الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

توفيق الحكيم.. رمز النهضة الفكرية العربية بإرثه الأدبى والمسرحى

توفيق الحكيم.. رمز النهضة الفكرية العربية بإرثه الأدبى والمسرحى
توفيق الحكيم.. رمز النهضة الفكرية العربية بإرثه الأدبى والمسرحى




أعدتها للنشر - رانيا هلال
ولد توفيق الحكيم بالإسكندرية سنة 1878 من أب مصرى كان يعمل فى سلك القضاء وأم تركية ولما بلغ سن السابعة ألحقه أبوه بمدرسة حكومية ولما أتم تعليمه الابتدائى اتجه نحو القاهرة ليواصل تعلمه الثانوى ولقد أتاح له هذا البعد عن عائلته شيئا من الحرية فأخذ يعنى بنواحى لم يتيسر له العناية بها إلى جانب أمه كالموسيقى والتمثيل ولقد وجد تردده على فرقة جورج أبيض ما يرضى حاسته الفنية لانجذابه إلى المسرح.
وبعد حصوله على الباكالوريا التحق بكلية الحقوق نزولا عند رغبة والده الذى كان يود أن يراه قاضيا كبيرا أو محاميا شهيرا. وفى هذه الفترة اهتم بالتأليف المسرحى فكتب محاولاته الأولى من المسرح مثل مسرحية «الضيف الثقيل» و«المرأة الجديدة» وغيرهما إلا أن أبويه كانا له بالمرصاد فلما رأياه يخالط الطبقة الفنية قررا إرساله إلى باريس لنيل شهادة الدكتوراه. لقد وجد فى باريس ما يشفى غليله من الناحية الفنية والجمالية فزار المتاحف وارتاد المسارح والسينما.

وفى سنة 1928 عاد توفيق الحكيم إلى مصر ليواجه حياة عملية مضنية فانضم إلى سلك القضاء ليعمل وكيلا للنائب العام فى المحاكم المختلطة بالإسكندرية ثم فى المحاكم الأهلية.
وفى سنة 1934 انتقل الحكيم من السلك القضائى ليعمل مديرا للتحقيقات بوزارة المعارف ثم مديرا لمصلحة الإرشاد الاجتماعى بوزارة الشئون الاجتماعية.
استقال توفيق الحكيم من الوظيفة العمومية سنة 1934 ليعمل فى جريدة «أخبار اليوم» التى نشر بها سلسلة من مسرحياته وظل يعمل فى هذه الصحيفة حتى عاد من جديد إلى الوظيفة فعين مديرا لدار الكتب الوطنية سنة 1951 وعندما أنشئ المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب عين فيه عضوا متفرغا وفى سنة 1959 قصد باريس ليمثل بلاده بمنظمة اليونسكو لكن فترة إقامته هناك لم تدم طويلا إذ فضل العودة إلى القاهرة فى أوائل سنة 1960 ليستأنف وظيفته السابقة بالمجلس الأعلى للفنون والآداب ولقد منحته الحكومة المصرية أكبر وسام وهو «قلادة الجمهورية» تقديرا لما بذله من جهد من أجل الرقى بالفن والأدب وغزارة إنتاجه كما منح جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1961.
كانت مسرحيته المشهورة «أهل الكهف» فى عام 1933 حدثا مهما فى الدراما العربية فقد كانت تلك المسرحية بداية لنشوء تيار مسرحى عرف بالمسرح الذهني. بالرغم من الإنتاج الغزير للحكيم فإنه لم يكتب إلا عددا قليلا من المسرحيات التى يمكن تمثيلها على خشبة المسرح وكانت معظم مسرحياته من النوع الذى كُتب ليُقرأ فيكتشف القارئ من خلاله عالما من الدلائل والرموز التى يمكن إسقاطها على الواقع فى سهولة لتسهم فى تقديم رؤية نقدية للحياة والمجتمع تتسم بقدر كبير من العمق والوعي.
كان الحكيم أول مؤلف استلهم فى أعماله المسرحية موضوعات مستمدة من التراث المصرى وقد استلهم هذا التراث عبر عصوره المختلفة، سواء أكانت فرعونية أو رومانية أو قبطية أو إسلامية لكن بعض النقاد اتهموه بأن له ما وصفوه بميول فرعونية وخاصة بعد رواية «عودة الروح» أرسله والده إلى فرنسا ليبتعد عن المسرح ويتفرغ لدراسة القانون لكنه وخلال إقامته فى باريس لمدة 3 سنوات اطلع على فنون المسرح الذى كان شُغله الشاغل واكتشف الحكيم حقيقة أن الثقافة المسرحية الأوروبية بأكملها أسست على أصول المسرح اليونانى فقام بدراسة المسرح اليونانى القديم كما اطلع على الأساطير والملاحم اليونانية العظيمة.
وعندما قرأ توفيق الحكيم أن بعض لاعبى كرة القدم دون العشرين يقبضون ملايين الجنيهات قال عبارته المشهورة: «انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم لقد أخذ هذا اللاعب فى سنة واحدة ما لم يأخذه كل أدباء مصر من أيام اخناتون». عاصر الحربين العالميتين 1914 - 1939. وعاصر عمالقة الأدب فى هذه الفترة مثل طه حسين والعقاد وأحمد أمين وسلامة موسى.
وعمالقة الشعر مثل أحمد شوقى وحافظ إبراهيم، وعمالقة الموسيقى مثل سيد درويش وزكريا أحمد والقصبجى، وعمالقة المسرح المصرى مثل جورج ابيض ويوسف وهبى والريحاني.
كما عاصر فترة انحطاط الثقافة المصرية (حسب رأيه) فى الفترة الممتدة بين الحرب العالمية الثانية وقيام ثورة يوليو 1939 - 1952.
هذه المرحلة التى وصفها فى مقال له بصحيفة أخبار اليوم بالعصر «الشكوكي»، وذلك نسبة محمود شكوكو.
ومن مؤلفاته نذكر أهل الكهف - شهرزاد - براكسا - صلاة الملائكة - بيجماليون - اللص - الصفقة -
وهناك من يـؤرخ تاريخا آخر لولادة توفيـق الحكيـم رغم تأييد الحكيـم نفسه لهذا التاريخ وذلك حسبما أورده الدكتور إسماعيـل أدهـم والدكتور إبراهيـم ناجى فـى دراستهمـ‏ا عـن الحكيـم حيث أرَخا تاريخ مولده عام 1903 بضاحية (الرمل) فـى مدينة الإسكندرية. لكنَ أرجح الآراء تأكد على أنّ تاريخ مولده كان عام 1898
اشتغل والد الحكيم بالسلك القضائي، وكان يعد من أثرياء الفلاحين، وكانت أمه سيدة متفاخرة لأنها من أصل تركى لذا كانت صارمة الطباع، تعتز بعنصرها التركى أمام زوجها المصري، وتشعر بكبرياء لا حد له أمام الفلاحين من أهله وذويه.
وكثيرا ما أقامت هذه الأم الحول بين الطفل توفيق وأهله من الفلاحين، فكانت تعزله عنهم وعن أترابه من الأطفال وتمنعهم من الوصول إليه، ولعل ذلك ما جعله يستدير إلى عالمه العقلى الداخلي، وبدأت تختلج فى نفسه أنواع من الأحاسيس والمشاعر نتيجة لهذه العزلة التى فرضتها والدته عليه، فنشأت فى نفسه بذور العزلة منذ صغره، وقد مكّنه ذلك من أن يبلغ نضجا ذهنيا مبكرا.
وقضى الطفل مرحلته الابتدائية بمحافظة البحيرة، ثم انتقل إلى القاهرة ليواصل دراسته الثانوية. وكان لتوفيق عَمّان بالقاهرة، يعمل أكبرهما معلما بإحدى المدارس الابتدائية، بينما الأصغر طالبا بكلية الهندسة، وتقيم معهما أخت لهما.
بعد ذلك عزم الحكـيم على السفر إلى فرنسا لدراسة الحقوق، فأرسله والده إلى فرنسا ليبتعد عن المسـرح والتمثيل ويتفرغ لدراسة القانـون هناك. وكان سفره إلى باريس عام 1925. وفى باريس تطلـع الحكـيم إلى آفاقٍ جديدة وحياةٍ أخرى تختلف عن حياة الشـرق فنهل من المسرح بالقدر الذى يروى ظمأه وشوقه إليه.
وخلال إقامة الحكيم فى فرنسا لمدة ثلاث سنوات استطاع أن يطلع على فنون الأدب هناك، وخاصة المسرح الذى كان شغله الشاغل، فكان نهار أيامه يقضيه فى الإطلاع والقراءة والدراسة، وفى الليالى كان يتردد على المسارح والمحافل الموسيقية قاضيا فيها وقته بين الاستفادة والتسلية.
وفى فرنسا عرف الحكيم أن أوروبا بأكملها أسست مسرحها على أصول المسرح الإغريقي. فقام بدراسة المسرح اليونانى القديم وقام بقراءة المسرحيات اليونانية تراجيدية كانت أو كوميدية التى قام بكتابتها الشعراء المسرحيون اليونانيون، كما اطلع على الأساطير والملاحم اليونانية العظيمة.
وإضافة إلى اطلاعه على المسرح الأوروبى انصرف الحكيم إلى دراسة القصة الأوروبية ومضامينها الوطنية مما حدا به إلى كتابة قصة كفاح الشعب المصرى فى سبيل الحصول على حريته، فكتب قصة «عودة الروح» بالفرنسية، ثم حولها فيما بعد إلى العربية ونشرها عام 1933 فى جزأين.
وفى عام 1928 عاد الحكـيم إلى مصر، وعيّن وكيلا للنيابة عام 1930، وفى عام 1934 نقل مفتشا للتحقيقات بوزارة المعارف، ثم نقل مديرا لإدارة الموسيقى والمسرح بالوزارة عام 1937، ثم مديرا للدعاية والإرشاد بوزارة الشئون الاجتماعية. وخلال هذه الفترة لم يتوقف الحكيم عن الكتابة فى مجالات المسرح والقصة والمقال الأدبى والاجتماعى والسياسي، إلى أن استقال من عمله الحكومى فى عام 1944 وذلك ليتفرغ لكتاباته الأدبية والمسرحية.
وخلال حياة الحكيم فى مصر ظهرت لنا كتاباته أدبية كانت أو مسرحية أو مقالات أو غيرها.
وترك لنا الحكيم الكثير من الآثار الأدبية المتنوعة فى أساليب كتاباتها، كما ترك لنا ذلك الرصيد الهائل من المسرحيات التى تنوعت بين ذهنية واجتماعية وأخرى تميل إلى طابع اللامعقول.
وفى يوليو من عام 1987 غربت شمس من شموس الأدب العربى الحديث ورمز من رموز النهضة الفكرية العربية، شمس سيبقى بريقها حاضرا فى العقلية العربية جيلا وراء جيل من خلال ذلك الإرث الأدبى والمسرحى الذى أضافته للمكتبة العربية. فقد رحل نائب الأرياف توفيق الحكيم عن عمر يزيد على الثمانين، بعد حياة حافلة بالعطاء عمادها الفكر وفلسفتها العقل وقوامها الذهن.
وعن تأثير توفيق الحكيم فى الأجيال الحديثة أوردنا بعض الآراء التى تثبت لنا أن فنه باق ومؤثر على مل الأجيال.
 الكاتبة لمياء مختار: أعاد لنا الوعى وأيقظ فينا الروح
فى كل يوم فى زمننا هذا نتذكر مقولتك الصادقة «إنه عصر القدم لا عصر القلم».. نعم يا كاتبنا المبدع ويا ملك المسرح فقد طغت الصورة على الفكرة وازداد طغيانها عشرات المرات عما كانت عليه فى أيامك.. فقد عشقنا مثل «بجماليون» تمثالا يجسد أوهامنا وقيمنا الزائفة التى لا تسمن ولا تغنى من جوع فصرنا أمة بلا فكر ولا بوصلة توجهها فى مستقبلها وصار «بنك القلق» هو المتحكم فينا وكأنه يمتص دماء رغبتنا فى التقدم لنخلد إلى الأرض ولا يكون لنا شأن بين الأمم.. فهل نفيق من سبات «أهل الكهف» فنقوم بردم «نهر الجنون» الذى نشرب منه ليلا ونهارا فصارت مياهه تسرى فى دمنا وتقصينا عن كل ما هو قيم فى هذه الحياة؟.. وهل يكون لنا من «عودة الوعى» ما يكفى لأن نقدر الكتابة والفكر فلا يكون مصيرنا «الخروج من الجنة»؟.. جنة النجاح بين الأمم والتميز والتقدم على هذه الأرض.. وعندها يبسط «العصفور من الشرق» جناحيه فيعلو شأننا بين الأمم ونتذكرك بكل الحب والتقدير كأحد أهم كتابنا الذين أعادوا لنا الوعى وأيقظوا فينا الروح لنعود ثانية أمة رائدة محلقة فى سماء التميز بين الأمم كما كنا فى الماضى.. فهل نفعل ذلك حقا؟
القاص محمد أبوعوف: حلقة مهمة فى الصراع بين التنوير والظلام
ذات يوم أثناء قراءتى لكتاب للشيخ محمد الغزالي، وجدته يهاجم توفيق الحكيم هجوما صارخا، متهما إياه أنه يدعو إلى الزنى وينادى به، وأنه مؤيد لخيانة المرأة لزوجها طالما تعمل ولا تحتاج لنقوده، ثم ذكر سطرين من رواية يؤيدان وجهة نظره، وأكمل بعد ذلك الهجوم عليه، بأن الحكيم يشيع الفاحشة فى المجتمع، بعدها بسنوات تقع تحت يدى رواية «الرباط المقدس» وهى رواية عظيمة، ومن عيون الأدب فى وقتها، وبالصدفة تقع عيناى على السطور التى ذكرها الغزالى فى كتابه، فتعجبت، وأعدت قراءة السطور مرة بعد مرة، حتى أجد فى كلام الحكيم ما يوافق كلام الغزالي، لكننى لا أعثر على شيء منه، وتتضح الصورة كاملة بعد إتمام الرواية التى تناقش قضايا خروج المرأة للمجتمع، وذهابها للنادى وممارسة الرياضة ومخالطة الرجال، وهذا كان حدث عظيم وتغير كبير وقتئذ وجب على الحكيم ككاتب ومفكر وفيلسوف أن يناقشه فى عمل أدبى لم يقرأ الغزالى منه حرفا واحدا، إنما اكتفى بجملتين حواريتين حتى يبنى عليهما وجهة نظره وتخيله الخالى تماما من الصحة، فلا الحكيم ينادى بالزنى، ولا يشجع على خيانة الزوجة، مثلها تماما عندما هوجم مرة أخرى بسبب أرنى الله، وهى قصة تقدم شكلا من أشكال معرفة الله والتقرب له، فإذا بالظلاميين يكفرونه، الحكيم يمثل حلقة مهمة فى الصراع بين التنوير والظلام، قراءته فى مثل هذه الأيام مهمة، ومعرفة ما دار حول كتبه من جدل حتى نستطيع أن نستخلص الحكمة ونعرف كيف نحارب ونواجه من يريدوننا أن نعيش فى ظلمات القرون الوسطى.
 الروائى هانى عبدالمريد: توفيق الحكيم.. المعلم الأول
لعل الحدث الثقافى العام البعيد، بل والأول، الذى تستطيع ذاكرتى الإمساك به، هو وفاة توفيق الحكيم، حينها كنت اقترب من عامى الرابع عشر، وكنت قد قرأت له كتابين أو ثلاثة، واتخذت قرارى حينها بأنه كاتبى المفضل، ولم يمض سوى أشهر قليلة، وعرفت بخبر وفاته، كان أول حزن يصيبنى لوفاة شخصية عامة، أتذكر حينها عدد مجلة أكتوبر ولوحة للحكيم على الغلاف، احتفظت بالعدد، وبالعديد من المقالات التى كتبت فى تأبين الرجل، تأكدت عظمته بالنسبة لي، وازداد حرصى على الوصول لكل ما كتب.
أتذكر العام التالى لوفاته، وحصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، وقتها كنت على يقين تام بأن الموت فقط، هو الذى حرم الحكيم من الجائزة، كنت على يقين بأنه الأحق بها، لم أكن قرأت لمحفوظ سوى روايته اللص والكلاب، والتى لم تعجبنى حينها، وأعطتنى انطباعًا سيئًا عنه.
وأظن أن هذا العشق لكتابات الحكيم فى حينها يعود لسببين أساسيين، أولهما أن شكل الكتابة المسرحية هو فى الحقيقة الشكل الأكثر قربًا للقارئ المبتدئ، فبنية العمل هى الحوار، وهذا يحتاج لمجهود أقل من القارئ، بعكس الرواية التى تعتمد على السرد، وألاعيبه، التى قد يعجز المبتدئ على التواصل معها، السبب الثاني، وهو أن كتابات الحكيم تمتاز بأنها متعددة مستويات التلقي، بالتأكيد كنت فى البدء أكتفى بمتعة الحكاية المباشرة.
توفيق الحكيم فتح أمامى الباب على فكرة الكتابة العبثية مع مسرحيته «ياطالع الشجرة»، وتتبعت بعد ذلك صمويل بيكيت، ويوجين يونيسكو، ...
فتح أمامى باب التجريب، والجرأة الفنية مع «بنك القلق»، و«الطعام لكل فم»...
ظللت لما يقرب من سبع سنوات وتوفيق الحكيم كاتبى المفضل، قرأت ما يقرب من أربعين عملا له، تتبعت إخباره وحواراته، جمعت الكثير من أقواله المأثورة، وضعت صورته فى إطار يزين جدران حجرتي، قد أتذكر الآن كل ذلك وابتسم لقناعات فترة المراهقة، وقد تكون قراءتى للمسرح الآن شبه منعدمة، وقد يكون الحكيم لم يعد كاتبى المفضل، لكننى لن أنسى أثره فى حياتي.