الخميس 3 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

د. حسام عطا يكتب: مساء «برلين» فى«90 دقيقة»

د. حسام عطا يكتب: مساء «برلين» فى«90 دقيقة»
د. حسام عطا يكتب: مساء «برلين» فى«90 دقيقة»




فى الوقت الذى خلت فيه معظم الفضائيات الحكومية والخاصة الشهيرة وغيرها من اهتمام بمتابعة الحدث الكبير فى برلين مساء الثلاثاء 13 يناير الجاري، عرض برنامج 90 دقيقة للإعلامى محمد شردى لقطات من الحدث المضاد الأقل أهمية، وهى احتجاجات «بيغيدا» المناهضة لأسلمة الغرب والتى كانت ترفع شعارات معادية لدور العبادة الإسلامية، بينما كان موقف الحكومة الألمانية وعموم الشعب الألمانى متعاطفا مع التعايش الطبيعى ورفض زرع الكراهية باسم الأديان، واستطاع الحدث الصحيح أن يعبر عن صورة قوية لإرادة الشعب الألمانى، حيث تجمع المسلمون واليهود والمسيحيون فى برلين للتضامن مع «شارلى إبدو» ولرفض الإرهاب وتعميق مشاعر الكراهية باسم الدين، ففى الساحة الواسعة كان التليفزيون الألمانى يبث مشهدا رائعا بدءًا بتلاوة القرآن الكريم أمام أعين العالم كله.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
«مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِى الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ»
صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ
{سورة المائدة/32}
هذه الآيات البينات تلاها مسلم ملون كريم فى ساحة «بوابة براندنبورغ» بمدينة برلين، فى حضور المستشارة الألمانية «انجيلا ميركل» بحضور الرئيس الألمانى «يواخيم غاوك» وعدد كبير من أعضاء الحكومة الألمانية، والقادة الروحيين للمواطنين الألمان المسلمين والمسيحيين واليهود، وذلك أمام البوابة الرمز التى تعبر عن الوحدة الألمانية والمصممة على هيئة أكروبوليس أثينا، حيث المعنى العميق الذى تُرسله الحكومة الألمانية لأوروبا والعالم، فالأكروبوليس عند اليونان القديمة، وعند أثينا يعنى «المدينة العليا» وهو أقدم أثر دينى فى أوروبا ذلك لأنه المعبد اليونانى الذى يتحول لحصن للدفاع عن المدينة عند حدوث أى غزو خارجى، وفى ذلك استعادة للعقل اليونانى رمز الاتحاد الأوروبى الفكرى، واختيار المكان يرمز للدين وللوطن معاً.
لاشك أن الألمان يستهدفون بهذه الصور التليفزيونية التعبير عن التقاليد الأوروبية الرصينة، واختيار ساحة بوابة «براندنبورغ» يكاد يتسع كمكان رمزى ليس لألمانيا الموحدة فقط، بل وعبر الرمز الأثينى يتسع لأوروبا كلها.
جدير بالذكر أن أوروبا يقطنها فى بعض التقديرات 38 مليون مسلم، من بينهم أكثر من أربعة ملايين مسلم يعيشون فى ألمانيا وحدها، وإن كان يعتقد البعض أن المسلمين فى أوروبا هم فى معظمهم من المهاجرين، فهذا ينطبق فقط على أوروبا الغربية فى حين أنهم فى مناطق أوروبية أخرى، خاصةً فى أوروبا الشرقية مثل ألبانيا وكوسوفو، هم من السكان الأصليين، ولذلك فقبول «ميركل» حضور الوقفة التأملية التى دعا إليها المجلس الأعلى للمسلمين فى ألمانيا والجالية التركية بالتنديد بالحادث الإرهابى فى باريس والذى أسفر عن اغتيالات فى «شارلى إبدو» وما تلى ذلك من أحداث الجمعة الوحشية 9 يناير الجاري، يعد قراءة سياسية واضحة وحقيقية وصحيحة لطبيعة المجتمع الألمانى والأوروبى معا، جدير بالذكر أن الفصل بين تركيا «أردوغان» والجالية التركية فى ألمانيا مسألة ضرورية، جدير بالذكر أيضا أن تصاعد حركات كراهية الأجانب فى ألمانيا منذ بداية التسعينيات فى القرن الماضى كانت موجهة ضد المهاجرين الأتراك على وجه الخصوص، ولهذا فسلوك الحكومة الألمانية شديد الحكمة لحفظ السلام الاجتماعى بين جميع أفراد المجتمع الألمانى واحتراماً للتعددية الثقافية وحقوق المواطنة، كما أنه يرد على المظاهرة التى نظمها أيضا فى ذات الوقت مجموعة من الألمان وهم مواطنون أوروبيون ضد أسلمة الغرب واختصار تعريف المجموعة هو كلمة «بيغيدا» وهى حركة خرجت لترفع صوراً للمساجد وعليها علامة إلغاء، وقد بدأت هذه الحركة تعمل فى مدينة «درسدن» الألمانية منذ أكتوبر الماضى ويتصاعد تأثيرها بشكل منتظم، ولذلك فإن حرص الحكومة الألمانية على التضامن والإصرار يؤكد أنها تنظر لتلك الحركة على أنها حركة شعبوية تستند على مخاوف لا أساس لها من الصحة، وأيضا تأكيد على حرص الحكومة الألمانية على وقف الترويج الدعائى المفتعل لمشاعر الخوف من الإسلام، كما أنها تُرسل رسالة للعالم للتفريق بين الإسلام والإرهاب، وهو الأمر الذى حرصت عليه أيضا الحكومة الفرنسية، عندما غادر الرئيس الفرنسى «هولاند» الكنيس اليهودى قبل بدء خطاب «نتانياهو» فى باريس حرصا على عدم استغلال الأمر لمزيد من تعميق الجراح بين المواطنين المسلمين واليهود، وهى الملاحظات التى يجب تسليط الضوء عليها فى الشاشات الفضائية المصرية والعربية، وهو الأمر الذى لم يحدث بالكثافة المناسبة للسلوك الألمانى شديد الحساسية الذى يستحق التأمل والتقدير، ويبقى الدور على الإعلام المصرى لإبراز هذه الصورة الحضارية الألمانية التى تعرف المزج بين ما يحاول حلفاء الشيطان جعله أمران متعارضان، أقصد أن الحكمة الألمانية تجمع بين الدين والحرية معاً، وتحرص على عدم وضعهما فى حالة صراع، بل تفسد محاولات جعل المسلمين فى أوروبا هدفا للعداء.