الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«والتقينا بالجنوب».. حكاية صداقة فنية ترويها أربع فنانات

«والتقينا بالجنوب».. حكاية صداقة فنية ترويها أربع فنانات
«والتقينا بالجنوب».. حكاية صداقة فنية ترويها أربع فنانات




كتب – أحمد سميح

تحت عنوان «والتقينا بالجنوب» أقيم مؤخرا بقاعة النيل بالزمالك معرض فنى لأربع فنانات واعدات هن هالة الشافعى وجيهان فايز وسوزى شكرى ومروة عزت.
المعرض يضم بين جنباته حالة روحانية للفنانات الأربع اللاتى يدن بفضل لقائهن الفنى إلى سمبوزيوم التصوير بالأقصر والذى قام بتنظيمه صندوق التنمية الثقافية والذى جمع الفنانات إلى جوار بعضهن للمرة الأولى ليكون العهد فيما بينهن لتكرار اللقاء فى معارض جماعية لاحقا ليكون معرض «والتقينا بالجنوب» هو الأول من بين سلسلة المعارض تلك، حيث تمثل تلك المعارض والملتقيات الجماعية بحق فرصة لمثل تلك الصداقات الفنية بتعددها وتنوعها وثرائها.
يمثل المعرض فى حد ذاته حالة فريدة من الانسجام الروحى والفنى الذى جمع الفنانات معا رغم اختلاف مدارسهن ومذاهبهن الفنية وحتى اختلاف الخامات المستخدمة فى تنفيذ إبداعاتهن الفنية وكيفية توظيفها، وعلى الرغم من التشابه الروحى للفنانات فى لقائهن يحمل المعرض تنوعا فنيا وبصريا يضفى عليه مسحة من الاختلاف الفنى يدعو للتأمل والانبهار.
فى البداية اختارت الفنانة والزميلة الناقدة سوزى شكرى العزف على أوتار الحب من خلال شخوص لوحاتها الرومانسية الحالمة والتى نفذتها رسما بالقلم الجاف وزاوجتها بالألوان الخشبية تارة، تصنع من خطوطها فى تداخلاتها وتشابكها عوالم لوحاتها والتى تأخذنا بين جنبات نسائها الحالمات الغارقات فى الرمزية ما بين الأوراق والعصافير متأثرة بشغفها وعشقها لفنون الرسم الصحفى بما تحمله من جماليات لونية وقد أجادت الفنانة فى استعمال جماليات اللونين الأبيض والأسود لاعبة على التضاد اللونى فيما بينها مع الإجادة فى الانتقال ما بين المساحات والكتل فى سلاسة، وقد زينت الفنانة سوزى شكرى بأعمالها الفنية صفحات مجلة صباح الخير خلال ثمانينيات القرن الماضى لتجاور بفنها أساطين ورواد الرسم الصحفى لمدرسة روزاليوسف العريقة من أمثال جمال كامل وهبة عنايت ومأمون وإبراهيم عبد الملاك ومحمد الطراوى لتعود فى بداية القرن الواحد والعشرين بعد رحلة فنية إلى دولة الكويت لتزين برسومها صفحات جريدة روزاليوسف إلى جوار كتاباتها ومقالاتها النقدية واشتباكاتها الجريئة المتكررة فى متون الحركة التشكيلية المصرية، لتجمع بقلمها ما بين تلابيب الكتابة النقدية ورسومه الخطية.
كما اختارت الفنانة هالة شافعى ألوان الباستيل، خامتها الأثيرة إلى قلبها فى التعامل مع مسطح لوحاتها الكبيرة باعتبارها عالمها شديد الخصوصية صانعة من التنوع اللونى المبهج والتداخل فيما بين الكتل والمساحات عوالم لوحاتها الغارقة فى تجريدية المحب للتجريب، العاشق لاجتياز الحُجب بحثا عن جوهر الألوان وخفاياها والتى استلهمتها من عوالم الطبيعة ومجرات الكون بصوفيتها وجمالياتها، فهى فنانة عاشقة وعابدة فى محراب اللون بتجلياته، مؤمنة بجمالياته، اختارت اللعب على أوتار اللون من خلال ضربات عيدان الباستيل فى جرأة شديدة على أوراق ملونة داكنة تنتقل بها، تعمد إلى التكثيف اللونى لمساحات ألوان الباستيل الساخنة وألوانها المبهرة وتراكبها ومابين جماليات النقطة والخط بتلقائيتها وعشوائيتها المدروسة تبنى بها جدران أعمالها سائحة فى عوالم لونية استقتها خلال زياراتها الخارجية المتعددة وانفتاحها على فنون العالم وثقافاته على تنوعها وثرائها واعتمادها على الفنون والمدارس الحداثية المتعددة، تأثرت خلالها بأفكار جلال الدين الرومى وتشبعت خلالها بصوفيته وروحانياته وعوالمه الكونية وفلسفته فى العشق الربانى لتسيح بأعمالها فى ملكوت الفن تبوح فى لوحاتها بمكنوناته وتروى وتشدو بأسراره الكامنة.
وانطلاقا من محراب المكان landscape اختارت الفنانة جيهان فايز بناء معمار لوحاتها بألوان صريحة زاهية وكتل لونية متداخلة نفذتها بالألوان الزيتية وألوان الأكريليك بتمكن شديد، اهتمت فيها بحياكة المشاهد الأمامية بنوع من التسطيح للكتل والمساحات والفراغات تاركة لألوان بسيطة مفردة احتلال خلفية لوحاتها، فهى تعبر فى لوحاتها عن مشهدية البناءات البسيطة لبيوت وعشش المهمشين لتأخذها إلى محور الاهتمام لتسلط عليها الأضواء فى تراجيديا مسرحية صانعة منها الرمز وبؤرة الاهتمام الفني، لتعيد بألوانها المبهرة تقييم عوالم المهمشين والبسطاء وتنتقل بها من مساحة الهامش المستضعف الهش إلى عالم القوة والجمال والإبهار وكأنها تعيد من خلال الفن صناعة كونية العالم من وجهة نظرها لتعطى للهامشى دوره المستحق، وهى فى لوحاتها لا تكترث لبنائية الظلال والأنوار بشكلها التقليدى لتعيد بنائها فى مساحات لونية مختزلة ومتراكبة تنتقل بعين المتلقى فى سلاسة بين أرجاء أعمالها الفنية مزاوجة مابين الألوان الساخنة والباردة لاعبة على التضاد اللونى تارة وما بين الألوان المتجانسة تارة أخرى وكأنها تعيد تشكيل معمار حوائطها وثناياها، غير مكترثة بتفصيل التفاصيل فى معظم أعمالها فى حين تركت فى بعض من لوحاتها للتفاصيل بناء جماليات العمل الفنى فى تسجيلية أكاديمية أثرت عليها انحياز وتمكن عين الفنانة الأكاديمية داخلها والتى تصنعها وتصيغها ذاكرتها البصرية كأستاذة بكلية الفنون الجميلة.
وبأعمال تشخيصية تحمل كما مفرطا من الرمزية اختارت الفنانة الشابة مروة عزت تقديم لوحاتها الفنية من خلال شخصياتها النسائية الأثيرة إلى قلبها والتى تحمل بين طياتها تعبيرا عن المرأة كما تراها فى عقلها الباطن، ألبستها قناعا مسرحيا حالك السواد فى مشهدية درامية تتداخل فيها جوانبها النفسية بما تحمله المرأة كعنصر تشكيلى داخلها من تناقضات أكدت عليها من خلال إضاءات مسرحية تسلط الضوء على بناء شخوصها، تحمل إلى جوارها وتتداخل مع قطتها بما تحمله من رمزية فنية باعتبارها مصدرا للخير والشر فى آن واحد، إلى جوار أشكال رمزية أخرى كالطائر الأبيض والوردة، اختارت خلالها اللون الأخضر كرمز للخير والنماء لونا لنسائها باعتباره الأصل فى تكوينها لتظهر متصدرة للمشهد خروجا من ظلمة حالكة سوداء اللون أحاطت بمجمل المشهد مع تداخلات للون الأحمر بما يخرج من رحمه من تعبير عن الشقاء والمعاناة، كما زاوجت الفنانة مابين المسطحات المختلفة بما تصنعه من ثراء تشكيلى من خلال الرسم البارزrelief  فى بعض أجزاء لوحاتها فى خطوط مجردة متداخلة البناء.