«ولا فى الأحلام».. كوميديا غنائية استعراضية تحيى نموذج «الأوبرا كوميك» بالقطاع الخاص
هند سلامة
مغامرة جديدة يخوضها القطاع الخاص بالعرض المسرحى «ولا فى الأحلام» للمخرج هانى عفيفى مع المنتج إبراهيم موريس مؤسس شركة المسرح الغنائى المصري، يعيد به مسرح قصر النيل للحياة بعد إغلاقه سنوات عجاف، وذلك فى خضم ما يسعى إليه القطاع الخاص من رسم خريطة مسرحية متنوعة بمصر هذا العام تحتوى على المزيد من التنوع والإبتكار، جاء المؤلف والملحن الموسيقى والموزع والمنتج إبراهيم موريس مع المخرج هانى عفيفى ليقدما تجربة رائدة بعرض «ولا فى الأحلام».
«ولا فى الأحلام» يحقق المعادلة الصعبة بين التمثيل والكوميديا والاستعراض والغناء، ليقدم به المؤلف شكل من أشكال الأوبرا كوميك، يعتمد العرض على بناء الحبكة من خلال مجموعة من المقاطع المغناة بأصوات أبطاله الذى يحترف معظمهم الغناء والتمثيل، يسير العرض فى إيقاع متزن بين الغناء والتمثيل والاستعراض، ليروى قصة فى إطار من الفاتنزيا والخيال عن رجل يدعى سفرجل يعيش وحيدا مع أخيه برجل الذى يعكف على تقديم اختراع لتحقيق السعادة عن طريق شرب دواء من اختراعه، من يشربه ينتقل من الواقع إلى عالم الأحلام ليعيش فى حلمه ما عجز عن تحقيقه بالواقع، يقرر تجريب هذا الاختراع على أخيه حتى يتأكد من مدى جديته وتأثيره، ينام أخوه سفرجل ويحلم بلقاء حبيبته التى طالما تمناها، ويعيش فى حلمه مفارقات كوميدية متناقضة.
يطرق العرض بابا جديدا بالقطاع الخاص فى نموذج تقديم عرض مغنى من البداية حتى النهاية بأصوات حية على خشبة المسرح، كأحد أشكال الأوبرا كوميك التى تعتمد فى الأساس على الغناء الحي، ثم حكاية خيالية يتم نسجها فى قالب موسيقى استعراضى ممتع يحمل من الخفة وإثارة الفكاهة ما يبعث البهجة فى نفوس المشاهدين، نسج المؤلف فى هذا العرض بإيقاع موسيقى متدفق فى انتقاله المتنوع بين الغناء الغربى والشرقى والحوار الاعتيادي، دراما تعتمد على المقارنة الساخرة بين الشخصيات فى دوافعهم وميولهم الداخلية وسلوكهم تجاه بعضهم البعض، خلال رحلة بحث هذا البطل عن السعادة يعيش فى حلم متناقض بين تحقيق ما يرغب فى الوصول إليه مع حبيبته ثم دخوله فى حلم مواز ينفره من سلوك هذه الحبيبة الذى إكتشف أنه متناقضا مع مظهرها الخارجي، يتكرر معه الحدث والحلم بشكل متصل يبقى سفرجل فى حالة من الدهشة والدخول فى مواقف متشابكة ومتناقضة ومتشابهة فى آن واحد، حتى يصبح أسيرا لحلم إيجاد هذه الحبيبة المثالية التى يبحث عنها، ظنا منه أنها من ستحقق له السعادة، وبعد أن يجد من تحبه وتسعى لإرضائه والتى يتناقض سلوكها مع حبيبته الأصلية يتزوجها فى نفس الحلم لتحدث مفارقات كوميدية تنفره منها بعد انجابه طفلين فى أجواء تدور من عدم المعقولية تحيط الشخصيات بحالة من السخرية والفكاهة يستيقظ سفرجل من حلمه سعيدا بأن كل ما رأه لم يحدث من الأساس!
لعبة مسرحية ممتعة حققا فيها المؤلف والمخرج حلم الوصول إلى النموذج الأمثل لعمل غنائى استعراضى كوميدى بأجوائه المرحة بالمزج بين الغناء والاستعراض المتقن، قدما تركيبة مسرحية قد يصعب على القطاع الخاص الإقبال عليها خاصة إذا فكر صاحبها فى احتمالات المكسب والخسارة، لكن المنتج إبراهيم موريس لم يشغله سوى المكسب الفنى الذى قدمه للساحة المسرحية باعتماد نمط جديد فى مجال القطاع الخاص المشغول بالربح والنجم أولا، قدم تجربة بمجموعة منتقاة من الفنانين الموهوبين طغى فيها الربح الفنى على الانشغال بتحقيق الأرباح المادية، وألقى موريس عصاه فى مغامرة لتحريك المياه الراكدة بهذا المجال بتقديم نوع وتركيبة فنية تشبه عروض فرق القطاع الخاص التى كان يقبل عليها الراحل فؤاد المهندس وسمير خفاجي.
استعار من الأوبرا مظهرها الفنى والغنائى فى تعدد أنواع الأصوات، وفى رسم حكاية يعتمد جزء كبير منها على الخرافة وتقديمها فى مشاهد متبادلة بين التمثيل والاستعراض المبهر والحوار الفكاهى المغنى على لسان الشخصيات، حيث استقطع هنا من الحوار المغنى أحيانا حوارا ثابتا خاليا من الغناء، لكنه يعتمد وبشكل أساسى على مقاطع غنائية متصلة يتخللها استعراض يناسب أجواء الأغنية والحالة الدرامية التى تعيشها الشخصية سواء غضب، خوف، حزن، أو فرحة وسعادة، كل هذه الانفعالات والصراعات النفسية والخلافات بين الشخصيات قدمت بين الحوار الدرامى والحوار الغنائي، الذى نسجه المؤلف بخفة واقتدار وضبط ايقاعه على مدار العرض، كما لم يخذل المخرج هانى عفيفى جمهوره فى قدرته الدائمة على تقديم عروض مسرحية منضبطة محكمة الصنع والبناء، يثبت فى هذا العمل قدرته على التنوع بعد نجاحه فى «مشاحنات» العمل المسرحى شديد الخصوصية الأقرب لعروض المسرح التجريبي، بينما يقدم هنا عفيفى نفسه بشكل مغاير تماما فى عرض «ولا فى الأحلام».
يحمل العرض تركيبة فنية تشكل ثورة على منهج القطاع الخاص، اعتمد على المتعة فى شكل الكوميديا الناعمة التى قدمت بشيء من الإبهار فى التشكيلات الحركية الاستعراضية التى ابدعت فى تصميمها سالى أحمد بمساعدة رجوى حامد، والأزياء التى اعتمدت على الألوان المبهجة الخاطفة لأبصار الجمهور فى لوحات العرض المتفرقة سواء الاستعراضية أو حتى المشاهد الثنائية، والتى صممتها مروة عودة بدقة شديدة بكل تصميم، ركزت على تقديم هيئة الشخصيات الخارجية بما يتوافق مع تركيبتها النفسية، كانت أبرزهم ملابس وشكل شخصية «برجل» المخترع، الذى ظن أنه قادر على تحقيق السعادة للجميع، بدت هيئته مثل الشخصيات الكاريكاتيورية فهيئته من بداية العرض باعثة على الضحك قبل بدء الممثل فى النطق بالكلام وأداء الشخصية، ثم الملابس الجادة الصارمة التى بدت على هيئة أخيه سفرجل الذى يبدو أنه رجل مثالى تقليدى يبحث عن السعادة بمعناها الأفلاطوني، شخص حالم دائم السعى إلى تحقيق الفضيلة فى كل شيء، سارت عناصر العرض فى وحدة متماسكة من صناعة الأزياء وتصميم الإستعراض والإضاءة والديكور.. وهنا لنا وقفة وتأمل فى ذكر أصحاب البصمة عميقة الأثر فى تصميم الإضاءة المهندس ياسر شعلان ومهندس الديكور محمد الغرباوى عندما يجتمعا هذان القطبان فى عمل مسرحى يخرجان به إلى عالم أرحب فى التشكيل البصري، لم يساهما الاثنان فى تحقيق رؤية المخرج والمعايشة الفنية للحالة المسرحية سواء درامية أو كوميدية فقط، بينما يسعيان إلى تقديم العروض فى صورة صافية تحمل من الروعة والإبهار والبهاء ما يحقق ذروة المتعة البصرية والرقى الفنى وتحقيق الخيال الأوبرالى فى عرض مسرحى غنائي.
فى الوقت نفسه اتحد أبطال «ولا فى الأحلام».. معا ليقدموا حالة تحمل مزيجا من المهارات الغنائية والتمثيلية كان على رأسهم بطل العرض محمد عبده أحد نجوم فريق بلاك تيما الذى لم يكتف بنجوميته فى عالم الغناء، لكنه جاء للمسرح ليترك بصمته كممثل محترف يلعب بمهارة كبيرة شكل من أشكال الكوميديا الغنائية، كوميديا متأنية هادئة قادمة من عالم الأوبرا والمسرح الرصين، وكذلك هانى عبد الناصر الذى كان مفاجأة العرض بامتياز لعب هانى برجل الأقرب للشخصيات القادمة من عالم الكرتون شخصية كاريكاتيورية هزلية ساخرة قدمها بسلاسة شديدة وكأنك تشاهد ميلاد كوميديا أحمد حلمى على خشبة المسرح فى هيئة عبد الناصر، ثم تعود الفنانة منى هلا بعد غياب طويل لتثبت بأنها ممثلة من طراز ثقيل لها حضور خاص وخفة روح على خشبة المسرح، ممثلة لم تستغل مواهبها بعد، تعرض منى جانبا من هذه الموهبة فى دور الفتاة العنيفة الجادة بعرض «ولا فى الأحلام»، يحسب للمخرج هانى عفيفى تقديمه لأنماطا وأطيافا مختلفة من المطربين المحترفين بالمجال الغناء والتمثيل بدءا من محمد عبده القادم من عالم البلاك تيما الذى لعب نوعا مختلفا من الكوميديا الغنائية، وهانى عبد الناصر الذى لعب فى سياق مختلف تماما عنه، ثم زهرة رامى التى تعيد اكتشاف موهبتها كمطربة وممثلة على المسرح بهذا العرض كان لها حضور آخر بنمط وشكل الغناء الذى تؤديه مع اللعب بالتمثيل، ومنار الشاذلى التى لعبت بين التمثيل وطرح نفسها كمطربة مدركة ومتمكنة من استغلال إمكانياتها الصوتية قدمت نوعا آخر من الغناء الغربى بتمكن ومهارة واحتراف فى تداخل مشاهدها بالحلم المتكرر أكثر من مرة، وفى كل مرة كانت تمتع الحاضرين بهذا التكرار، وشادى عبد السلام الذى لعب بصوته العذب كوميديا مستغلا معها هيئته الجسدية فى تقديم شخصية البائع الساخط دائما، وبهاء الطمبارى وكريستين عشم شكلا أيضا نمطا آخر من الأصوات الغنائية بالعرض، وبالتالى يحقق هانى من هذا التعدد والتناقض فى أنماط الأصوات الغنائية حالة انسجام غير متكررة كثيرا من الصعب مزجها معا فى وحدة متسقة بين ممثلين مؤدين للغناء بشكل جيد ومطربين محترفى الغناء بأصواتهم المختلفة، شاركهم هذا التعدد والبطولة نادين براي، تالا رضوان، وإبراهيم سعيد والطفلة حبيبة عادل.