الخميس 29 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سيد الشهداء.. حمزة بن عبد المطلب




المنهج الإلهي - في إصلاح البشرية وهدايتها إلي طريق الحق - يعتمد علي وجود القدوة التي تحول تعاليم ومبادئ الشريعة إلي سلوك عملي، فكان رسول الله - صلي الله عليه وسلم - هو القدوة التي تترجم المنهج الإسلامي إلي حقيقة وواقع، قال تعالي: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» (الأحزاب:21)، ولما سئلت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن خلقه - صلي الله عليه وسلم - قالت: «كان خلقه القرآن»! (2)، وقال صلي الله عليه وسلم: أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم، لهذا كانت لنا هذه الوقفة مع الأنبياء والصحابة والرعيل الأول من النساء المسلمات لنتعلم منهم وعنهم.
إنه حمزة بن عبد المطلب -رضى الله عنه- عم الرسول صلى الله عليه وسلم وأخوه فى الرضاعة، وكان قد ولد قبل النبى صلى الله عليه وسلم بسنتين، وأرضعتهما ثويبة مولاة أبى لهب، وكان يكنى بأبى عمارة وكان حمزة صديقًا لابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، حيث عاشا معاً، وتربيا معًا.
أسلم فى السنة الثانية بعد البعثة النبوية، وقيل: فى السنة السادسة بعد دخول الرسول صلى الله عليه وسلم دار الأرقم؛ حيث كان حمزة - رضى الله عنه - فى رحلة صيد، ومرَّ أبو جهل على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا فآذاه وسبه وشتمه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم ولا يرد عليه، وكانت خادمة لعبد الله بن جدعان تسمع ما يقول أبو جهل.
فانتظرت حتى عاد حمزة من رحلته، وكان يمسك قوسه فى يده، فقالت له الخادمة: يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقى ابن أخيك محمد من أبى الحكم بن هشام (أبى جهل)، وجده هاهنا جالسًا فآذاه وسبه، وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه، ولم يكلمه محمد ، فغضب حمزة، وأسرع نحو أبى جهل فوجده فى جمع من قريش، فضربه حمزة بالقوس فى رأسه، وأصابه إصابة شديدة، ثم قال له: أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول، فرد ذلك عليَّ إن استطعت؟ فقام جماعة من بنى مخزوم (قبيلة أبى جهل) إلى حمزة ليضربوه، فقال لهم أبو جهل: دعوا أبا عمارة فأنى والله قد سببت ابن أخيه سبًّا قبيحًا. [ابن هشام].
فلما أصبح ذهب إلى الكعبة، ثم توجه إلى الله بالدعاء أن يشرح صدره للحق؛ فاستجاب الله له، وملأ قلبه بنور اليقين والإيمان، فذهب حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره بما كان من أمره، ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه فرحًا شديدًا ودعا له.
هكذا أعز الله حمزة بالإسلام، وأعز الإسلام به، فكان نصرًا جديدًا وتأييدًا لدين الله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وما إن سمع المشركون بإسلام حمزة حتى تأكدوا من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صار فى عزة ومنعة، فكفوا عن إيذائه، وبدءوا يسلكون معه سياسة أخرى، وهى سياسة المفاوضات، فجاء عتبة بن ربيعة يساوم النبى صلى الله عليه وسلم ويعرض عليه ما يشاء من أموال أو مجد أو سيادة.
واستمر حمزة -رضى الله عنه - فى جهاده ودفاعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أذن الله للمسلمين بالهجرة إلى المدينة المنورة، فهاجر حمزة، وهناك آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين زيد بن حارثة، وشهد حمزة غزوة بدر مع النبى صلى الله عليه وسلم، وفى بداية المعركة هجم أحد المشركين ويدعى الأسود بن عبد الأسود على بئر للمسلمين وقال: أعاهد الله لأشربنَّ من حوضهم أو لأهدمنَّه أو لأمُوتَنَّ دُونَهُ، فتصدى له حمزة فضربه ضربة فى ساقه، فأخذ الأسود يزحف نحو البئر فتبعه حمزة وقتله.
وبعدها برز ثلاثة من المشركين وهم عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة، فخرج إليهم فتية من الأنصار، فنادوا: يا محمد.. أَخْرِج إلينا أكفاءنا من قومنا. فقال صلى الله عليه وسلم: قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا حمزة، قم يا علي، فبارز عبيدة عتبة، وبارز على الوليد، وبارز حمزة شيبة، ولم يمهل حمزة شيبة حتى قتله، وكذلك فعل عليٌّ مع خصمه الوليد، أما عبيدة وعتبة فقد جرح كل منهما الآخر، فأسرع حمزة وعلى بسيفيهما على عتبة فقتلاه.
وكان حمزة فى ذلك اليوم قد وضع ريشة على رأسه، فظل يقاتل بشجاعة حتى قتل عددًا كبيرًا من المشركين، ولما انتهت المعركة، كان أمية بن خلف ضمن أسرى المشركين، فسأل: من الذى كان معلَّمًا بريشة؟ فقالوا: إنه حمزة، فقال: ذلك الذى فعل بنا الأفاعيل. ولقد أبلى حمزة فى هذه المعركة بلاء حسنًا، لذلك سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسد الله، وأسد رسوله.
وأقسمت هند بنت عتبة أن تنتقم من حمزة ؛ لأنه قتل أباها عتبة وعمها وأخاها فى بدر، وكذلك أراد جبير بن مطعم أن ينتقم من حمزة لقتل عمه
طعيمة بن عدى، فقال لعبده وحشي، وكان يجيد رمى الرمح: إن قتلت حمزة فأنت حر.
وجاءت غزوة أحد وأبلى حمزة -رضى الله عنه- بلاءً شديدًا، وكان يقاتل بين يدى رسول الله بسيفين ويقول: أنا أسد الله. فلما تراجع المسلمون اندفع حمزة نحو رسول الله يقاتل المشركين، واختبأ وحشى لحمزة، وضربه ضربة شديدة برمحه فأصابته فى مقتل، واستشهد البطل الشجاع حمزة -رضى الله عنه.
ورآه النبى صلى الله عليه وسلم بعد انتهاء المعركة بين الشهداء قد مثل به، فقطعت أنفه وأذنه وشقت بطنه، فحزن عليه حزنًا شديدًا، وقال صلى الله عليه وسلم: لولا أن تجد (تحزن) صفية فى نفسها لتركته حتى تأكله العافية (دواب الأرض والطير) حتى يحشر من بطونها إكرامًا له وتعظيمًا) [أبو داود]. وقال: (سيد الشهداء حمزة) [الحاكم]. وصلى النبى صلى الله عليه وسلم على حمزة وشهداء أُحد السبعين.