الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تاريخ الحركة الحقوقية فى مصر

تاريخ الحركة الحقوقية فى مصر






لا يوجد تفسير واحد لهرولة قيادات وشباب اليسار بمختلف فصائله للانخراط فى عمل المنظمات الحقوقية، فنظريات كارل ماركس وتعاليم لينين وأدبياته، تتعارض بل وتتناقض مع مفاهيم حقوق الإنسان، وهى المفاهيم التى تعلى من قيمة الفرد وحرياته، فضلاً عن تناقضها مع مرجعية اليسار فيما يتعلق بحتمية وضرورة الصراع الطبقى وموقفهم الرافض لمفهوم الدولة بشكلها الحديث يجعل من عمل اليسار فى الحركات الحقوقية أمرًا عبثيًا ويبعث على التعجب بل ويقترب من حد الكوميديا السوداء، لكن الواقع الذى عايشناه وللحقيقة فرضه اليسار على العمل العام بل ودفعت الحركة الحقوقية ثمنه غاليًا، حيث مارس اليسار العمل فى مجال حقوق الإنسان بنفس قناعاته الراسخة برفض فكرة الدولة باعتبارها أكذوبة اخترعها أصحاب رءوس الأموال للسيطرة واستغلال الطبقات الكادحة، وبمنطق لا يخلو من الانتهازية انخرط اليساريون فى العمل الحقوقى الممول من الأمريكان رمز الإمبريالية الاستعمارية!! ليس حبًا فى الدفاع عن حقوق الإنسان بل من أجل حلمهم المنشود فى إقامة دولة البروليتاريا أو الثورة الاشتراكية.
واستكمالاً للصراع الذى بدأ فى منتصف الثمانينيات بين الناصريين والشيوعيين بدأت مظاهر التناحر بين الفريقين تزداد اشتعالاً بمنتصف التسعينيات بخروج هشام مبارك وزملائه اليساريين من المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وتحول التنافس بين مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، التى كان يديرها الناصريون فى ذلك الوقت إلى حرب باردة، إلى أن جاءت اللحظة الحاسمة بدعوة من الدكتور سعيد النجار المفكر الليبرالى ونائب رئيس البنك الدولى ومعه الدكتور سعدالدين إبراهيم، للتنسيق من أجل تنفيذ أول حملة لمراقبة الانتخابات التشريعية فى مصر عام 1995، وكانت الحملة تتكون من جمعية النداء الجديد التى كان يترأسها الدكتور سعيد النجار ومركز ابن خلدون برئاسة سعدالدين إبراهيم والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان ومركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان ومركز المحروسة برئاسة فريد زهران ورغم توزيع العمل بين فريق الحملة إلا أن سرعان ما دب الخلاف بين المنظمة المصرية ومركز المساعدة وأصدر كل منهما تقريره المنفصل دون تنسيق وتعمق الخلاف بينهما أكثر ولم تهدأ حدة الصراع إلا بعد الموت المفاجئ للمرحوم هشام مبارك مدير مركز المساعدة.
وينقسم مركز المساعدة القانونية بعد وفاة هشام مبارك فينسحب كرم صابر لتأسيس مركزه الخاص وهو «مركز الأرض» وينتقل المحامى النبيل المرحوم سيد فتحى للعمل بمكتب المحامى الأشهر نبيل الهلالى، ويغادر ناصر أمين لتأسيس مركزه وهو «المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة»، ثم ينقسم مركز المساعدة القانونية الذى أسسه هشام مبارك ليصبح مركز هشام مبارك للقانون وضم فريقه جاسر عبدالرازق وأحمد سيف الإسلام وخالد على، وجمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان بقيادة محمد عبدالمنعم وطارق خاطر وسمير الباجورى.
وقد كان ظاهر الخلاف هو انقسام القائمين على مركز المساعدة القانونية بين مؤيد لتسجيل المركز كجمعية أهلية وبين الرافضين للإشهار وكان حل القسمة أو الانقسام هو حل يرضى جميع الأطراف فى ذلك الوقت.
يبدو من خلال هذا الاستعراض لتاريخ الحركة الحقوقية فى مصر، أننا أمام حركة أميبية تنقسم كل يوم لتتولد خلية جديدة أو منظمة جديدة وهو انقسام غير مبرر إذا كانت الغاية هى تحقيق رفاهية المواطن المصرى ومساعدته على تحسين وتحديث حياته السياسية والثقافية والاقتصادية.
لكن المسكوت عنه والذى قام الحقوقيين بفقء أعينهم حتى لا يروا الحقيقة، هو أن تلك الفترة ذاتها هى التى أطلق فيها كولن باول وزير الخارجية الأمريكية مبادرته التى عرفت بمبادرة الشرق الأوسط الكبير، والتى رصد لها 30 مليون دولار للمنظمات بالمنطقة للقيام بما أسمته المبادرة الأمريكية بالإصلاح السياسى فى الدول العربية، وهو ما سيفسر أحد أهم مشكلات الحركة الحقوقية فى مصر التى أولت اهتمامها وركزت نشاطها فى مجال الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية، وأهملت الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين فى مصر، فالتمويل والجوائز الدولية والسفر المتعدد خارج البلاد والعلاقات مع أعضاء فى دول الاتحاد الأوروبى والكونجرس الامريكى، كان جواز مرورها اهتمام الناشط بالعمل فى مجال الحقوق المدنية والسياسية، وهذا له حديث آخر وتفسير لماذا تحولت المنظمات الأمريكية من مجرد مانح للمنظمات المصرية إلى منظمات موجودة بمصر ولها مكاتبها وتعمل بيديها واقتصر دور المنظمات المصرية حتى صاحبة الخبرة منها على دور المنسق أو الميسر لعمل المنظمات الأجنبية فى مصر... للحديث بقية