الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بالعقل نتدبر

بالعقل نتدبر
بالعقل نتدبر




خالد كامل  يكتب:
إن تمسك بعض المغالين بضرورة تطبيق حد الردة، الذى لا أجد له فى القرآن الكريم أصلا يؤسس له، يعد من قبيل العقل والتدبر للقرآن الكريم افتراءً عليه.
ولعلنا نقف هنا فى هذا المقال وذلك الطرح على أمور مهمة فى مناقشة حد الردة وقتل الكافر، وقد كتبت قبل ذلك فى هذا الأمر وأواصل، ليس لشىء إلا دعوة إلى الفهم والتدبر والتعقل، فرفقا بى.
إن رحابة الإسلام تسع الدنيا كلها بسماحته ورأفته، فرب العالمين الذى أنزل الإسلام على كل الأنبياء والمرسلين هو الذى أسس أنه لا يكره أحدا على اعتناق دينه ولا على عبادته رغمًا عنه، على الرغم من قدرته المطلقة كإله يستطيع فعل ذلك بكلمة «كن» فيكون، ولكنه ترك الحرية والخيار حتى فى التعامل معه سبحانه وتعالى من المسلم ومن غير المسلم.
إن الإسلام على كثرة أوامره ونواهيه التى تبلغ 18 ألف أمر ونهى فى الكتاب والسنة، به فقط ستة حدود، وهذا فى حد ذاته رحمة غامرة لكل الأرض، وليس القتل من هذه الحدود، إذ الحدود لا يملك أحد من البشر إلغاءها ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ربما يملك تعطيل تنفيذها بعض الوقت حال عدم تهيئة المجتمع لذلك، مثلما فعل الفاروق (عمر رضى الله عنه) عام الرمادة فى تعطيل تنفيذ حد السرقة، أما القتل فيملك ولى الدم العفو عنه وقبول الدية من القاتل دونما قتله ولذلك جعله الله تبارك وتعالى قصاصا لا حدا.
من هذه الحدود «حد الردة» وأنا للحق أخالف رأى العلماء فيه عقلا وعدلا ولا أدعى صحة رأيى، لأن فى القرآن الكريم خطابين مع غير المسلمين أحدهما عقدى (مرتبط بعقيدة المؤمن واعتقاده فى كفر غير المسلم قولا واحدا) والآخر اجتماعى (مرتبط بكيفية التعامل مع غير المسلم) وخطأ مخاطبته بالكافر مطلقا، بل نحن مأمورون بحسن المخاطبة والتعامل معهم رجاء الهداية لهم.
وأفرد دالتى فيما يلى، تفنيدا من القرآن أولا، ثم ننظر الأحاديث النبوية الشريفة فى مقالات مقبلة:
1- إن الله تبارك وتعالى لم يكن ليأمر بإزهاق نفس رجلٍ دخل الإسلام ثم كرهه، وإلا لاعتُبِرَ ذلك إكراها له على الدخول فى الدين، وكما قال الله فى سورة البقرة «لا إكراه فى الدين» وفى الكهف «...فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر...» وعند الله يحاسَبُ الكافر والمؤمن على السواء.
2- هذه واحدة، الثانية أن الله تبارك وتعالى لم يقر حدا للردة فى القرآن الكريم فى آية المرتد سواء فى سورة البقرة أو فى سورة المائدة، والآيتان هما على الترتيب:
«وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» 217 البقرة.
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» المائدة 54.
وفى الآيتين السابقتين لم يأمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقتل المرتد، بل أخبره بأن أعماله ستحبط فى الدنيا والأخرة وعاقبته النار فى الأخرة، لكن فى النهاية لم يأمر الله بقتله البتة حتى لا يخاف الموت ويمكث فى الدين يكيل له ويحيك له المؤمرات مع أعدائه ويكون بذلك منافقا أشد خطرا على الأمة والدين، يضمر الكفر ويظهر الإيمان.
ومن هذا المنطلق الذى سردناه، نقول للمغالين، ألم تكن زوجة كل من النبى نوح وأخيه لوط عليهما السلام كافرة؟ ولم يقتلها نوح، بل ظلت تعيش معه تحت سقف بيت واحد قرابة التسعة قرون على كفرها، وكذا لم يفعل لوط.
وكان والد الخليل إبراهيم نبى الله (عليه السلام) بظاهر نص القرآن كافرا أيضا، وبعض أعمام النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) كفار، مثل أبو طالب وأبو لهب، فهل قتلاهم أم دعا لهم بالهداية والرحمة حتى نُهيا عن ذلك؟
والسؤال هنا: من أين جاء الداعون مثل الدواعش - البعيدون تماما عن منهج الإسلام السمح - ببدعة قتل الكافر المسالم غير المحارب للمسلمين وغير المعين أو المحرض على حربهم وقتلهم واحتلال أراضيهم لمجرد كفره؟!
أعلم أن هذا المقال سيصدم الكثيرين من أصدقائى ومعارفى، ممن تربوا ونشأوا على التسليم بحد الردة كحدٍ من الحدود الستة فى الإسلام، ولكن ليُمعِنوا النظر ولينظروا بعين الفهم والتعقل والتدبر الذى أمرنا الله بهم فى القرآن الكريم الذى هو النور والبرهان والحَكَمُ لهذه الأمة المحمدية المكرمة والمشرفة عند الله تعالى ما اتبعوه وساروا على نهج رسولهم (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم)
أما من يحتج بأية سورة الفتح رقم 16
«قل للمخلَفين من الأعراب ستُدعَوْنَ إلى قومٍ أولى بأسٍ شديدٍ تقاتلونهم أو يسلمون». فلنا معه وقفة فى مقالات مقبلة.