الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أمانى السقا أم الشهيد عمرو عبد الجيد تفتح قلبها لـ «روزاليوسف»: حياته كانت الثمن وهو يتصدى للإرهاب وقال لوالد زميله المرتقى: «أنا الشهيد القادم»

أمانى السقا أم الشهيد عمرو عبد الجيد تفتح قلبها لـ «روزاليوسف»: حياته كانت الثمن وهو يتصدى للإرهاب وقال لوالد زميله المرتقى: «أنا الشهيد القادم»
أمانى السقا أم الشهيد عمرو عبد الجيد تفتح قلبها لـ «روزاليوسف»: حياته كانت الثمن وهو يتصدى للإرهاب وقال لوالد زميله المرتقى: «أنا الشهيد القادم»




حوار: سلوي عثمان

هناك نماذج تستحق التقدير والاحترام لأمهات وزوجات قدمن الكثير من التضحيات، فمثلما نردد دائمًا «وراء كل رجل عظيم امرأة» يمكننا كذلك القول أنه «وراء كل شهيد أم عظيمة أنجبته وربته على الفداء، ليكون حارسًا لتراب الوطن» فهن لم يبخلن بفلذات أكبادهن ليكونوا فداءً لمصر، من أجل أن يسود الأمن والأمان ودحر ومحاربة الإرهاب الذى يريد النيل من مصر.
«روزاليوسف» احتضنت أمهات وزوجات الشهداء، فهن كريمات يستحققن التكريم، ذهبنا إليهن ليسردن لنا بطولات رجال مصر الشهداء، ويحكين لنا عن حياة شهدائنا الشخصية، ليكونوا قدوة حسنة يقتدى بها الشباب الوطن.


«ابنى فضل الدفاع عن وطنه ضد الإرهابيين لآخر طلقة كانت معه» كلمات قالتها أمانى على السيد، والدة الشهيد ملازم أول عمرو عبد الجيد، خلال حديثها عن بطولاته، أخرجت الكلمات من فم يعتصره الألم وهي تحكي لنا عن البطل .
أكدت «السيد» خلال حوارها مع «روزاليوسف» أن ابنها كان يعشق الحربية منذ صغره، وأعد نفسه للالتحاق بها، موضحة أن ابنها تمنى الشهادة، وجاهد من أجل أن يرفع راية مصر عالية، وحدثتنا خلال نص الحوار التالى عن كثير من خصاله ومواقف عديدة تكشف معدنه الأصيل الوطنى ، ومدى إنسانيته.


■ قربينا من نشأة الشهيد.
ــ ولد «عمرو» يوم ٦ رمضان الموافق ١٣ ديسمبر ١٩٩٤، عرف بالأدب الجم، مطيع لوالديه، كان متفوقًا منذ الصغر يعشق الرياضة والقراءة ويتمنى أن يكون ضابطًا فى الكلية الحربية، عاشقًا لها، وكنت أتعجب منه عندما يصر على متابعة احتفالات تخريج الدفعات الحربية، مولعًا بها بالرغم من صغره ـ كان ٥ سنوات حينها ـ وكان يقول دائمًا «نفسى يا ماما أبقى زى الظباط ده وأدافع عن بلدي» فكنت أرد عليه «إن شاء الله هاتبقى أحسن ظابط فى الدنيا.»
كان يعد نفسه منذ الصغر لتحقيق حلمه، فتعلم السباحة وتميز بها، وعشق كرة الطائرة، وحصل على العديد من المراكز الأولى على مستوى الجمهورية.
التحق «عمرو» بمدرسة عمر بن الخطاب الخاصة، بفيصل، بالمرحلة الابتدائية والإعدادية، وحصل على درجات مرتفعة فى الإعدادية، فأصر على التقديم بالثانوية العسكرية، ولكننا رفضنا، وقلت له «أنا مش هأقدر استحمل غيابك مدة الدراسة» فالتحق بمدرسة الأورمان فى المرحلة الثانوية بالدقى، وحصل على الشهادة الثانوية، فقدم أوراقه بكليتى الحقوق والحربية، ولكنه اجتاز الاختبارات فى الشرطة، ولم يوفق، فحزن حزنًا شديدًا، فظللت أهون عليه وأقول له «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، ما حدش عارف الخير فين». فأتم السنة الأولى بكلية الحقوق، وكان عنده إصرار على التقدم بأوراقه مرة أخرى للكلية الحربية، فاجتاز الاختبارات بنجاح، وترك كلية الحقوق فى السنة الثانية ليلتحق بالكلية الحربية، وشكر الله كثيرًا على نعمه التى لا تعد ولا تحصى، حيث إن ابنى كان متدينًا بطبعه، قارئًا للقرآن، صوّامًا قوّامًا، فعندما أبلغ بالنجاح فى اختبارات الحربية سجد لله شكرًا وصلى ركعتين.
لا أنسى أول زيارة قمنا بها له بالكلية وكانت بعد ثلاثة أشهر وعشرة أيام، بالرغم من إجهاده من كثرة التدريبات الشاقة، إلا أننى رأيته فرحًا مرحًا وقلت له «أنت خسيت ليه» قال لى «يا ماما أنا كويس أنا راجل قدامك» وأخذنى بالأحضان.
وأثناء تواجده فى الكلية كان يصر على إيقاظ أصداقائه لصلاة الفجر ويؤمهم، وكانت لديه أجندة خاصة يكتب فيها عدد الصلوات التى فاتته نظرًا لظروف العمل فيقوم بجمعها ليلًا مع صلاة قيام الليل.
■ وماذا بعد تخرجه؟
ـــ قبل تخرج ابنى كتب فى الرغبات «حرس الحدود» وعندما سألته «ليه يا ابنى اخترت البعد المكانى» قال لي: «يا ماما أنا ضابط مقاتل وأعشق مهنتى والدفاع عن كل شبر فى أرض مصر، وألا يدخلها خائن أو عميل أو إرهابى، الخطر يا أمى يأتى من الحدود، فيجب أن نقوم بتأمينها جيدًا حتى يصبح الشعب آمنا مطمئنًا».
وضرب أمثلة بالدول المجاورة التى دخل الأعداء عبر حدودها، وقال «انظرى إلى أحوال هذه الدول، الجيش المصرى من أقوى الجيوش عالميًا، ليست بقوة السلاح والتدريبات فقط؛ وإنما لعشق أبنائه تراب هذا الوطن الحبيب، لن نترك أسلحتنا ونفر مثل بعض الدول، فنحن جيش نظامي»، فبعد هذه الكلمات دمعت عيناى وقلت له «ربنا يحميكم وتحافظوا على كل شبر فى مصر».
وكانت خالته موجودة فى هذه الجلسة، واقتنعت بكل ما قاله وقالت «ربنا يحفظ جيش وأرض مصر».
وعندما كان يأتى إجازة يدخل المطبخ ويظل واقفًا مدة طويلة، ويقول «يا ماما عاوز اتعلَّم منك علشان اطبخ للعساكر» وكان يصر على أخذ المزيد من الطعام والشراب وخلافه ليكفى جميع العاملين.
ومن فرط إنسانيته كان يأخذ معه ألبانًا بكميات كبيرة، لأن هناك أنثى كلب وضعت مولودًا صغيرًا، فكان لا ينساها أن يحضر له طعامه، كان قلبه حنونًا، به رفق على الإنسان والحيوان.

■ كيف كان يتصرف فى حياته الشخصية؟
ــ كانت حياة ابنى عسكرية صارمة، بالرغم من أنه اجتماعى ويعشق الجميع، فكنت أقول له دائمًا «نفسى أفرح بيك» فرشّحت له شقيقته «ولاء» صديقتها، حيث كانت تتميز بالأدب والأخلاق الرفيعة والجمال، فتمت خطبته قبل استشهاده بشهرين، وكان فرحًا بهذه الخطبة، وكان من المقرر أن يتم زفافه بعد أشهر قليلة، لأن شقته كانت جاهزة.
وكان يعشق عمله ويجعله دائمًا فى المقدمة، فبعد الخطبة دعاه أهل خطيبته لتناول وجبة الغداء، وكان ذلك متزامنًا مع عزاء أحد زملائه، فاعتذر لأداء واجب العزاء، ومرة ثانية صادفت الظروف إصابة أحد أصدقائه، وكان حتمًا تواجده فاعتذر عن الحضور للمرة الثانية، لإصراره على التواجد بجانب صديقه فى شدته.
ما أصعب أن تحرم أم من «ضناها» فى ريعان الشباب ـ ٢٣ سنة ـ ولكن ما يعزينى أنه دافع عن أرض مصر واستطاع أن يتصدى لأعداء الوطن.
■ احكى لنا عن علاقته بأسرته وإخوته؟
ــ كان محبًا لإخوته، يتحمل المسئولية، لدية ثلاثة من الإخوة «عبدالله» يعمل بأحد البنوك، و«على» بكلية التربية الرياضية، وشقيقته الصغرى «ولاء» أيضًا بكلية التربية الرياضية، حيث كان يعشقها ومرتبطًا بها ارتباطًا كبيرًا كأنها ابنته، بالرغم من فارق السن، فكانت تنتظر إجازاته بفارغ الصبر حيث يقوم بعمل جوالات ترفيهية لها ودخول سينما ومسارح.
> هل توقعت يومًا بأنك ستحملين لقب «أم الشهيد»؟
ــ لم أشعر ولو لوهلة بأن ابنى سوف يصبح شهيدًا، وكل من عرفوه قالوا بعد استشهاده أنه كان يتمنى أن يصبح شهيدًا، حيث إنه طلب من خالته أثناء تأديتها مناسك الحج بأن تدعو له أمام الكعبة وفى الروضة الشريفة أن يتقبله الله قبولًا حسنًا وأن يصبح شهيدًا، وبالفعل لبت طلبه ودعت له.
وكان يطلب دائمًا الشهادة ويتمناها، خاصة عندما شارك فى جنازة صديقه ورفيق دربه بالدفعة ملازم أول إسلام كركيت، وقال لوالده أثناء الجنازة «لا تحزن ابنك فى مكانة عالية» وطلب منه الدعاء لأنه سيكون الشهيد القادم، وبالفعل استشهد بعده بشهرين.
■ حدثينا عن آخر إجازة للشهيد؟
ــ كانت إجازة مليئة بالزيارات وحضور المناسبات السعيدة، حيث حضر خطوبة ابنة عمه، وزواج ابنة خاله، وكان الجميع من الأهل والأقارب حاضرين وشاهد الجميع وسلم عليهم وكأنه يودعهم، وفِى يوم انتهاء إجازته قررت أن أمكث معه وأقوم بتجهيز الطعام والعصائر حيث كنّا فى رمضان.
وأثناء توديعه لى ظل ينظر إليّ كثيرًا ويتأمل ملامحى، لدرجة أن والده لاحظ وقال متعجبًا «هو فى حاجة، انتى زعلانة من عمرو؟» فردت عليه «عمرو نسمة هو بيزعل حد» وكرر النظرات ثانيًا وثالثًا فقبض قلبى وسلمت عليه وقلت له «أنت هاتقضى العيد فى الجيش؟» قال لي: «لا هاجى قبل العيد يا أمى».
■ ماذا عن يوم الاستشهاد؟
ــ استشهد ابنى يوم ٣٠ يونيه ٢٠١٦ الموافق ٢٥ رمضان الساعة السابعة صباحًا، وقال لى زملاؤه أنه أيقظ الجميع لصلاة الفجر جماعة، ففى هذا الْيَوْمَ قام ابنى وزملاؤه بتأمين الحدود من خلال دورية مكونة من سيارتين ومعه الرائد محمد همام لتأمين الحدود بمناسبة ذكرى ثورة ٣٠ يونيه، وتم التعامل مع ٥ سيارات دفع رباعى محملة بالاسلحة والذخيرة والصواريخ كانوا فى طريقهم لتنفيذ عملية ارهابية كبيرة، وتخريب البلاد داخليًا، وإفشال احتفال مصر بالثورة، وزعزعة الأمن والاستقرار.
وتم تعامل الرائد محمد همام مع سيارتين انفصلا بعيدًا عن باقى السيارات مما أدى إلى استشهاده وتعامل الشهيد عمرو عبد الجيد مع ثلاث سيارات وظل ابنى يقاتل حتى آخر رصاصة، وكان مقبلًا لامدبرًا، حيث قتل ثلاثة من الإرهابيين إلى أن أصابته رصاصة نصف بوصة أدت إلى استشهاده.
وقامت القوات الجوية بمهاجمة السيارات قبل دخولها الأراضى الليبية مما أدى إلى مقتل ٢٣ إرهابيًا وتدمير السيارات بالكامل، وإفشال العمليات الإرهابية لتنعم مصر بالأمن والأمان.
وما أثلج صدرى أن «عمرو» استشهد ليلة جمعة، وصلوا عليه صلاة الجنازة بعد صلاة الجمعة يوم ٢٦ رمضان، وكانت أول ليلة له فى القبر ليلة ٢٧ رمضان الموافقة لليلة القدر.
وعندما زارتنى القيادات أكدوا لى أن الملحمة التى قدمها ابنى باعتباره أصغر ضابط تُدرّس، حيث كان مقبلًا ودافع عن أرض الوطن لآخر طلقة كانت معه.