الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الحرب الباردة

الحرب الباردة
الحرب الباردة




كتب - نافع عبدالهادى

 

لا أحد ينكر أن خريطة القوى فى العالم بدأت تتغير بشكل يثير الجميع، والقادم يعنى عودة قوى إقليمية على الساحة من جديد لتهدد القطب الأوحد رغم محاولات إعادة السيطرة والهيمنة على الشرق الأوسط من قبل الأمريكان والتى انسحبت السجادة من تحت أقدامهم بهدوء وبغباء أوباما ساعد الدب الروسى على العودة لمسرح العمليات فى الشرق الأوسط بقوة لا يحسد عليها فى الوقت الذى ظهرت حالة من التوافق الروسى الصينى تجاه القضايا الإقليمية والدولية وهو الأمر الذى جعل لموقفهما من القضايا ثقلا إقليميا كبيرا ضد التكتل الأمريكى الأوروبى وما يحدث مصلحة لكل دول العالم فى تصحيح الخلل فى ميزان العلاقات الدولية، والعودة إلى مرجعية دولية متوازنة فى التعامل مع الأزمات القائمة الآن، ووقف التفرد الأمريكى الذى حصل فى ظل الإدارة الأمريكية السابقة والحروب التى خاضتها بلا مرجعية «مجلس الأمن الدولي». وإذا أحسن الروس والصينيون توظيف هذه المرحلة، فإن ذلك قد ينعكس إيجابا على كل الأزمات الدولية، وفى مقدمتها الآن أزمات منطقة «الشرق الأوسط»، التى تشمل ملفات مترابطة بتداعياتها وأطرافها. ولقد ساعد الروس على هذا الأمر الفراغ السياسى الدولى الذى نجم عن تراجع الدور الأمريكى فى المنطقة لسببين رئيسيين.
أحدهما يعود إلى التحول فى أولويات الولايات المتحدة الخارجية من حيث أوجه الخطر، حيث تتجه إلى التركيز على شرق آسيا تحسبا لانفجار الصراع المكتوم بينها وبين الصين، وروسيا ذاتها، اقتصاديا وعسكريا ومعهما كوريا الشمالية.
ثانيهما يتعلق بالوضع فى الشرق الأوسط من جهة الفشل الذى منيت به السياسة الأمريكية فى حل قضية السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بسبب عدم قدرتها على فرض متطلبات السلام على الحكومات الإسرائيلية الأخيرة، ومن جهة الافتقاد للثقة فى السياسة الأمريكية من جانب غالبية النظم العربية بعد أن تكشف لها أن الولايات المتحدة كانت وراء موجات التغيير الأخيرة فى دول الربيع العربى والتى لم تؤت ثمارها بل هددت دولا أخرى بتكرار الاضطراب والانقسام نفسه، وبالمجمل تأكد للجميع أن واشنطن تتدخل فى الشئون العربية الداخلية على عكس ما تعلن بأنها بعيدة عن ذلك. ونتيجة لتآكل الدور الأمريكى تدريجيا حدث فراغ سياسى دولى وجدت فيه روسيا الفرصة لاستعادة دور الاتحاد السوفيتى السابق ونجحت روسيا حتى الآن فى لعب هذا الدور باقتدار وكانت البداية الوقوف بجوار مصر فى محنتها واحترام رغبة الشعب المصرى فى التغيير بجانب نجاحهم فى احتلال الدور الأعظم فى اعتماد القاهرة عليهم فى تنويع السلاح فى الجيش المصرى بعدما حاول الأمريكان لى ذراع النظام المصرى من أجل تنفيذ مخططتهم ببقاء الإخوان وحدوث الكوارث فى مصر وحدث نتيجة لذلك التقارب المصرى الروسى.
هذا بالإضافة إلى الضربات الروسية لداعش فى سوريا وهى الضربات المؤثرة والتى تؤكد حقا رغبة الروس فى القضاء على إرهاب داعش لا الضربات التليفزيونية التى قامت بها أمريكا والتحالف الأوروبى والتى لافائدة منها لأنها لم تستهدف داعش وإرهابه وإنما تهدف فقط إعادة توازن الصراع فى سوريا ليظل أطول فترة ممكنة من أجل القضاء على هذه الدولة الكبرى تمهيدا لإعلان إسرائيل دولتها الكبرى، بغض النظر عن إجرام بشار وما فعله ولكن هناك وطن انهار ويتم إبادة من فوق هذه الأرض وهناك من لا قلب لهم يزيدون من إشعال النيران لتظل سوريا ملتهبة بل قطعة نار.
الضربات الروسية وتحركات بوتن والتقارب الصينى وزيادة حميمية الصداقة مع مصر وعدد من الدول العربية يؤكد أن النفوذ الروسى عاد من جديد فى الشرق الأوسط وأن تواجد النفوذ الأمريكى يتلاشى ومن المرجح أن يشكل موقف ودور روسيا فى الأزمة السورية «بوابة الدخول الثانية» وتعاظم نفوذها فى منطقة الشرق الأوسط، بل والعالم. كل هذا دون إنكار حماية الروس مصالحهم الخاصة فى سوريا
ومن جهة روسيا فإنها لا تريد تفويت مثل هذه الفرصة ليس فقط لتحقيق مكاسب اقتصادية وإنما للحصول على نفوذ استراتيجى فى منطقة بأهمية قناة السويس. مثل هذا التحرك المشترك من جانب القاهرة وموسكو يعيد رسم الخريطة الدولية للشرق الأوسط.
كل هذا الأمور أدت إلى نشوب الحرب الباردة من جديد بين القطبين وهو ما يجعلنا نجزم بأن الصراع السياسى سوف يستمر لسنوات طويلة وربما يتسبب فى المزيد من الأزمات التى لن تنتهى.