الأحد 7 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
نهاد صليحة وداعا.. سيدة النقد والخيال

نهاد صليحة وداعا.. سيدة النقد والخيال






د. نهاد صليحة الناقدة المسرحية الكبيرة وأستاذ النقد المسرحى بالمعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون، أستاذة لأجيال بكل معنى الكلمة، كان رحيلها الأسبوع الماضى بمثابة صدمة حقيقية، فنهاد صليحة تلك الطاقة الحية المتجددة باعثة التفاؤل ذكرتنى الصحف بأن عمرها اثنان وسبعون سنة، وقد كنا طلابها عندما كبرنا قد نسينا أنها هى أيضاً تكبر، ذلك أن د. نهاد صليحة منذ عرفناها فى ذات اللياقة والحيوية والحماس.
 لم تكن د. نهاد صليحة إلا نموذجاً للأستاذ، كما يمكن فهمه كمثقف عضوى فهو يحاضر فى قاعة الدرس، ويكتب فى الصحف والمجلات المتعددة، ويدلى برأيه فى الشأن العام كلما اقترب من تخصصه، ثم يحرص على متابعة أحدث ما يدور فى مجاله الاختصاصى فى مصر والعالم، والإسهام فى نقله وترجمته وشرحه ونشره، إنه الجمع بين الدرس العلمى الأكاديمى والفعل الفنى والتطبيقى فى المسارات العملية والمهنية للاختصاص.
 كانت د. نهاد صليحة أستاذتى منذ مرحلة البكالوريوس وواصلت معى دراساتى العليا وناقشت رسالتى للماجستير، وظلت طوال الوقت ترعى ما بذرت وتتابع معى، تهاتفنى لتمتدح مقالًا جديدًا كتبته، أو تختلف معه، تعلق على خلاف تود التدخل لحله مع أحد الزملاء أو الأصدقاء، تقترح كتاباً يجب أن أتفرغ لإصداره، بل وتطمئن على مسار حياتى الشخصية وتلمح فى محبة ورقة لآراء مهمة فى أمور شديدة الخصوصية، ولا تتصور أنها كانت تخصنى وحدى بذلك، فهى مع تلميذاتها وتلاميذها تبذل ذات الجهد المتعب، جهد الأستاذ الحقيقي، كان مفتاح صداقتها أن تلمس الجدية أو الموهبة، تطالبك برفع التكليف ومناداتها باسمها فقط، ولم أفعل ذلك أبداً، كانت تتشاجر معنا ولا تخاصمنا أبداً، تغضب ولا تجرح، وعندما تدرك أن نقدها للأمور كان خاطئاً كانت تملك شجاعة الاعتذار.
تابعت بكل إصرار وتفان إبداع المسرحيين داخل العاصمة، وفى كل أنحاء مصر، ظلت لسنوات تسافر لى فى مسقط رأسى بأسيوط لمتابعة أعمال فرقة كانت تراها مميزة فى مجال مسرح الأطفال، وكنت أراها دورى الضرورى لأهلى فى الصعيد، رحمها الله عما زرعته من معرفة فى أجيال عدة، وعما دعمته من قيم فنية مسرحية جميلة فى كل أنحاء مصر من الإسكندرية للصعيد، وعن تمثيلها العلمى رفيع المستوى لوطنها فى المحافل العربية والدولية المسرحية، وعن كتاباتها باللغتين العربية والإنجليزية عن موهوبين مجهولين أصبحوا بفضلها نجوماً لامعة، وعن دفاعها عن أشجار مسرحية كبيرة حمتها من القطع وهى صغيرة خضراء لا تقوى على المقاومة.
 كانت د. نهاد هى المدافع والحارس للموهوبين الحساسين من الانكسار أو الهجرة، رحلت وستبقى كتبها وكتاباتها وتجربتها الأكاديمية والمهنية بلا شك دالة على قامة مصرية كبيرة تستحق الاحتذاء والتكريم، رحمها الله واسكنها فسيح جناته، بكل ما منحتنا من طاقة إيجابية على الصعيد الإنسانى والمهنى والعلمي.