الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الإنسان حيوان له تاريخ!

الإنسان حيوان له تاريخ!






أيها القارئ
هل عرفت أحدث تعريف للإنسان؟!
لقد قيل مرة: إنه حيوان ناطق ثم تبين أن الببغاء تنطق!
وقيل: إنه حيوان ضاحك ثم تبين أن القرود تضحك!
وقيل إنه حيوان عاقل، ثم تبين أن كل الحيوانات تعقل، وإن كان العقل درجات!
وحار العلماء طويلا، فالإنسان كائن حى، يأكل ويشرب وينام ويعقل كغيره من الحيوانات، ولكن المؤكد أن هناك شيئا يميزه عن الحيوان، شىء ارتقى به حتى أصبح هذا السيد الذى يحكم الحيوان والجماد ويقهر الطبيعة!
وأخيرا اهتدى العلماء إلى التعريف الدقيق: الإنسان حيوان ذو تاريخ!
ما معنى ذلك؟! معناه أن الميزة الأولى التى تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات هى أن كل جيل من البشر يعرف تجارب الجيل الذى سبقه ويستفيد منها، وأنه بهذه الميزة - وحدها - يتطور وعلى العكس من ذلك الحيوان، فالأسد أو القط أو الكلب الذى كان يعيش فى الأرض منذ ألف سنة لا يمكن أن يختلف عن سلالته التى نراها اليوم فى الصفات والطباع ونوع الحياة.
أنت تستطيع اليوم أن تصطاد الفأر الذى تجده فى بيتك بنفس الطريقة التى كان يتم بها اصطياده منذ زمن قديم: مصيدة وقطعة جبن!
ولو كان فى بيتك عشرة فئران لاستطعت أن تصيدها واحدا بعد آخر، يوما بعد يوم بنفس المصيدة وقطعة الجبن.. ذلك أن الفئران ليس لها تاريخ، ولا تستفيد من تجربة.. هى لا تعرف أن فى اليوم السابق دخل الفأر ليأكل الجبن فأغلقت عليه المصيدة، وهى قد تعرف ولكنها لا تدرك المغزى فلا تتحاشى أبدا قطعة الجبن!
وعلى العكس من ذلك الإنسان، إنه يعرف ما أصاب أسلافه بالأمس، ومنذ مائة سنة، ومنذ آلاف السنين.. فهو قادر على أن يتجنب ذلاتهم ويستفيد من تجاربهم ويضيف إلى اكتشافاتهم وكل جيل لا يبدأ من جديد ولكن يضيف إلى ما سبق وهذا هو التقدم.
على أن الإنسان لا يولد وعبرة التاريخ فى جوفه، ولكنه يتعلم فهو لا يستيطع أن يعرف التاريخ إلا إذا قرأ.. إن كان رجل قانون قرأ ما سبق إليه فقهاء القانون.. وإن كان رجل كيمياء تعلم ما وصل إليه المكتشفون السابقون.. ومن حيث انتهوا يستطيع أن يبدأ، وإن كان مواطنا فإنه يتعلم تاريخ وطنه كله، ويدرك مغزاه، وسر تطوره واتجاه خطواته!
وليس يكفى أن تقرأ حوادث التاريخ لكى تحسب أنك قد تعلمت التاريخ، فالأهم أن تستخلص من هذه الحوادث عبرتها على أى شىء تدل؟! وفى أى طريق يمضى التاريخ؟! فإن ذلك يجعلك تعلم ما سوف يحدث، وما لا يمكن أن يعود، فيجنبك أن تكون رجعيا ويحميك من السير وراء دعوات براقة فات وقتها!
والتاريخ هو الفرق بين الإنسان الواعى وغير الواعى!
الإنسان غير الواعى لا يرى إلا قطعة الجبن، ولكن الإنسان الواعى يرى قطعة الجبن.. ويرى المصيدة!
السطور السابقة للكاتب الكبير الأستاذ «أحمد بهاء الدين» كتبها منذ 63 عاما وكانت مقدمة كتابه الأشهر والأجمل «أيام لها تاريخ»، ورغم مرور كل هذه السنوات لم يفقد «درس الأستاذ بهاء أهميته وهو فضيلة القراءة والتفكير لكى نتعلم دروس التاريخ، أو كما يقول.. التاريخ هو الفرق بين الإنسان الواعى وغير الواعى»!
ولعل الحيرة والجدل والتشويش الذى نلمسه جميعا لكل من تصدى بالكتابة والتحليل عن قضية «تيران وصنافير» أو مسلسل «الجماعة».. هو ببساطة عدم قراءة التاريخ قراءة واعية تسمح له بتبنى رأى مدعوم بالحقائق والوثائق لا مجرد ملىء بالهلاوس والهجايص!
فعلا الإنسان حيوان له تاريخ!