الخميس 3 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فلسفة وأهداف الجمهورية الجديدة وبيان إنقاذ الوطن

فلسفة وأهداف الجمهورية الجديدة وبيان إنقاذ الوطن

فى مثل هذا اليوم، الثالث من يوليو عام 2013، وفى تمام التاسعة مساءً، كانت مصر على موعد مع لحظة فارقة فى تاريخها الحديث، نفضت فيها الإرادة الشعبية، محمية بقوة جيشها الباسل، تراب العشوائية والفاشية الدينية ومحاولات طمس الهوية الوطنية، والعبث بمسيرتنا الحضارية.



ثماني دقائق وثلاثون ثانية فقط، تلا فيها الفريق أول عبدالفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى حينها، بيانا لم يتجاوز عدد كلماته 417 كلمة، لكنها كانت وثيقة جامعة مانعة للقضية ومجرياتها، وخريطة لمستقبل مصر، والجمهورية الجديدة.

وقف البطل عبدالفتاح السيسى، وخلفه رموز المجتمع ممثلين لفئات شعب مصر العظيم، وفى مقدمتهم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وقداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وقيادات سياسية وحزبية وشبابية وعسكرية وشرطية، فى إشارة لا تخطئها عين، مفادها أنه بيان يعبر عن إرادة شعب.

فى تلك اللحظات الحاسمة، كان ملايين المصريين فى الميادين بمختلف أنحاء الجمهورية، يواصلون ما بدأوه فى الثلاثين من يونيو، لإسقاط حكم المرشد، رافضين أخونة مؤسسات الدولة وحكم الفاشية واحتكار السلطة السياسية.

١٢ شهرا فقط فى موقع المسئولية كانت كافية لإسقاط أقنعة التنظيم، الذى ظل يعمل 80 عامًا، وهو محظور قانونًا على خداع الجماهير باسم الدين ظاهريًا، وسعيًا للسلطة سريًا، فسرعان ما أطاح بمن كان يستخدمهم تحت اسم «شركاء الميدان»، ألقوا فى سلة المهملات الديمقراطية التى طالبوا بها أنظمة حكم سابقة بإعلان دستورى مكمل فى 22 نوفمبر عام 2012، احتكر كل السلطات لرئيس يحكمه تنظيم سرى. كان ذلك الإعلان وإقالة النائب العام، ومحاولة اختراق القضاء وتطويعه لخدمة أهوائهم، وفشلهم فى تلبية أبسط متطلبات حياة المواطن، القشة التى قصمت ظهر البعير، فخرجت المظاهرات، وتشكلت تمرد وجبهة الإنقاذ.

لم يكن فى مقدور القوات المسلحة المصرية الباسلة بقياداتها الوطنية الشجاعة «أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب المصرى، التى استدعت دورها الوطنى».

كانت القوات المسلحة المصرية، فى ضوء دورها الوطنى، ومسئوليتها عن حماية الوطن، ترقب وتتابع عن كثب تطورات الأحداث، وتبذل ما فى وسعها لرأب الصدع والوصول لمصالحة وطنية، وهو ما أوضحه القائد عبدالفتاح السيسى فى بيان ٣ يوليو التاريخى.

استعرض القائد عبدالفتاح السيسى فى بيان 3 يوليو ما خلص إليه المجتمعون من رموز القوى الوطنية مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ما بذل من جهود لاحتواء الموقف وحماية السلم الاجتماعى وأمن وسلامة الوطن والشعب: 

«لقد بذلت القوات المسلحة فى الأشهر الماضية جهودًا مضنية، بصورة مباشرة وغير مباشرة، لاحتواء الموقف الداخلى، وإجراء مصالحة وطنية، بين كل القوى السياسية بما فيها مؤسسة الرئاسة».

تلك الجهود «منذ شهر نوفمبر الماضى ٢٠١٢، بدأت بالدعوة لحوار وطنى استجابت له كافة القوى السياسية، وقوبل بالرفض من مؤسسة الرئاسة فى اللحظات الأخيرة، وتواصلت الدعوات والمبادرات من ذلك الوقت وحتى تاريخه».

وتقدمت القوات المسلحة «بعرض تقدير موقف استراتيجى، على المستوى الداخلى والخارجى تضمن أهم التحديات والمخاطر التى تواجه الوطن على المستوى الأمنى والاقتصادى والسياسى والاجتماعى ورؤية القوات المسلحة كمؤسسة وطنية، لاحتواء أسباب الانقسام المجتمعى، وإزالة أسباب الاحتقان، ومجابهة التحديات والمخاطر، للخروج من الأزمة الراهنة».

محاولات الإنقاذ والمصالحة الوطنية لحماية أمن وسلامة الوطن وشعبه، قوبلت بخطاب رئاسى، مدته ومضمونه يعكسان حجم العشوائية التى كانت تدار بها مصر فى عام الإخوان، فالخطاب ساعتان ونصف الساعة، والمضمون حكايات شعبية وتهديدات وسخرية من مواطنين تم ذكرهم بالاسم بينهم الأستاذ مكرم محمد أحمد رحمه الله، وتسفيه للأزمات، فأزمة الكهرباء خلفها «عاشور» الذى يرشى العامل ليفصلها عن المواطنين فى الشرقية!

ما بين الخطاب الرئاسى الأخير لحكم الإخوان، وبيان 3 يوليو عام 2013 مسافة زمنية مقدارها 24 ساعة، لكنها فى الحقيقة لحظة تاريخية لميلاد الجمهورية الجديدة.

الجمهورية الجديدة ليست مجرد مصطلح بل ميلاد حقيقى لمرحلة من عمر الوطن لها فلسفتها وأهدافها التى وضع أسسها البيان كمرحلة انتقالية، ثم تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى تأسيس ثوابتها والارتفاع ببنيانها.

عايشت الثلاثين من يونيو وسط الميدان، واستمعت لبيان ٣ يوليو بين جماهير محتشدة فى ميدان التحرير، انطلقت معه الهتافات المؤيدة، والألعاب النارية، عايشت كيف حمل القائد روحه على كفه، لحماية الوطن، وكيف اصطف خلفه الشعب وأيده وفوضه للتصدى للإرهاب واقتلاعه من جذوره.

أسست ثورة 23 يوليو 1952 الجمهورية الأولى، ومضت لتحرر مصر من الاستعمار وتبنى دولة وطنية مستقلة القرار والإرادة، ألهمت الوطن العربى والقارة الإفريقية فظهرت موجة تحرر من الاستعمار، نجحت داخليًا فى تحقيق الكثير من أهدافها وتعثر بعضها بأسباب عدة.

والسؤال هنا: ما هي ماهية وفلسفة وأهداف الجمهورية الجديدة؟ 

يمكن استخلاص الإجابة من خلال ثمرة معايشة ومتابعة دقيقة للخطابات الرئاسية التى يدلى بها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وملاحظة دقيقة للمشروعات القومية وسياسات الدولة الداخلية والخارجية.

باختصار.. الجمهورية الجديدة هى دولة مصرية مدنية عصرية غير قابلة للانهيار ولا الانكسار 

فلسفتها تأتى محققة لأهدافها وتتلخص فى:

تعظيم القدرة الشاملة للدولة بشكل مستدام، بمعدلات تفوق سرعة نمو التحديات الداخلية، والمخاطر والتهديدات والعدائيات الخارجية، لتكون دائمًا قادرة على المجابهة والمواجهة.

لكن هل هى منفصلة عن الماضى؟

تجيب كلمة الرئيس السيسى فى الاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو العام الماضى: «أسس الجمهورية الجديدة تبنى على سابقتها ولا تهدمها، تضيف إليها، ولا تنتقص منها، تقوم على أولوية الحفاظ على الوطن وحمايته، وسط واقع دولى وإقليمى يتزايد تعقيدًا على نحو غير مسبوق».

طبيعة التهديدات الراهنة جزء كبير منها يستهدف الداخل حصرًا، وهنا المدقق لما أنجزته ثورة 30 يونيو وقرار 3 يوليو عام  2013، وقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى للدولة يكتشف الآتى:

١- سعى الرئيس لبناء جمهورية جديدة متعاظمة القدرة الشاملة، والقدرة هى محصلة مجموع القوة.

٢- الجبهة الداخلية والقوة البشرية هى عماد الدولة، فكانت العدالة الاجتماعية وحياة كريمة وبناء الإنسان صحيًا وفكريًا وعلميًا وتعزيز المواطنة والنسيج الوطنى من دور عبادة وقطع الطريق على مثيرى الفتن الطائفية بممارسات عملية وإنجازات على أرض الواقع والتمييز الإيجابى، ودمج القادرين باختلاف.

٣- تنويع مصادر السلاح لغلق ثغرات التحكم فى قدرتنا، مع تعظيم القدرات الدفاعية وإقامة قواعد عسكرية على كل المحاور الاستراتيجية لحماية المشروعات التنموية وتعظيم قدرات الردع فى ظل إقليم مشتعل.

٤- تطوير البنية التحتية ومضاعفة رقعة العمران من 7% إلى 14% كمًا ونوعًا عبر مجتمعات عمرانية حديثة متكاملة تستوعب الزيادة السكانية وتزيد معدلات جودة الحياة.

٥- تنمية القدرات الزراعية عبر الدلتا الجديدة وغيرها من المشروعات التى تعظم من معدلات الاكتفاء الذاتى والأمن الغذائى، وكذلك رفع نسب الأمن الدوائى بالإنتاج المحلى.

٦- تعزيز القدرة الدبلوماسية، عبر سياسة التوازن الاستراتيجى، وتوسيع الشراكات مع كل القوى الدولية الفاعلة إقليميا ودوليًا، بما يحفظ المصالح الوطنية والأمن القومى الوطنى والعربى.

٧- ملاحقة الثورة التكنولوجية من خلال بنية تحتية رقمية، ومنظومة تعليمية تنتج علماء وخبراء وتعزز نسب الإنتاج الرقمى فى مصر وتأهيل الشباب لسوق العمل الحديث.

٨- تعظيم حقوق الإنسان من خلال تعزيز العدالة القضائية والعدالة العقابية، فالسجون باتت مراكز إصلاح وتأهيل والسجناء نزلاء لهم كل الحقوق الإنسانية بحيث تقتصر العقوبة على تقييد الحرية دون حرمانه من حقوقه الإنسانية والتعلم والإنتاج.

٩- تعظيم قدرة مصر الحضارية من خلال استثمار الثروة الحضارية المصرية ومتحف الحضارة والمتحف المصرى الكبير نموذجان.

١٠- تعظيم القدرة الجغرافية للاستفادة من موقع مصر الفريد، وبدأ ذلك من المجرى الملاحى الجديد لقناة السويس لرفع كفاءتها، وكذلك التنمية على محوريها، وما يحدث من تنمية فى غرب مصر العلمين الجديدة والعاصمة الجديدة وغيرهما.

كل هذه تعتبر تحقيقا لأهداف تعظيم القدرة الشاملة وتنفيذًا لفلسفة الجمهورية الجديدة التى لم تكن واقعًا ملموسا لولا بطولة قائد عظيم استطاع إدارة الأزمة لحماية إرادة الشعب وحشده لبناء دولة عصرية حديثة، ولا يزال العمل مستمرا والأمل يلامس عنان السماء.

حفظ الله مصر قيادةً وجيشًا وشعبًا