السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
دلالة البحر.. فى أوطان تشبهنى..!

دلالة البحر.. فى أوطان تشبهنى..!






«أوطان تشبهنى» هو الديوان الخامس للشاعرة عفت بركات، الذى صدر مؤخرًا عن هيئة الكتاب، وهى تنتمى للجيل الألفينى فى شعر الفصحى، وصدر لها أربعة دواوين من قبل، هى: «صباحات لمن قاسمنى دفئه»، و«تفاصيل العبث»، «مدارات قمر عجرى» وهى تمارس النقد والكتابة للأطفال، بجانب كونها شاعرة.
تقسم الديوان إلى ثلاثة أقسام، هى: «أوطان لىّ، وأوطان أخرى، وأوطان ليست أخيرة»، وكل قسم يحتوى على عدد من القصائد. الأوطان تشبه أصحابها بلا شك، حيث إن الوطن هو الأرض التى يعيش عليها الإنسان، ويأكل من خيراتها ، ويتنفس هواءها، بل يتفاعل مع أبناء هذا الوطن باعتباره واحدا منهم.
وكل وطن يختلف عن الآخر لما يحمل من ثقافة مغايرة.. ورغم ذلك أرادت الشاعرة منذ العتبة الأولى فى الديوان (العنوان)، أن تؤكد على أن هذه الأوطان الثلاثة تشبهها لأنها عاشت على أرضها وتعاملت مع ناسها، «فالعنوان يلعب دورًا مهما فى إكساب القارئ معرفة بالعمل، ويشكل مفتاحا دلاليا أوليًا بسبب العلاقة العضوية التى يقيمها مع العمل، ولذلك فهو مفتاح تأويلى وعتبة قرائية يمكن من خلالها أن نطل على عالم النص»، وكما اعتبر جيرار جينت: «أن العنوان يرتبط بعلاقة عضوية مع النص، إذ يشكل بنية تعادلية تتألف من محورين أساسيين فى العملية الإبداعية، هما: (النص/ العنوان)، فالعنوان هو المناص الذى يستند إليه النص الموازى».
تستمد لغة الشعر خصوصيتها من التكثيف والتخييل، والانزياح فى بنيتها المجازية الاستعارية من جهة ومن جهة ثانية فى ارتباطه ارتباطا وثيقا بالذات، باعتبار أن الشعر هو أكثر الفنون ارتباطا بتلك الذات والتعبير عنها.
ولأن الشاعرة ولدت ونشأت وتربت فى مدينة «عزبة البرج» بمحافظة دمياط، وهى مدينة صغيرة يعمل جل أهلها بمهنة الصيد، هذه النشأة أثرت فى تكوين الشاعرة، فسكنها البحر، والموج، والجينيات، والنوارس، وجميع مفردات هذا العالم الثرى بما يحمل من زخم وتنوّع دونما أن تدرى بل وانسرب فى خلاياها.
كما نرى أن الشاعرة استهلت ديوانها بمقولة «يانيس ريتسوس» التى تقول: «قلوبنا التى عرفت البحر لا تعرف الحدود»، وهى مقولة دالة وشاعرية بل توحى بدلالات أكثر انفتاحية وحرية، وأن البحر باتساعه لا يعترف بالحدود ولا بالقيود. ويأتى المفتتح ليؤكد على افتتان الشاعرة بالبحر وعالمه السحرى، والتى تقول فيه:
«هو البحرُ يضجُّ/ بأسرارٍ/ وخطايا.../ كفوا عن سبِه/ وانظروا/ لضعفه/ قليلاً..».
نلحظ فى القسم الأول من الديوان الموسوم بـ«أوطان لىّ»: أن البحر حاضرا حضورًا طاغيًا، لدرجة أن مفردة «البحر» تكرر ذكرها فى سياقات مختلفة أكثر من عشرين مرة.
كما نجد أن عالم البحر وما يستتبعه فى تقلباته المناخية، من: برد، وأمطار، ورياح، وأنواء، وأمواج، ورذاذ، وما يرتبط بوجوده من: صدف، وزبد، ونوارس، وزوارق، وقوارب، وصيد، وشباك، وفنار، وبوغاز، وصهريج.. إلخ، هذه المفردات التى تنتشر بكثرة داخل متن الديوان.
ويتضح ارتباط الشاعرة أكثر بالبحر فى أولى قصائد الديوان، الموسومة بـ«مقامات صدف»، فالمقامات هى المقامات الموسيقية، والصدف هو ما يلقيه البحر على الشط من محار، وكأن الشاعرة أرادت أن تقول: إن البحر يعزف موسيقاه الخاصة وهو يلقى بأصدافه على الشط، تقول فى القصيدة:
«أيها البحرُ استدر/ تمددّ فى رئتى كثيرا/ أيها الممسوسُ بىّ:/ وحدى:/ أرتبُ يُودك كنجوم:/ أُشعلُ متطفلين/ أنكسرُ زبداً هشاً/ ألملمُ ما تبقى من قلقٍ/ وأغلقُ النهارَ خلفى».