الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
جرائم الديمقراطية

جرائم الديمقراطية





ثلاثة عناصر تصيب الديمقراطية فى مقتل القوى اللامحدودة والتشيع لفكر أو تنظيم أو حزب والتصيد للأخطاء و عدم المصالحة مع الذات أو مع الآخرين أو مع الماضى.
أما القوى اللا محدودة فخطورتها تكمن فى أنها تصيب صاحبها بالصلف والغرور فلا يرى إلا نفسه فيترسخ لديه ثقة متطرفة فى ذاته لا تتفق مع مكونات وقدرات هذه الذات فيحتمى بغروره وتسلطه فلا يعرف قيم العدالة ولا يسمع إلا ذاته فلا وازع يحركه سوى مرآته التى يرى فيها صورته الخادعة والمستعارة فى أبهى صوره فلا يسترق السمع لشعبه ولا يعى لاحتياجات وطنه وتلك الصفات اذا التصقت بحاكم لصارت نقمة على الديمقراطية و مسماراً يدق فى نعشها وقد تصبح أيضاً نذير شؤم على الحاكم ذاته وطريقاً ممهداً للهاوية، وأصدق دليل على هذا ما حدث فى ثورات الربيع العربى.
أما العنصر الثانى الذى يهدد عرش الديمقراطية فهو التشيع لفكرة أو تنظيم وهذا العنصر لا يقل خطورة عما سبق لأنه يمثل أهم أسس المناخ الديمقراطى نظراً لكون التطرف فى اعتناق فكر بعينه أو إطار فكرى لتنظيم أو حزب يعد عزلاً للآخر وعدم الاعتراف بالافكار المضادة أو وجهة النظر السياسية المخالفة... وفى حالات نادرة تتطلب أرضية ثقافية متفتحة وعقلاً متطوراً قد يصبح التشيع لفكر ليس نفياً للآخر ولا حائلاً فى مواجهة التعبير عن رأيه وهذا الاستثناء لا أرضية له إلا فى الدول المتقدمة التى ترسخ بداخلها مفاهيم الخلاف والثقة المتبادلة بين كل الأطراف.
أما آخر هذه العناصر فهو التصيد وعدم المصالحة سواء مع الذات أو الآخرين ويعد هذا العنصر بالذات هو الأرض التى يقام عليها الصرح الديمقراطى وهو بناء يتطلب منح الفرصة كاملة والمساحة الزمنية التى يتطلبها هذا البناء والموافقة ضمنياً على بعض الأخطاء الناتجة عن حداثة التجربة الديمقراطية لبعض الدول التى عانت كثيراً من النظام الديكتاتورى على مدى التاريخ فتوطد لديها مفهوماً راسخاً لعدم التصديق و الثقة فى الآخرين.
وإذا اخترنا على سبيل المثال دولة كمصر سنرى أنها عاشت مناخاً ضارباً فى عمق التاريخ مع الديكتاتورية والاستبداد فصار وجود مناخ ديمقراطى يدفعها دون ارادة أو تفكير أو حذر إلى اخراج الطاقة الكامنة للتشبع بمناخ الحرية وهو ما ينتج عنه بطبيعة الحال بعض السلبيات فى الممارسة وبعض المطالب المتزايدة كتعويض منطقى عن حقب النفى والمعاناة وهو ما يطفو الآن على الساحة بشكل ملحوظ ولافت و هو ما يدفع أيضا الطبيعة البشرية إلى تصيد أخطاء الحاكم وتركيز الضوء على كل ممارساته دون الوضع فى الاعتبار ضرورة منحه الوقت الكافى والمناسب للحكم على ممارسات هذا الحاكم والحكم على صلاحيته من عدمه... وهذه الأمور جميعاً صارت واضحة وجلية بالنسبة للدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية فلا يكاد الرجل يجلس على كرسى الحكم حتى صارت المطالب والنقد يلازمه بشكل لا يمنح للرجل فرصة حقيقية للتأنى واتخاذ القرار المناسب لوضع مصر على الطريق الصحيح.
أما الضرورة الملحة فى المرحلة الحالية للبناء الديمقراطى فتتركز فى التصالح مع الماضى بشكل يجعلنا نأخذ أحسن ما فيها ونضع السيئ جانباً.. أضف إلى ذلك المصالحة مع الآخرين والتماس الاعذار لهم فلا نفى لمن عاشوا هذا الماضى بل فرصة جديدة لخلق مساحة من التفكير والتصحيح للأخطاء وعودة إلى الطريق القويم... عندئذ سنخلق مجتمعاً من التجانس والتوافق قد يكون هو الامل الأخير نحو مستقبل أفضل وإلا سنعود إلى نقطة البداية ولن يكون هناك مستقبل جديد ننشده لوطننا أو لأنفسنا.
[email protected]