الإثنين 27 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

نجوم الدرجة الثالثة فى سينما الأبيض والأسود 

تملكتنى البهجة وشغف القراءة وأنا أتأمل غلاف كتاب «نجوم الدرجة الثالثة فى سينما الأبيض والأسود» للكاتب الصحفى الكبير عادل السنهورى، تذكرت أدوارهم وقفشاتهم المحفورة فى ذاكرتنا، هؤلاء أسعدونا ولم ينالوا حظهم من الشهرة والتكريم والتوثيق لتاريخهم هو رد اعتبار، فهم نموذج صادق حى لنظرية «ستانسلافسكي» فى إعداد الممثل: «إن ليس المهم عدد المشاهد أو مساحة الدور الأهم ماذا فعل الممثل فى تلك المساحة».وصفهم «السنهوري» أنهم مشاهير الظل المنسيون ومملثو «الصف الثالث» ملح الأفلام ومذاقها الخاص المميز مثلهم مثل جمهور الدرجة الثالثة فى مباريات كرة القدم. هؤلاء لم تسلط عليهم الأضواء ولكل منهم قصة ومشوار. تنوعت أدوارهم ما بين الخير والشر والكوميديا والدراما.



بمقدمة الكتاب للكاتب الكبير «ناصر عراق» أشاد بأهمية الالتفات إلى هؤلاء المنسيين هم «ملح السينما» محرومون من نعمة الذكر الطيب نحفظ أدوراهم ولا نعرف أسماءهم، وإن قرار «السنهورى» بإنصافهم والاحتفاء بهم قرار صائب تماما.

ورغم حجم إنجازهم السينمائى لم تتوفر المعلومات الكافية عن مسيرتهم وسيرتهم، لذا خاض «السنهورى» رحلة بحث شاقة لسنوات ما بين مشاهدة أفلام، وإطلاعات على كتابات نقدية، مواقع السينما المتخصصة وغيرها من المصادر الأرشيفية.

قدم «السنهوري» رؤية فنية تحليلية ونقدية وإنسانية ل100ـ فنان وفنانة فى سينما الأبيض والأسود، منهم من استدعتهم نداهة الفن واستجابوا لها دون شروط، ومنهم موظفون كبار بالدولة. أحزنتنا نهايات بعضهم المأساوية الدرامية وبكل أسف تعرضوا للجحود والنكران.

ندعوكم لقراءة مسيرة بعضهم... 

■ بعد 263 عملا انتحر غرقا في النيل

عبد المنعم إسماعيل وحسين إسماعيل شقيقان جمعهما حب السينما وكلاهما نال نفس حظ أخيه من عدم الشهرة، تنافسا على أداء نفس الشخصيات: المعلم، والقهوجي، والساعي، والبواب، والشاويش، البواب، ابن البلد وغيرها.

عبد المنعم إسماعيل (1907) بدأ كومبارس فى الأربعينيات: انتصار الشباب، المتهمة، وبالخمسينيات والسيتينيات: إسماعيل يس فى مستشفى المجانين، قنديل أم هاشم، الزوج العازب، خان الخليلي، بين السما والأرض.

لعب أدوار الشر وأضفى عليها الطابع الكوميدى بفيلم «إسماعيل يس فى مستشفى المجانين» الفكهانى الذى كان يريد الزواج من «طعمة» هند رستم، وبفيلم «لهاليبو» كان دور حنفى صاحب الملهى الليلى الشرير ومقولته الشهيرة «العقل زينة». شارك في  263 عملا ما بين سينمائى وإذاعي، فى آخر أيامه وبسبب الفقر وتراكم الديون وقلة الأعمال قرر الانتحار وألقى بنفسه في النيل عام 1970.

حسين إسماعيل (1922) أشهر أدواره التمرجى « زنفل « مساعد الطبيب البيطرى رشدى أباظة بفيلم «آه من حواء»، الساعى حامل «القبقاب» لموظف الشركة شفيق نور الدين بفيلم «مراتى مدير عام»، توفى بعد موت شقيقه عبد المنعم بأربع سنوات عام 1974.

■ الرجل الأول زعيم العصابة

عبد الخالق صالح (1913-1978) المهنة لواء شرطة وبعد أن أنهى حياته العسكرية التحق بالسينما عام 1958 مع المخرج عز الدين ذو الفقار، وعمل فى المسرح العسكرى مع ثلاثى أضواء المسرح، وشارك فى بعض الأفلام المشتركة مع إيطاليا، وأشهر أدواره لواء شرطة رئيس البوليس السياسى بفيلم «فى بيتنا رجل» ذلك الدور المتسق مع مهنته السابقة، ثم جسد دور زعيم عصابة الرجل الأول بفيلم «الرجل الثانى» مع رشدى أباظة. وورث حب الفن لابنه المخرج على عبد الخالق.

■ صفا منتظر مسابقة أوحش وجه!

«أهلا ترررم، أهلا ترررم أهلا ثم سهلا فلتحيا بالإقبال والترحال محباباااااااااااااه». بالتأكيد نتذكر نشيد التلميذ ضئيل الحجم صاحب الوجه المميز والصوت النشاز قالها للترحيب بالأمير الهندى المزيف نجيب الريحانى بفيلم «سلامة فى خير». وهو حرنكش بفيلم «الست بلطية العالمة»، ونوفل بفيلم «شباك حبيبى».

صفا الدين حسين (1907-1966) شهرته صفا الجميل أو صفصاف طيب القلب، ولم يكن «عبيط» كما كان يبدو على ملامحه بل كان شخصا ذكيا، فقط يعانى من إعاقة فى النطق التي جعلته يتحدث بطريقة تبدو ضاحكة.

صفا متقبل ملامحه لدرجة أنه قال عن وحاشته: «كويس أنا مبسوط كده ويمكن يعملوا مسابقة للوحاشة هاخد الجايزة الأولى»، من أشهر نجوم الثلاثينيات حتى منتصف الخمسينيات وشارك بـ 26 عملا بدأ عام 1935مع بدايات السينما الناطقة بفيلم «دموع الحب».

ومع الكبار كان صفا تيمة التفاؤل، الموسيقار محمد عبدالوهاب حين تعثر فى تسجيل اغنية طلب إحضار صفا، وأنور وجدى يطمئن بوجوده اثناء كتابة السيناريو، والشاعر صالح جودت يطلب منه ان يزوره كل صباح، أما فى الحب فقد أحب صفا ليلى مراد وخشى ان يصارحها، وأسمهان اعتقد أنها تحبه لأنها دائما ترغب في وجوده فى الاستديو.

■ محمد الديب 119 عملا وكرمته الدولة

الممثل محمد حسن الديب (1908-1979) بدأ بالمسرح مع نجيب الريحانى وبعد وفاة الريحانى انتقل للعمل بمسرح أمين الهنيدي. أشهر مسرحياته: 30 يوم فى السجن، إلا خمسة. وفى السينما بدأ عام 1936بفيلم «بسلامته عايز يتجوز» تنوعت أدواره بين الكوميديا والشر بخفة الظل ومن أهم أفلامه: ابوحلموس، الحب كده، العتبة الخضراء، الأستاذة فاطمة. شارك بـ 119 فيلما وتم تكريمه فى عهد السادات وتزوج الفنانة جمالات زايد. ■ بطل المراهقات منتج «النمر الأسود»

الممثل عمر ذو الفقار مصرى عمل بالسينما المصرية والإيطالية أول تجربة سينمائية بفيلم «المراهقات» قام بتجسيد شخصية طارق الأخ القاسى المتزمت المتغطرس. تعبيراته الصارمة رشحته لأدوار جادة، تنبأوا له بأنه سيكون أبرز نجوم السينما المصرية. قدم عشرة أفلام أبرزها: لا تطفئ الشمس، ثورة اليمن، فارس الصحراء مع مارك فورست. كما شارك بعملين كوميديا: فندق الأحلام، وأكاذيب حواء وبعد هذا الفيلم قرر اعتزال السينما وسافر أوروبا، وبعد فترة طويلة عاد منتجا لفيلم «النمر الأسود» للنجم أحمد زكى.

■ شرير حسن ونعيمة 

محمود السباع مواليد السودان عام1911 وهو من أوائل الذين لعبوا أدوار الشر على شاشة السينما تعددت مواهبه في الإخراج والتمثيل وكتابة السيناريو والحوار. شارك فى40 عملا سينمائيا لكن انتماءه كان للإذاعة، أخرج العديد من التمثيليات الإذاعية. البداية بالمسرح حيث كون فرقة مسرحية واشترك فى أكثر من 8 مسرحيات منها: قنديل أم هاشم، آدم وحواء، المفتش العام. وتدرج بعدة مناصب بالتلفزيون منها: مدير للتمثيليات بالتلفزيون عام 1961 ومشرف على الفرق المسرحية، كرمته أكاديمية الفنون على مجمل أعماله بجائزة الجدارة.

وفى السينما أشهرها دور عطوة بفيلم «حسن ونعيمة» الذى كان يريد أن يتزوج نعيمة سعاد حسنى بالإكراه، ومؤخرا شخصية «سباخ الدجال» بفيلمه الأخير «البيضة والحجر» مع أحمد زكى. وقد رحل فى نفس عام عرض الفيلم في  1989 

■ مكيوى يسكن أرصفة الشوارع 

الممثل «عبدالعزيز مكيوى» حصل على أكبر شهرة بشخصية «على طه» بفيلم «القاهرة 30»، وفجأة تحول من نجم مشهور إلى متشرد يعطف عليه المارة. أحد النجوم الكبار فى عصره يتحدث ثلاث لغات بطلاقة الفرنسية والإنجليزية والروسية. ساءت حالته النفسية بعد وفاة زوجته التى كان يعشقها، وأخذ يتجول بالشوارع وينام بالمساجد ويمد يده للمارة وأصيب بحادث بالإسكندرية وكسرت ساقه.

عام 2011 انتشرت صورته وهو نائم على الأرض بالشوارع، وعلم نقيب الممثلين د.أشرف زكى ووفر له مسكنا لكنه رفض وعاد إلى الشارع مرة أخرى. وتم علاجه على نفقة القوات المسلحة، إلا أنه خرج إلى الشارع من تلقاء نفسه. ونقله رمزى العدل إلى دار مسنين بمصر الجديدة وتوفى 14/1/2016

■ عفركوش ابن برطكوش تطلب ايه ؟

محمود فرج (1922-2009) الشهير بـ «محمود مجانص» أشهر بطل ملاكمة بمصر دخل السينما بأدوار الرياضى وحصره المخرجون فى أدوار الشرير لضخامة جسده إلا أنه فى الواقع كان شخصا طيبا. تخرج في عدة كليات: التربية الرياضية، تجارة، الخدمة الاجتماعية، ومعهد الفنون المسرحية، عمل وكيلا لوزارة الكهرباء بالإسكندرية.

أول ظهور له بالسينما بفيلم «أيامنا الحلوة» مع عبدالحليم حافظ وأحمد رمزى وعمر الشريف. وشارك إسماعيل يس فيما يقرب من 100 فيلم، أبرزها شهرة «العفريت الشفاف عفركوش ابن برطكوش» بفيلم «الفانوس السحرى»، وله تجربة كتابة وتأليف إذاعى وتلفزيوني، وشارك فى فوازير رمضان مع شريهان وفهمى عبد الحميد. توفى متأثرا بحالة نفسية سيئة، تعذر عن دفع فاتورة مياه كبيرة وقطع عنه المالك المياه، وايضا بسبب مرض السكر فقد إحدى قدميه وانعدام النظر بالعين اليمنى.

شرير الشموع السوداء

صلاح سرحان (1923 – 1964) الشقيق الثالث للفنان شكرى سرحان ومحسن سرحان، ترك صورة مميزة لشرير الأفلام الذى يحاول الإيقاع بالبطلة ليفوز بها قسرا، أبهر النقاد بتقمصه للشخصيات إلا أنه انحصر بالأدوار الثانوية، كان الداعم والمعلم الأول لشقيقه شكرى سرحان الذى نال شهرة أكثر منه.

اشتهر بالمسرح فترة الأربعينيات والخمسينيات بمسرحيات كلاسيكية منها: مصرع كليوباترا، عنترة، فى بيتنا رجل، القضية. فى السينما لم تتجاوز أفلامه 15 فيلما، واستطاع بدور واحد أن يرسخ لنجاحه الفنى الأخ الشرير الذى يحقد على أخيه الضرير ويحاول إبعاده عن الممرضة بفيلم «الشموع السوداء» 1962مع صالح سليم ونجاة الصغيرة. وهو الدور الأخير الذى قدمه على شاشة السينما. وتوفى بعمر 41 عاما إثر إصابته بمرض عضال.

جحيم المومياء المتحركة

محمد صبيح (1914) ملامحه القاسية حصرته فى نوعية أدوار الشر وتخصص فى الأدوار الثانوية المؤثرة، أشهر أدواره التى ترسخت فى أذهان الجمهور إلى الآن دور المومياء المتحركة التى أخافت المشاهدين عند عرض الفيلم لأول مرة بفيلم «حرام عليك» وهو النسخة المصرية من «فرانكنشتاين». ودورالزوج البدوى الغيور على خطيبته بفيلم «للرجال فقط» مع حسن يوسف وسعاد حسنى، وشخصية «كتبغا» رسول التتار بفيلم «وا إسلاماه» ومقولته الشهيرة والمتداولة إلى اليوم «أكلم مين لما أحب أخاطب الشعب المصرى»، شارك فى 160 عملا، ما بين أفلام ومسلسلات، وآخر أفلامه مع عادل إمام «الجحيم» 1980 وتوفى فى نفس العام.

شملول بخيل السينما 

محمد كمال المصرى (1886 – 1966) الشهير بـ «شرفنطح» تلك الشخصية التى كان يقدمها بمسرحية «كشكش بيه» منافس قوى للريحانى فى الكوميديا، من أدوار صغيرة صنع نجوميته صاحب أسلوب فى أداء الشرير الداهية خفيف الظل .شارك في  45 عملا بين مسرح وسينما من الأربعينيات والخمسينيات. هو ناظر المدرسة بفيلم «سلامة فى خير»، وشخصية «شملول» الأب البخيل زوج ضريبة هانم «مارى منيب» بفيلم «عفريتة إسماعيل يس» كان يرتدى البياضات على بدلته ليحافظ عليها وليعلم ابنته «زلابية» التقشف . والمفارقة أنه كان بخيلا في الحقيقة يربط كل أمواله على وسطه ويذهب بها إلى أى مكان  لدرجة أنه لم يخبر أحدا أين يسكن . أصيب بمرض الربو واعتزل وتكفلت به نقابة الممثلين حتى مماته.

■ اختفاء لوسى إبن طنط فكيهة

ميمو وجمال رمسيس شقيقان أمتعانا بأدوارهما ولكل منهما شخصية فنية والكثير تنبأوا لهما بمستقبل وبنجومية بانتظارهما. اختفى الشقيقان أثناء عرض أفلاهما بالسينما، ولا توجد معلومات مؤكدة هل سافرا إلى أمريكا لأسباب سياسية؟ رصيدهما بالسينما المصرية ثلاثة أفلام فقط.

ذكر أن جمال ولد 20 يناير 1921 بحى شبرا لأم إيطالية، وبعد وفاة والده طلب خاله أن يأتى إلى أمريكا ليعيش مع شقيقة ميمو. وبأمريكا شاركا بأدوار صغيرة بالتلفزيون الأمريكى، قبل أن يعودا لمصر للاشتراك فى الأفلام الثلاثة.

اشتركا معا بفيلم «إسماعيل يس فى البوليس السري» 1959 ميمو جسد دور زعيم العصابة الذى ادعى الجنون ليهرب من البوليس وكانت له مقولة شهيرة «عطشان يا شاويش»، كما ظهر بالفيلم شقيقه جمال ضمن أفراد العصابة.

والفيلم الثانى «ملاك وشيطان» قدم ميمو شخصية «أبو شفة» أحد أفراد العصابة، والفيلم الثالث «إشاعة حب» 1960 أمام يوسف وهبى وعمر الشريف وسعاد حسني، وإخراج فطين عبدالوهاب، جسد جمال شخصية الولد الدلوعة المستهتر «لوسى ابن طنط فكيهة» أهم أدوار السينما الكوميدية، لا زالت الشخصية تستحوذ على اعجاب الجمهور الشاب قصير القامة نحيف على الطريقة الفرنسية يرتدى قميصا رسوماته سيريالية وخطواته راقصة وشعره على جبهته اليمنى وبلغة تتسق مع شكله  تحدث مع يوسف وهبى «بووونجورأوونكل».

فى الثمانينيات أشيع ان جمال رمسيس هو الشخصية الحقيقية لرجل المخابرات رأفت الهجان، ربما لأن الشخصية التى قدمها محمود عبد العزيز تقترب شكلا من شخصية جمال فى تسريحة الشعر لكنها أقاويل ثبت انها غير صحيحة.

أول نقيب للممثلين بتاريخ مصر 

عبدالعزيز خليل (1887-1969) معروف بقوة شخصيته بالواقع ممثل مسرحى انتقل بين أكثر من فرقة مسرحية: جورج أبيض، سلامة حجازي، منيرة المهدية. 1935التحق بالفرق المسرحية العربية المصرية، 1942 بالفرق المصرية للتمثيل، ومن أهم مسرحياته: الثائرة الصغيرة، عزيزة ويونس، شمشون ودليلة، الحب بالعافية، واعتزل المسرح لكبر سنه عام1954.

عمل بالسينما منذ بدايتها بفيلم «سعاد الغجرية» 1928، قام بتمثيل 52 عملا منها: باب الحديد، متحف الشمع، سمارة، فى سبيل الحب، فتوات الحسينية. أجاد أدوار الشر والفتوة والبلطجة والمعلم. ويحسب له أنه مؤسس نقابة الممثلين 1942 أول نقيب للممثلين فى تاريخ مصر. المؤسف أنه لم يكرم أبدا فى حياته وإلى الآن.