الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الكاتبة الأردنية ليلى الأطرش: أحلم بعالم لا تدفع فيه النساء ثمن نزاعات الرجال




تحتل الكاتبة الأردنية ليلى الأطرش مكانة مرموقة فى الحياة الادبية العربية لما فى كتاباتها من جدة وجرأة وخصوصية، سجلت فى رواياتها جوانب مهمة فى حياة المجتمع العربى فى وقت يتسارع فيه التقدم المعرفى والعلمى ويتداخل مع هموم المجتمع.
 
ترى صاحبة "مرافئ الوهم" التى بدأت عملها الإعلامى ككاتبة عمود فى عدة صحف، كما عملت فى إذاعة الأردن وقطر معدةً للبرامج أن الكتابة السياسية بأيديولوجيا مسبّقة تنتهج المباشرة ليس من سمة الأدب، وأن الخطر الحقيقى على الهوية العربية ليس فى الانفتاح أو التعرض لشروط العولمة، بل بالخوف من الذوبان لأننا لم نتحصّن بشروط العصر.. حول روايتها "رغبات ذاك الخريف" وعالمها الروائى كان لنا معها هذا الحوار.
 
■ «رغبات ذاك الخريف» عنوان روايتك الجديدة هل تعتبر امتدادا لروايتك السابقة (مرافئ الوهم) أم انها تجربة مستقلة؟
 
- لا تشابه.. لا الشكل الفنى ولا الموضوع ولا المكان.. رواية "مرافئ الوهم" أسلوب غير مسبوق فى الرواية العربية" حين اتخذت شكل إعداد برنامج تليفزيونى، منذ لحظة التفكير فيه كسبق إعلامى وحتى الانتهاء من تصويره والعودة بالمادة الخام إلى المحطة.. واعتمد السرد فيها على تعدد ضمائر الراوي.. وتابعت الرواية خلال أيام التصوير القليلة مجريات العمل وتفاصيل حياة الفريق التلفزيوني، ومثلهم الضيف الذى يتوجهون لمقابلته فى لندن.. أما زمانها فهو الحاضر والماضى عن طريق الاسترجاع.. وفى الرواية الكثير من لغة ومفردات التعامل التليفزيونى فى وصف العمل وعلاقات الفريق العملية والنفسية والعاطفية.. ومكان أحداث الرواية لندن بينما يحيل الاسترجاع إلى الماضى فى القدس وبغداد.. الفريق جمع المخرج الإماراتى والمذيعة الفلسطينية والمعدة العراقية.. وموضوع الرواية حكاية امرأتين نجحتا فى عملهما الإعلامى كثيرا، واضطربت حياتهما العاطفية نتيجة تقلب عواطف ومزاج من أحبتا. ثم مواجهتهما مع هذا الماضى من جديد فى لندن أثناء مهمة إعلامية.. أما الموضوع الذى طرح للمرة الأولى فى "مرافئ الوهم" وربما فى الرواية العربية، فهو موقف المرأة المطلّقة طلاقا بائنا بينونة كبرى من مسألة العودة إلى طليقها " بالمحلل"، ومحاولة الرجل تفسير هذه المسألة الشرعية -التى هى أصلا عقابا له على التعسف باستغلال حقه الشرعي- لصالحه، حتى ولو على حساب قناعات وإحساس زوجته، وموقف المرأة من هذا، ثم تفسير الدين حسب أهواء بعض الأشخاص كالمخرج سيف العدنانى، ورؤيته للنساء والحب. وزمان الرواية هو عصر الفضائيات العربية الذى بدأ منتصف تسعينيات القرن العشرين.
 
■ الرواية ترصد الأحداث والتحولات التى يمر بها العالم العربى والأخطار التى تهدد هويته.. فهل تعتقدين أن هذه وظيفة الأدب؟
 
- أليس الأدب تعبيرا عن الحياة؟ حاضرها - فى الواقعى منه- وماضيها باستقراء تاريخه، ومستقبلها باستشراف القادم أو ربما بالخيال العلمي؟
 
وبما أن تعريف الرواية هو "خلق عالم مواز لذاك المعاش" تصبح الرواية التى تقرأ واقع شخوصها وظروفهم المحيطة رواية أدبية صالحة للقراءة فى كل زمان ومكان، بدليل أننا نقرأ روايات الكتّاب العالميين التى رصدت " الزمكانية" التى عاشوها، فظلت قطعا أدبية تمثل أمهات ما أنتجه الإبداع والفكر الإنساني، فى الآداب الروسية والأمريكية وأمريكا اللاتينية وأستراليا وأوروبا كلها، روايات.. لمن تقرع الأجراس؟ ..الحرب والسلام.. الأخوة كرامازوف.. الأم.. دكتور زيفاجو الطاعون.. أحدب نوتردام.. ابنة الحظ.. ومثلها فى العالم العربى منذ ظهرت الرواية كفن أدبى جديد بداية القرن الماضى مثلا القاهرة 30، الثلاثية والكثير مما يصعب حصره. وكل هذه الأعمال صورت الإنسان فى حقب زمانية ومكانية مختلفين، ولكننا نقرأها بمتعة لأن الأدب وظف الزمان والمكان لشروط إبداعية لا سردا تاريخيا أو جغرافيا.
 
■ هل تطمحين إلى تسييس الأدب أم تأديب السياسة؟
 
- لا هذا ولا ذاك! فلكل مقام مقال.. الكتابة السياسية أيديولوجيا مسبّقة تنتهج المباشرة وهذا ليس من سمة الأدب، والكتابة السياسية هى رأى الكاتب المباشر والتحليلى ورؤيته الخاصة للأوضاع وهذا أيضا ليس دور الرواية حتى لو تحرك الشخوص فى ظروف سياسية معينة.. ولكن بما أن أقدار الكتاب العرب العيش فى مناطق مضطربة تعانى من فعل السياسة الإقليمية والعالمية، وتؤثر مجرياتها على لقمة الناس وطبيعة حياتهم اليومية وعلاقاتها، تصبح الأحداث السياسة فى ما أكتبه فواصل تاريخية تؤطر لشخوص الرواية، المعيشية والفكرية.
 
■ تكتبين فى زمن صراع الأيديولوجيات، ماذا تقولين بعد أن سقطت هذه الأيديولوجيات؟
 
- بسقوطها اهتز العالم وترنح، وخبت حدة الأممية والقومية وتناثرت شظاياها إقليميات وطوائف متصارعة، خبت النزعة الإنسانية وقُزِّمت فى مصلحة الفرد الرأسمالية، وانغلق الفكر الإنسانى وتوحّش برفض الآخر، وانغلق على المصلحة الفردية والتسلط. فازدادت الحروب والنزاعات والظلم والفقر والاستغلال والعنف ضد النساء والارتداد السلفي، ولا بد للكاتب من أن يرصد مظاهر هذا التغيير من خلال شخصيات عمله سواء كان دورها محوريا أو ثانويا مساندا.
 
 ■ يقول فيكتور هوجو: "إن الروح الإنسانية تحتاج فى الوقت الحاضر إلى المثل الأعلى أكثر من حاجتها إلى الواقعية".. ماذا تقولين وكيف تتجلى واقعيتك؟
 
- ولماذا يخلو الواقع من القيم والرومانسية؟ غياب القيم والمثل العليا يقود إلى الخواء، غياب الحب والرومانسية والأحلام يقود إلى الفردانية والتقوقع حول المصالح الشخصية، لا تتنافى الواقعية مع القيم والمثل العليا، لقد عرّف "إنجلز" الواقعية فى الأدب بأنها التصوير الصادق لظروف نمطية وشخصيات نمطية، أما "ديدرو" فيعرِّف الواقعية بأنها " تهتم بالإنسان وذاته، ولكنها لا تنقطع تماما عن مرحلة الرومانسية ومن بعدها الكلاسيكية".. وأرى أنه لا انفصال بين الواقعية والمثل العليا المجنحة فى الخيال الإنسانى، السلام البشرى والعدل ومحاربة الفساد وتقديس الجمال والحب والتعاون والتضحية والعمل الجماعى ومساعدة الغير، كل ما تخلّى عنه الإنسان فى طمعه بحجة الواقعية، ونحن نستطيع تحسين هذا الواقع وتسخيره للقيم والمثل بغرسها فى صغارنا فى مناهجنا التعليمية والتربوية، وفى سياساتنا الإعلامية، لكننا لا نستطيع أن نجعلها موعظة حسنة فى رواياتنا.. نستطيع أن نعلم الصغار فى ما يكتب لهم من قصص وأشعار - وبغير مباشرة - قبول الآخر وحب الجمال والطبيعة والمحافظة عليها ورفض استغلالها، أن نعودهم العمل الجماعى الذى يقود إلى الإيثار وتغليب المصلحة العامة.. أما فى الرواية فلا يجوز خلق مدينة فاضلة تجافى الواقع المعاش، بل إن تصوير القبيح أحيانا يقود إلى التفكر بنقيضه.. وفى رواية "رغبات ذاك الخريف" صورت عمّان، وهى ليست مدينة شخوصها كلها مثالية أو من الملائكة.. هى مدينة بشر لهم نوازعهم الخيِّرة كما فى علاقات بعض الشخوص، أو علاقة أهل السلطة بالفلسطينيين، أو علاقات شر وفساد .. هذه هى واقعية الأدب.
 
■ العولمة تهدد التنوع الإنسانى والخصوصية الثقافية .. فهل تحصَّنت الثقافة العربية تجاه هذا المد؟
 
- التحصّن ضد العولمة لا يعنى التقوقع أو الارتداد ولا الانغلاق ورفض ما يهب علينا ممن حولنا، نحن نعيش عصرا جديدا له شروطه وأدواته، وأساسها الانفتاح على الآخر طوعا أو رغما لأنه عصر الاتصال وهبوب المعلومات والمعرفة، يبقى أن نعرف كيف نمنع ذوباننا فيه.. بفهمنا لذواتنا وخصوصيتنا الراهنة وعدم التقوقع فى ذات سلفية لم تعد تصلح لهذا العصر، بل بالمحافظة على هويتنا مع احترام خصوصية الآخر، ثم نتبادل ما نراه صالحا منه.. نحن كأمة عربية تأخرنا كثيرا ولهذا نخشى من الذوبان فيما يهب علينا من أفكار وقيم، ونحن مهزوزون لأننا مجرد متلقين لهذا القادم ولا قدرة لنا على التأثير العكسى فيه لأننا لا ننتج معرفة ولا تقنية ولا علوما بل نستهلك ما ينتجونه هم، ولو كنا المنتجين لما أحسسنا بالخوف من تبادلٍ ثقافى متعادِل، والخطر الحقيقى على الهوية ليس فى الانفتاح أو التعرض لشروط العولمة، بل بالخوف من الذوبان لأننا لم نتحصّن بشروط العصر.
 
■ هل أنت كاتبة نسائية أم إنسانية؟
 
- كلاهما..النسوية هى تناول قضايا المرأة الذاتية والاجتماعية..وأنا مهمومة بقضايا النساء من خلال مجتمعاتهن وما يحكم مسائلهن وأوضاعهن من قيود وفكر.. والمرأة ليست كتلة اجتماعية منفصلة عن محيطها...حتى لو كانت تبحث عن حريتها فهى تقاوم ما يحيط بحريتها من قيود وأعراف..لهذا فكل من يكتب عن المرأة وقضاياها فى السياق الاجتماعى هو كاتب نسوي، سواء صوّر التمييز ضدها أو القوانين الجائرة فى حقها، أو التفسيرات الدينية التى تحاول إثبات دونيتها والقوامة المطلقة للرجل عليها، أو ملكية الذكور لها فى مجتمع بطريركى أبوى عشائري، أو طالب بحريتها الجنسية، أو صور أحاسيسها وتجاربها.
 
■ بماذا تحلمين؟
 
- بالعدالة الاجتماعية والدولية، بعدالة توزيع رأس المال.. بحقوق الإنسان، بالمساواة وعدم التمييز بالعرق واللون والمعتقد والجنس، بأطفال ونساء لا يدفعون ثمن حروب ونزاعات الرجال، بعالم بلا فقر أو مرض..بدعاة يتركون الخلق للخالق ليحاسبهم ولا ينصبون أنفسهم يد الله على الأرض. بالبيئة النظيفة، بتكافؤ الفرص، بتقييم عادل للإنسان، بعالم لا تهدده تغيرات المناخ بفعل الإنسان ولا طغيان البشر.