الخميس 20 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«رائحة الموت» تخنق ليبيا

بين الحكومة المنقسمة والبنية التحتية المدمرة ومحدودية الخدمات اللوجستية اللازمة لفرق الإغاثة، فتح النائب العام الليبى تحقيقًا فى انهيار السدين، اللذان تسببا فى سيل مدمر فى مدينة درنة الساحلية، بينما تبحث فرق الإنقاذ عن الجثث بعد ما يقرب من أسبوع من مقتل أكثر من 11 ألف شخص فى العاصفة.



وغمرت الفيضانات سدين، مما أدى إلى تدفق المياه بارتفاع عدة أمتار عبر وسط درنة، مما أدى إلى تدمير أحياء بأكملها وجرف الناس إلى البحر.

ويقول الهلال الأحمر الليبى، إن أكثر من 10 آلاف شخص فى عداد المفقودين. وبعد مرور ستة أيام، لا يزال رجال الإنقاذ يحفرون فى الطين والمبانى المجوفة، بحثًا عن الجثث والناجين المحتملين.

وأعربت السلطات وجماعات الإغاثة عن قلقها بشأن انتشار الأمراض المنقولة بالمياه، ونقل الذخائر المتفجرة من الصراعات الأخيرة فى ليبيا.

وقال النائب العام، الصديق الصور: إن الادعاء سيحقق فى انهيار السدين اللذين بنيا فى السبعينيات بالإضافة إلى تخصيص أموال الصيانة.

وأضاف أن المدعين سيحققون مع السلطات المحلية فى المدينة، وكذلك الحكومات السابقة.

ومن غير الواضح كيف يمكن إجراء مثل هذا التحقيق فى الدولة الواقعة فى شمال إفريقيا، والتى تغرق فى الفوضى السياسية.

جدير بالذكر أن المسئولين المحليين فى المدينة قد حذروا الجمهور من العاصفة المقبلة، وأمروهم بإخلاء المناطق الساحلية فى درنة خوفًا من ارتفاع مستوى البحر، إلا أنه لم يكن هناك أى تحذير بشأن السدين اللذين انهارا، فى وقت مبكر الاثنين الماضي، حيث كان معظم السكان نائمين فى منازلهم.

وقال تقرير صادر عن هيئة تدقيق تديرها الدولة عام 2021، إن السدين لم تتم صيانتهما، بالرغم من تخصيص أكثر من مليونى دولار لهذا الغرض فى عامى 2012 و2013.

على صعيد متصل، وصلت إلى ليبيا حزمة ضخمة من الإمدادات الطبية، بينها أكياس الجثث، بينما يحث عمال الإغاثة السلطات على التوقف عن دفن الضحايا فى مقابر جماعية.

وقالت: إن مثل هذه المدافن الجماعية يمكن أن تسبب ضائقة نفسية طويلة الأمد للعائلات، أو تسبب مخاطر صحية للعامة إذا تم دفنها بالقرب من مجرى المياه.

وقالت بعثة المنظمة الدولية للهجرة فى ليبيا: إن أكثر من خمسة آلاف فى عداد القتلى، مع تسجيل 3922 حالة وفاة فى المستشفيات، كما نزح أكثر من 38640 فى المنطقة الشمالية الشرقية التى ضربتها الفيضانات.

وقال مسئولون: إن عدد القتلى قد يكون أعلى من ذلك بكثير.

ودعت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة بشكل مشترك مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد الدولى لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إلى تحسين إجراءات الدفن.

وأرسلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر طائرة شحن إلى بنغازي، أكبر مدن شرق ليبيا، محملة بخمسة آلاف كيس للجثث. كما تأتى مساعدات أخرى من الخارج.

وقال المجلس النرويجى للاجئين، الذى لديه فريق مكون من 100 فرد فى ليبيا: إن التعامل مع الجثث هو مصدر القلق الأشد إلحاحًا.

وقال أحمد بيرم من المجلس النرويجى للاجئين: «سمعت من فريقى أن هناك مقابر جماعية حيث يقول عمال الإنقاذ: لا تجلبوا لنا الطعام، لا تجلبوا لنا الماء، أحضروا لنا أكياس الجثث».

وقال المجلس الدنماركى للاجئين: إنه سيرسل فريقًا متخصصًا فى التخلص من الألغام خشية تحرك الألغام الأرضية من مواقعها بسبب الفيضانات.

وقال الرئيس التركى رجب طيب أردوغان: إن بلاده أرسلت سفينتى إنزال برمائيتين تحملان 122 مركبة منها سيارات إسعاف ومركبات إنقاذ. وكانت تركيا قد أرسلت بالفعل ثلاث طائرات وسفينة محملة بالإمدادات.

وشعر بعض السكان بخيبة أمل من عدم تحرك السلطات المنقسمة فى البلاد بسرعة أكبر لتقديم المساعدة.

من جهته، نفى مسئول فى شرق ليبيا المزاعم القائلة بأن العديد من الذين قتلوا فى الفيضانات المدمرة نهاية الأسبوع الماضى طُلب منهم البقاء فى منازلهم.

وقال عثمان عبد الجليل، المتحدث باسم الحكومة التى تتخذ من بنغازى مقرًا لها: إن الجنود حذروا الناس فى مدينة درنة وطالبوهم بالفرار.

ونفى أن يكون قد تم إخبار الناس بعدم الإخلاء، لكنه أقر بأن البعض ربما شعروا أن التهديد مبالغ فيه.

وبينما شاهد الصحفيون نشاطًا متواصلًا وسط درنة - حيث يعمل رجال الإنقاذ وطواقم الإسعاف وفرق الطب الشرعى على تحديد هوية القتلى - لم تكن هناك علامات تذكر على وجود وكالات إغاثة دولية كبرى.

وقال متحدث باسم إحدى المنظمات: إن محاولة تنسيق عمليات الإغاثة فى البلاد كانت بمثابة «كابوس».

وما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا هو حقيقة أن الفيضانات دمرت البنية التحتية الحيوية، مثل الطرق وأنظمة الاتصالات. وقال مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية، فى حديثه من مقر الأمم المتحدة فى جنيف: إن الكارثة «بمثابة تذكير كبير بتأثر الأرض بتغير المناخ».

واعترف غريفث بأن الأمم المتحدة تواجه «عامًا صعبًا»، وتوقع أن قدرات الحكومات على التعامل مع تحدى المناخ «سوف تستنفد إلى أقصى حد».

وأضاف أيضا أنه تم نقل فريق تنسيق الكوارث من المغرب للمساعدة فى الأزمة فى ليبيا.

ويقول غريفيث: إن عدم الاستقرار السياسى فى ليبيا على مدى العقد الماضي، والذى شهد عدة حروب أهلية، أسهم فى التأثير المدمر للفيضانات، حيث كان 300 ألف شخص يحتاجون بالفعل إلى المساعدة قبل انهيار السدود فى مدينة درنة. وأطلقت الأمم المتحدة الآن نداءً عاجلًا لجمع ما يزيد قليلا على 71 مليون دولار، للاستجابة لاحتياجات المتضررين من الفيضانات.

فى السياق نفسه، بلغت حصيلة القتلى الرسمية التى أعلنتها الحكومة حتى الخميس الماضى 3000 قتيل، وقدر سفير ليبيا لدى الأمم المتحدة الرقم بـ 6000، وتقدرها منظمة الهلال الأحمر الليبى بنحو 11000، بينما يقول عمدة درنة: إن العدد قد يصل إلى 20 ألفًا.

يؤدى تهالك البنية التحتية إلى إبطاء عمل فرق الإغاثة، إذ إن الطرق المؤدية إلى درنة مغلقة ولا تتمكن الفرق الموجودة على الأرض من الحصول على الطاقة والمياه والوقود. وهناك دعوات لإنشاء ممر بحرى كوسيلة للوصول السريع للمنكوبين.

وتهدد ظاهرة الاحتباس الحرارى بكوراث طبيعية فى منطقة حوض البحر المتوسط. وقد تضطر دول متوسطية مستقبلًا إلى الاستعداد لعواصف متزايدة القوة من هذا النوع، الذى يوازى ما يُعرف بإعصار البحر المتوسط «ميديكين».