الجمعة 25 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
وزير البترول وفاتورة المواطن

وزير البترول وفاتورة المواطن

 

 



ربما لا يدرك بعض المواطنين أن هناك تأثيرات مباشرة، للحروب الإقليمية والصراعات العالمية، على دخولهم ومتطلبات حياتهم اليومية.

وقد يتساءل الفلاح البسيط فى حقله متعجبًا عن علاقة الأسمدة التى تمثل ضرورة لإنتاجه الزراعي، بتخفيف أحمال الكهرباء، أو الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وقد لا يجد البعض أى علاقة بين وزارة البترول والثروة المعدنية والأسمدة الزراعية أو انتظام الطاقة الكهربية بلا انقطاع فى منزله.

بينما الحقيقة أن هناك ارتباطا تكامليا، وتأثيرات مباشرة وغير مباشرة للصراعات الإقليمية والعالمية، إلى جانب غيرها من العوامل على حياة المواطن، دخله، وقدرته الشرائية، وحياته واحتياجاته اليومية، من أعقدها إلى أبسطها، انتظام الطاقة الكهربية التى تضيء منزله.

الاثنين الماضي، شرفت بتلبية دعوة كريمة من المهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية، للقاء جمعه بنخبة محدودة من الإعلاميين وخبراء الطاقة، للاطلاع على استراتيجيات عمل الوزارة.. مستهدفاتها وتحدياتها، ودورها فى تلبية احتياجات المواطن المصرى وقطاعات الصناعة، والرد على التساؤلات والاستماع للآراء.

حديث الوزير اتسم بالشفافية وعمق الرؤية، فقد رصد أعراض المشكلات وشخّص الأمراض وطرح وفريقه استراتيجية تقدم علاجات وحلولا جذرية لا مسكنات وقتية.

الاستراتيجية سداسية الأبعاد محورها وهدفها الأول: «تلبية احتياجات المواطن من المواد البترولية»، وهذا الهدف لو تعلمون عظيم، ولا يمكن تحقيقه بالسهولة التى يظنها البعض.

ففى مصر 107 ملايين مواطن، يرتفع العدد إلى 117 مليونا باحتساب ضيوف الوطن، هذا العدد المتزايد من السكان يتطلب توفير احتياجاته اليومية من الوقود، من غاز لمحطات الكهرباء، إلى تموين السيارات والمعدات، ومستلزمات تشغيل المصانع، والتوسع فى الرقعة التنموية.

ولإيضاح الصورة، فإن وزارة البترول والثروة المعدنية، ترتبط بشكل وثيق بوزارة الكهرباء، حيث يتطلب تشغيل محطات توليد الكهرباء توفير الغاز الطبيعي، وترتبط بوزارة الصناعة، خاصة قطاع صناعة الأسمدة التى تعمل خطوط إنتاجها بالغاز الطبيعي، ومن ثم توفير مستلزمات تشغيل محطات توليد الكهرباء لتجنب تخفيف الأحمال فى ذروة ارتفاع درجات الحرارة قد يستدعى تخفيض حصة خطوط الصناعة فى أوقات الأزمات، كما حدث مع أزمة الحرب الإسرائيلية الإيرانية.

وهنا يمكن رصد العرض فى انقطاع كهرباء، أو تراجع كميات إنتاج الأسمدة بشكل مؤقت، بينما المرض فى القدرة الإنتاجية من الغاز والمواد البترولية وما يعوض عبر الفاتورة الاستيرادية، وإجراءات التحوط.

وبمواجهة هذا التحدي، تستهدف الوزارة زيادة القدرة الإنتاجية، بالتركيز على أنشطة الإنتاج والاستكشاف، عبر حسن إدارة خزانات الآبار المكتشفة، مع العلم أن الآبار عالميًا يقل إنتاجها تدريجيًا، لذلك يتم العمل بالتوازى على تنمية جهود الاستكشاف وجذب الاستثمار الأجنبى والشراكات.

الآلية الثانية تكمن وفق رؤية الوزير فى تعظيم الاستفادة من البنية التحتية المصرية، التى شهدت طفرة خلال السنوات الأخيرة فى شبكات الطرق والموانئ التى تجذب الاستثمارات بما تتيحه من سهولة النقل والحركة والتصدير، وهنا ينتقل الوزير إلى أهمية تحقيق انطلاقة فى قطاع التعدين لاستثمار ثروات مصر وما يدعم نجاح ذلك من توافر بنية تحتيه قوية.

فقطاع التعدين لا يتجاوز حاليًا 1% من الدخل القومى المصري، والمستهدف وفق استراتيجية الوزارة أن يصل إلى 5% من دخل مصر القومي، من خلال تعظيم اقتصاديات المعادن النادرة، والأكثر استخدامًا فى الصناعات، مثل الليثيوم المستخدم فى صناعة البطاريات.

ويلاحظ هنا أن إصلاحات البنية التشريعية من خلال تعديل قانون الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية بتاريخ 30 أبريل 2025، لتصبح هيئة اقتصادية عزز قدراتها على الاستثمار ووضع مستهدفات تعزيز استثمار الثروة المعدنية لتضيف لقدرات مصر الإنتاجية.

ويرى المهندس كريم بدوي، أن مصر مؤهلة لأن تكون مركزًا إقليميًا لصناعات التعدين، لما تمتلكه من ثروة جيولوجية، سيتم العمل على تعظيمها من خلال «المسح الاستراتيجى الجوى الجيولوجي» بالأقمار الصناعية لتحديد خريطة دقيقة للثروات المعدنية، فآخر مسح جوى حدث عام 1984، وما تملكه مصر من بنية تحتية للنقل من وإلى المحاجر، وما يتم إنجازه من رفع نسبة الطاقة الخضراء بمزيج الطاقة، إلى جانب إصلاحات البنية التشريعية يحفز الاستثمارات والشراكات الإقليمية والعالمية.

فالوضع الحالى لتوليد الكهرباء فى مصر يعتمد بنسبة 60% على الغاز الطبيعي، والمستهدف مستقبلًا زيادة نسبة الوقود الأخضر من أمونيا وهيدروجين أخضر وطاقة شمسية وغيرها إلى 42%، إلى جانب محطة الضبعة للطاقة النووية السلمية، التى تعزز من قدرات مصر التنموية وتلبى احتياجاتها من الطاقة.

■ لكن هل تزايد إنتاج البترول أم تناقص خلال السنوات الأخيرة؟ 

- الإجابة: تناقص الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى بنسبة 25% آخر عامين، وتناقص إنتاج الزيت بنسبة 10% عن ذات الفترة، يقابل هذا زيادة فى الاستهلاك المحلى 14% هذا العام، يضاعف من حجم التحدى زيادة الأسعار العالمية، ومن ثم تنامى الفجوة بين سعر المنتج الذى يتم توفيره محليًا أو بالاستيراد ليتراوح بين 21و25% بالنسبة للبنزين، ومن 31 إلى 42% بالنسبة للسولار.

يلاحظ هنا تحمل الدولة نسبًا أعلى فى السولار لدعم المواطن محدود الدخل والمزارعين والآلات الإنتاجية.

■ لكن لماذا تناقص الإنتاج؟ 

- الإجابة تكمن فى تزايد مستحقات شركاء الاستكشاف والإنتاج، نتيجه تغير أسعار الصرف والآثار السلبية لتعثر سلاسل الإمداد، بما شهده العالم والإقليم من حروب، ما أدى لخفضهم الإنتاج، فحجم الإنتاج كان 570 ألف برميل زيت يوميًا تناقص بمعدل 20 ألف برميل، وشهد عام 2021 أعلى إنتاج للغاز بمعدل 6,7 مليون قدم تناقص إلى 4.1 مليون قدم، وارتفع هذا العام إلى 4.4 مليون متر مكعب.

■ إذا كان هذا التحدى فى السنوات السابقة، فكيف واجهته الدولة بحلول عاجلة قبل البدء فى تفعيل استراتيجية الحلول الجذرية؟ 

- يجيب الوزير: من خلال عدة إجراءات، منها كسب ثقة الشركاء والمستثمرين، ومن خلال الالتزام بآلية سداد دورى لإمداد الشركاء بتدفقات نقدية مستقرة، وإتمام سداد المستحقات على المدى القريب، وهو ما عزز الثقة وانعكس على تزايد الإنتاج وجذب استثمارات جديدة.

ومحليًا يتم عقد جلسات مع رجال الأعمال المصريين، للتعريف بمجالات الفرص الاستثمارية فى مجالات البترول والثروة المعدنية وتحقق نتائج جيدة.

■ تناقص الإنتاج مع تزايد الاستهلاك الناجم عن زيادة عدد السكان والتغيرات المناخية، أدى إلى زيادة الفجوة بين الإنتاج والطلب، ومن ثم الضغط على الفاتورة الاستيرادية.. كيف واجهتم ذلك؟ 

- عملنا على توفير متطلبات المواطن والدولة، من خلال زيادة الإنتاج والاستهلاك للوصول إلى نقطة ثبات للإنتاج المحلى يحد من التناقص السابق، وهى فى الغاز مثلاً 4.2 مليون متر مكعب يوميًا، وعملنا على توفير 250 مليون متر مكعب عبر سفن «التغييز»، وهو ما لم يشعر معه المواطن بأى أزمة خلال الحرب الاسرائيلية الإيرانية، نتيجة تعامل سريع وإجراءات تحوط سابقة لمواجهة أى تحدٍ.

«سفن التغييز»، هى سفن تحمل شحنات من الغاز المسال تم ربط أذرعها بالموانئ المصرية للإمداد بمتطلبات الغاز، وشهدت ملحمة تعكس مهارة العمالة المصرية التى شارك منها نحو 1500 مهندس وفني، أنجزوا مهمة تستغرق شهرا فى غضون عشرة أيام فقط مع مراعاة كامل شروط السلامة المهنية، فمصر تملك كنزا بشريا.

وهنا نلاحظ أن الدولة تتحرك باستراتيجيات عملية لها مستهدفات قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى لمواجهة التحديات الآنية والمستقبلية، الفجوة الإنتاجية يقابلها استراتيجية تكثيف أنشطة البحث لاستكشاف آبار جديدة ورفع كفاءة القائمة، وارتفاع معدلات الاستهلاك المحلي، يقابله استراتيجية خلق مصادر طاقة جديدة خضراء وتنوع فى مزيج الطاقة شمسية وهيدروجين أخضر أمونيا، ومحطة طاقة نووية لتوليد الطاقة الكهربية، مع العمل على مبادرات رفع كفاءة استهلاك الطاقة.

وتبقى الفجوة بين سعر المنتجات والتكلفة الفعلية، يقابلها العمل على خفض كلفة الإنتاج لتجنب زيادة الأسعار مع إعادة التسعير الدورية، مع خفض معدلات الاستيراد للحد من الفاتورة الاستيرادية، عن طريق مبادرات تحويل السيارات إلى الغاز والكهرباء، وزيادة إنتاجية الطاقة الخضراء، للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري. 

■ لكن ماذا تحقق فعليًا من ذلك.. سؤال قد يطرأ على ذهن القارئ؟ 

- وهنا يؤكد الوزير أن تلك الجهود أثمرت عن توفير 3.595 مليار دولار من الفاتورة الاستيرادية، كانت ستتحملها الميزانية المصرية فى شكل استيراد منتجات بترولية، وهذا التخفيض فى الفاتورة الاستيرادية ناجم عن تنمية الإنتاج لنقطة الثبات، بما خفض معدلات الاستيراد.

■ وبقى السؤال الأهم الذى يشغل كثيرا من المواطنين: هل هناك زيادة فى أسعار الوقود قريبًا؟

- الإجابة: لا، فهناك ثبات فى أسعار الوقود خلال الأشهر الستة المقبلة بإذن الله.

وتنطلق الاستراتيجية فى أهدافها الستة إلى تعزيز التعاون الإقليمى لتحويل مصر إلى مركز إقليمى للطاقة، وجذب الاستثمار لمصر والمنطقة، وخلق بيئة استثمارية جاذبة مع الحفاظ على مستهدفات خفض الانبعاثات ورفع كفاءة استهلاك الطاقة.

اتسم اللقاء بالشفافية، وعكس وعى واهتمام المهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية، بالعمل الدءوب لتقديم حلول جذرية للتحديات، وتعظيم قدرة الثروة المعدنية والبترولية، انطلاقًا مما أنجزته الدولة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى على مدار 11 عاما للارتقاء بالبنية التحتية، التى تثبت الأيام أهمية إنجازها لتعزيز القدرة الاستثمارية فى مختلف القطاعات. 

وهنا المدقق يكتشف أهمية المكاشفة، وبناء وعى عام، بتداخل وتشابك التحديات الإقليمية والدولية على الداخل، بل وعلى متطلبات المواطن اليومية وفاتورة نفقاته الشخصية والأسرية، وما تبذله مؤسسات الدولة من إجراءات، يعزز القدرة الدفاعية المجتمعية، فى مواجهة حروب تستهدف الدول من الداخل باستثمار الأزمات المعيشية لإحداث تهتك فى النسيج الوطني.

ويلاحظ أيضًا أن مصر دولة كبيرة وعظيمة، تعمل بشكل مؤسسى متكامل وفق استراتيجية ترصد وتتوقع التحديات وتقدم العلاجات الآنية والحلول الجذرية بعيدة المدى، لتلبية متطلبات المواطن والدولة، بما يطرأ عليها من زيادة سكانية وتنمية عمرانية وإنتاجية.

 

جانب من حوار وزير البترول مع نخبة من الإعلاميين والصحفيين
جانب من حوار وزير البترول مع نخبة من الإعلاميين والصحفيين

 

حفظ الله مصر.. جيشًا وقيادة وشعبًا.