السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
سعد الله ونوس علامة فارقة فى المسرح العربى..!!

سعد الله ونوس علامة فارقة فى المسرح العربى..!!






  مرت بنا هذه الأيام الذكرى العشرون على رحيل الكاتب المسرحى سعد الله ونوس، حيث رحل عن دنيانا فى مايو 1997، إصر مرض دام لسنوات لم ينقطع خلالها عن الكتابة، وهو أحد أهم كتاب المسرح العربى فى العصر الحديث، فأقل ما يقال عنه إنه «يفجر» نفسه أثناء عملية الكتابة.. نعم، بعد قراءة أعمال ونوس سوف تتحول لا محالة إلى شخص آخر ينظر إلى واقعه برؤية مختلفة متأثرة بمنظوره الفكرى الذى أراك – ونوس – إياه لأنه ببساطة كاتب يضع القارئ أمام واقعه المباشر دون مواربة أو خشية من أى سوء، لأن هذا هو الطريق الوحيد لإصلاح الواقع، وهو يفعل ذلك فى إطار فنى بارع، إذ اجتهد ليس فحسب فى استعارة القوالب المسرحية الغربية، لكن لتأسيس قالب مسرحى عربي.
   وفى كتابه «أغنيات الرحيل الونوسية» يقسم د. أحمد سخسوخ، مشروع ونوس المسرحى إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى بدأت أثر انفصال مصر عن سوريا عام 1961، ففى هذه المرحلة كتب ونوس مسرحية «الحياة أبدا» فى عام الانفصال نفسه، وتلاها بمسرحية «جثة على الرصيف» و«فصد الدم» عام 1963، و»مأساة بائع الدبس الفقير» و«الجراد» عام 1964، و«الرسول المجهول»، وفى عام 1966 كتب مجموعة مهمة من مسرحياته هى: «مأتم أنيتجونا» و»المقهى الزجاجي» و»لعبة الدبابيس» ونجد أن مسرح ونوس فى هذه المرحلة تبدو فيه بوضوح ملامح الفلسفة الوجودية، وأفكار كتاب مسرح العبث كما تتجلى فى كتابات أونيسكو وصموئيل بيكت.
  وتبدأ المرحلة الثانية من مشروع ونوس المسرحى بسفره إلى باريس عام 1966، حيث بدأ يتاثر فى هذه المرحلة بأفكار ماركس وانجلز، وبدأ يتجاوز المرحلة الوجودية الفلسفية التى مر بها كثير من المثقفين إلى مرحلة التفكير الاشتراكى وهو مساعد على التحام الحدث المسرحى لديه إلى دعوة للفعل، لا مجرد دعوة للتأمل الفلسفى الباطني، وبجانب تحول ونوس إلى الفكر الماركسى فى هذه المرحلة من حياته.
  استطاع ونوس خلال وجوده فى فرنسا أن يتعرف من قرب على المسرح الغربى فى فترة تحولاته الأساسية، واستطاع كذلك أن يستوعب أهم الطروحات الجديدة فى تلك المرحلة وأن يطوعها على أرضية المسرح العربى واهتماماته وبرز بوضوح فى أعمال ونوس المسرحية رغبته بل وقدرته على تسييس المسرح، وامتزج كل ذلك فى محاولاته طرح سؤالاً جوهرياً حول الهزيمة، مشككا فى الوقت نفسه فى قدرة الكتابة المسرحية التقليدية على التعبير عن المستجدات والأحداث العنيفة التى يشهدها العصر، وهو ما تجلى بشكل واضح فى مسرحيته «حفلة سحر من أجل 5 حزيران».
أما المرحلة الثالثة والتى بدأت مع أولى سنوات التسعينات حينما عاد مرة أخرى للكتاب ووضع نفسه وقارئه أمام أسئلة جديدة تجاوز القضايا الكبرى إلى الغوص فى أعماق وتلافيف شخصياته.
لقد بدأ ونوس هذه المرحلة الثالثة والأخيرة بمسرحية «الاغتصاب» عام 1990 التى نجحت إلى حد كبير فى التعبير بصدق عن القضية الفلسطينية، ثم توالت مسرحياته بعد ذلك، ولم يتوقف ونوس عن الكتابة حتى بعد أن هاجم جسده المرض اللعين، والذى استمر معه لسنوات، لكنه لم يستسلم للمرض بل راح يكتب ويبدع خلالها أفضل وأجمل أعماله، فجاءت مسرحية «منمنمات تاريخية» و«ملحمة السراب» و«طقوس الإشارات والتحولات» ثم أخر أعماله المسرحية «أيام مخمورة» ليتمكن منه المرض ويرحل على أثره عن دنيانا عام 1997 وكان لسان حاله يقول: أديب يرهقه الإحساس بأنه هامشى وأن كلماته تضيع وتندرج فى روتين حياة يومية قاحلة.