بالإضافة إلى تولى السنغال رئاسة المنتدى العالمى للمياه الذى ستستضيفه فى 20 إلى 27 مارس المقبل وهو منتدى سيتناول قضايا الأمن المائى على الصعيد الوطنى والدولي، ولن يكون ملف سد النهضة باعتباره مهددا للأمن والاستقرار الاقليمى بعيدًا عن هذا المنتدى المهم الذى سيشارك فيه قادة دول عديدة وخبراء ووزراء المياه ليس فقط من إفريقيا ولكن على المستوى الدولي.
وأوضح أن مصر ليست ببعيدة عن تنظيم هذا المنتدى حيث تشارك دولة السنغال فى التحضير لانعقاد هذا المنتدى المهم، خصوصًا وأن هناك ترابطًا بين رئاسة مصر لقمة المناخ COP27 ومنتدى المياه العالمى الذى سيسبقه فى داكار فى مارس 2022 حيث إن من المعروف أن قضايا المناخ فى جزء رئيسى منها هى قضايا مائية.
وقال السفير محمد حجازي، إن السنغال تعد نموذجًا فى التعاون بملف المياه، حيث هى دولة شريك مؤسس لمنظمتين للتعاون الإقليمى بشأن الأنهار الدولية وأكثرهما نجاحًا على الصعيد الإفريقى والدولى وهما منظمة حوض نهر السنغال ومنظمة حوض نهر جامبيا، فالأولى تتشارك فيها مع دول الجوار موريتنيا ومالى وغينيا والثانية تتشارك فيها مع جامبيا وغينيا بيساو وغينيا وكلتا المنظمتين تعملان من أجل الاستفادة المائية والكهربائية والتنموية لصالح الدول المتشاطئة على هذين النهرين الدوليين داخل القارة الإفريقية.
وقال أنه يمكن أن التجربة السنغالية فى إدارة الأنهار الدولية، يمكن أن تقدم لدول حوض النيل وخصوصًا النيل الشرقى مصر وأثيوبيا والسودان شكل من أشكال الحلول التى ارتضتها القارة وارتضاها المجتمع الدولى وارتضتها الأسرة الدولية العاملة فى مجال المياه.
وقال إنه يمكن أن تدعو السنغال الأطراف الثلاثة للبدء خلال الرئاسة السنغالية بزيارة مقر منظمتى السنغال وجامبيا والتعرف كخبراء وكمسئولين عما تم إنجازه داخل صعيد القارة بالقيادة السنغالية والشراكة مع باقى دول الجوار الجغرافي.
وأشار إلى أن الجانب الإثيوبى سيتخفف من ضغوط أزمة التيجراى خلال المرحلة المقبلة، ورغم أن بيان رئيس الوزراء الإثيوبى يحمل دعوة للتعاون فى إطار اتفاقيات قانونية، لكنه يمكن النظر إليه كتمهيد للبدء فى دعوة الرئاسة الجديدة للاتحاد الإفريقى لجلوس الأطراف الثلاثة على مائدة الحوار مرة أخرى.