الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحمد عمار: رمضان.. أين أنت يا صديقى؟!!





 
 
 
 
صوت عبد المطلب وهو يعلو فى كل مكان معلنا عن قدومه.. صوت الشيخ محمد رفعت.. ابتهالات الشيخ النقشبندى.. حديث الشيخ الشعراوى.. فوازير نيللى ومن بعدها فطوطة وشريهان.. صلاة التراويح بالجلباب الأبيض بجوار والدى.. التسابق بينى وبين والدى على ختم القرآن فى ليالى رمضان.. فانوس رمضان «أبو شمعة».. صوت الأطفال فى الشارع «وحوى يا وحوي».. اجتماعنا -نحن الأطفال- لتعليق الزينة بطول الشارع.. لمة الأسرة على الإفطار والسحور.. تهافتنا على العصائر بسبب العطش الشديد.. البطيخ «الساقع جدا» على إفطار رمضان بعد نهار حار جدا.. عم سيد مكاوى وكلمات عم فؤاد حداد الطازجة.. المسحراتى وهو ينادى على أسماء أطفال الشارع واحدا واحدا.. عدم قدرتى على الاستيقاظ أحيانا لتناول السحور.. جريى على «الحنفية» لغسل وجهى بعد اللعب ونسيانى «أو التناسى بصراحة» أننى صائم وشرب قليل من الماء.. تولى أمر ماكينة البسكويت على «الطبلية» أثناء إعداد الكعك.. حمل الصاجات إلى الفرن فوق رأسى ذهابا وإيابا.
هذا هو رمضان الذى عاشنى وعشته.. عرفنى وعرفته.. أحبنى وأحببته، فهل تبقى منه شيء؟ الإجابة قاطعة: لا.. لم يعد هو نفسه صديقى الذى كنت أعرفه.. تغير على مر الزمن.. ككل شيء تغير.. حتى أنا لم أعد أنا.. كان مع كل عام ينسى -أو ربما يتناسى- أن يأتى معه بشيء من هذه الأشياء التى عرفته بها.. كنت وقتها لا أبالى كثيرا.. ربما لم أكن أدرك معنى هذا.. ومع مرور الزمن أدركت.. لم يعد رمضان كما مضى، ولم أعد أنا كما كنت.. كلانا تغير!!
تاهت منى ملامح رمضان وتهت أنا منها.. ومع كل عام كنت أعانى كثيرا لأتعرف على ملامحه الجديدة، ولكننى أفشل فى نسج صورة جديدة له.. ظلت الصورة القديمة هى الباقية.. ووسط كل الغليان الذى يشهده شارعنا الآن طمست الملامح إلى حد كبير، فلم أعرفه ولم يعرفنى.. تقابلنا هذا العام وكأننا شخصان يتعارفان لأول مرة.. أهلا بك، ولكن من أنت؟ لست صديقى القديم!!
مع كل ليلة كانت محاولاتى اليائسة لاستعادة صديقى القديم تزداد.. ماذا لو تسابقت مع زوجتى وابنتى فى قراءة القرآن؟ جيد بالطبع.. ولكن.. أين والدي؟! لم يعد موجودا حتى أسعد بالتغلب عليه.. محاولة فاشلة!!
ماذا؟ّ بعض قنوات التليفزيون تذيع برامج رمضان القديمة!! هذا هو الحل إذن.. ولكن ابنتيّ تصران على متابعة الجديد.. محاولة فاشلة جديدة!!
أسهر حتى الفجر باحثا عن سيد مكاوى وحداد، وعن المسحراتى الذى يمر فى الشارع، وما من أحد يمر.. المحاولات الفاشلة تزيد!!
لست مجنونا حتى أطلب من زوجتى أن تصنع كعك العيد فى البيت، وأن نأتى بـ«الطبلية» وماكينة البسكويت وأن أتصدر «لطبلية» كما كنت أفعل.. ستقول إننى مجنون بالطبع، وستزيد المحاولات الفاشلة أكثر وأكثر!!
كل الأحاسيس الطازجة لم تعد كما كانت.. وكأننا استبدلنا بها أحاسيس معلبة لا روح فيها ولا طعم.. أين أنت يا صديقي؟ أما آن الأوان لأن تعود إليّ وأن أرتمى فى أحضانك؟! فيبدو أن هذا أصبح أمرا مستحيلا.. ولكننى سأظل أردد طيلة حياتي: أين أنت يا صديقى الحبيب؟ أنا فى انتظارك عاما بعد عام!!