الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصر والهجرة إلى أوروبا

مصر والهجرة إلى أوروبا
مصر والهجرة إلى أوروبا




يكتب: أحمد عبده طرابيك

نتج عن الحروب الأهلية وقضايا الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي، وتدهور الأحوال الاقتصادية والأمنية فى منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقى وأفغانستان وغيرها من المناطق فى القارتين الإفريقية والآسيوية، الكثير من المشكلات والقضايا التى استنفرت قادة الدول الأوروبية بعدما كانوا يعيشون فى طمأنينة غير مبالين بتلك الأحداث التى أهلكت الحرث والنسل، ولعل أكثر ما أثار استنفار الدول الأوروبية هى قضايا الهجرة التى تدفقت بالملايين على القارة الأوروبية.
تستضيف الكثير من الدول المجاورة لمناطق النزاعات أعدادا كبيرة من اللاجئين رغم ما تعانيه تلك الدول المستضيفة للاجئين من أحوال اقتصادية صعبة، ومن تلك الدول مصر التى تستضيف ما يزيد على خمسة ملايين ونصف مليون لاجئ، إضافة إلى من دخلوا البلاد متسللين عبر الحدود مع كل من ليبيا والسودان، ولم يقدر عددهم على وجه التحديد، وكم ناشدت تلك الدول وفى مقدمتها مصر، ناشدت المجتمع الدولي، وخاصة الدول الأوروبية بالعمل على إيجاد حلول ناجعة لمشكلات الهجرة.
فى البداية عندما تدفقت أعداد كبيرة من اللاجئين وخاصة السوريين على أوروبا رحبت بعض الدول التى تعانى من تناقص حاد فى أعداد المواليد لديها وخاصة ألمانيا بهؤلاء المهاجرين، رغبة فى أن يندمجوا فى المجتمع الألمانى والأوروبي، ويتم من خلالها تعويض التناقص المستمر فى أعداد السكان لديهم، والعمل فى بعض الحرف والمهن التى لم يقبل عليها الأوروبيون، ولكن عندما تزايدت أعداد اللاجئين عما كانت تتوقعه هذه الدول، بدأت فى التحرك لوقف هذا السيل من المهاجرين إلى الدول الأوروبية.
عقد الاتحاد الأوروبى اتفاقا مع تركيا يهدف إلى تقنين أعداد المهاجرين إلى أوروبا والقادمين عبر تركيا، وقد استطاعت تركيا من خلال هذا الاتفاق اجبار الاتحاد الأوروبى على المشاركة فى تحمل أعباء اللاجئين من خلال الحصول على العديد من المزايا بموجب هذا الاتفاق لعل أهمها الحصول على مساعدات مالية قدرها ثلاثة مليارات يورو لتحسين ظروف 2.7 مليون لا جئ حتى عام 2018، ومن ثم يتم الحصول على تمويل إضافى طالما استمرت مشكلة اللاجئين، هذا إلى جانب إعفاء مواطنى تركيا من تأشيرات الدخول إلى أوروبا، وفى مقابل ذلك تعمل تركيا على إعادة اللاجئين الجدد الذين يصلون إلى الجزر اليونانية إلى أراضيها، وفى مقابل كل سورى يعاد من الجزر اليونانية إلى تركيا سيتم استقبال سورى آخر من تركيا إلى الاتحاد الأوروبى على ألا يتجاوز عدد اللاجئين المسموح لهم دخول أوروبا عن 72 ألف لاجئ.
لم تتوقف الجهود الأوروبية للحد من الهجرة إليها عند هذا الاتفاق مع تركيا، فقد عقدت يوم 24 سبتمبر قمة فى فيينا لدول «طريق البلقان» أى الدول التى يأتى المهاجرون إليها عبر دول البلقان، شارك فيها زعماء كل من «النمسا، ألمانيا، اليونان، مقدونيا، صربيا، بلغاريا، ألبانيا، كرواتيا، رومانيا، سلوفينيا، المجر»، وذلك بعدما تم استشعار ما تتكبده بلادهم من أعباء جراء توافد اللاجئين.
أهم ما جاء فى هذه القمة ما قاله رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان أن حوالى 5.5 مليون لاجئ فى مصر ينتظرون دورهم للانتقال إلى أوروبا، وقد طالب أوربان بأمرين، الأول: عقد اتفاق مع مصر على غرار اتفاق الاتحاد الأوروبى مع تركيا بشأن اللاجئين، والثاني: إنشاء مدينة ضخمة على الساحل الليبي، تكون مركزا لتسجيل اللاجئين الذين يسعون للحصول على حق اللجوء فى أوروبا.
مصر من حقها أن يشاركها هموم اللاجئين الدول الغنية والتى سوف تتضرر من جراء توافد اللاجئين إليها، ولذلك فإن توقيع اتفاق مع الاتحاد الأوروبى بشأن اللاجئين يجب أن يضع مصالح مصر فى الاعتبار مثلما فعلت تركيا، فما شهدته السواحل المصرية من أحداث غرق لآلاف المهاجرين خلال السنوات القليلة الماضية، أغلبهم من المصريين، والتى كان آخرها مركب رشيد الذى تسبب فى غرق نحو 170 شخصا، يجب أن توضع فى الاعتبار عند عقد مثل هذا الاتفاق حتى لا تتكرر هذه المآسى على السواحل المصرية.
فمن حق مصر أن يسمح لمواطنيها بالحصول على تسهيلات لدخول الاتحاد الأوروبي، وأن تساهم أوروبا فى تحمل نفقات وأعباء اللاجئين المتواجدين على الأراضى المصرية، كما على الاتحاد الأوروبى المشاركة فى إقامة مشروعات تعمل على توفير فرص عمل لمن يتم توطينه فى مصر من اللاجئين، فالدول الأوروبية عليها مسئوليات أخلاقية وقانونية واقتصادية تجاه اللاجئين، وفق القوانين والمواثيق الدولية، وعلى مصر الضغط من أجل تخفيف تلك الأعباء، ومشاركة الدول الغنية فى تحمل تبعاتها.