الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تاريخ الحركة الحقوقية فى مصر

تاريخ الحركة الحقوقية فى مصر






قبل الحديث عن ظاهرة شركات حقوق الإنسان، يجب أن أنوه للخطأ المادى فى التاريخ الذى ورد فى المقال السابق أثناء الحديث عن الإخوان المسلمين والحركة الحقوقية، فقد أشرت إلى أن جماعة الإخوان وبعد تعيين قياداتها فى المجلس القومى لحقوق الإنسان، قامت بالحصول على تصاريح على بياض لمراقبة الانتخابات التشريعية 2012، بينما هذه الواقعة كانت تخص مراقبة التصويت على دستور الإخوان، لذا لزم التصحيح، وعلى حد تعبير أحد المسئولين بالمجلس القومى لحقوق الإنسان فى اتصال تليفونى، أنهم لم يحصلوا من المجلس، لأن جماعة الإخوان كانت هى المسيطرة على مجمل أعمال المجلس من خلال أغلبيتها فى التشكيل.
وعودة لاستكمال ما بدأته شهدت الحركة الحقوقية، ما سمى بشركات حقوق الإنسان وهى باختصار تأسيس كيانات أو منظمات حقوقية بعيدًا عن مظلة قانون الجمعيات وتسجيلها كشركات، وتعددت أنواع الشركات فمنها الشركة المدنية التى لا تهدف إلى الربح! وشركات التضامن وشركات التوصية وشركات المسئولية المحدودة.
وللقصة جذورها، وكما أشرت فى المقالات السابقة أن تأسيس الحركة بدأ منذ عام 1983 بتأسيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، ومن بعدها تأسيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عام 1985، هنا يجب الإقرار بأن تلك المنظمتان قد عانتا من صعوبات شديدة فى الحصول على ترخيص بإشهارهما وتسجيلهما طبقًا لقانون الجمعيات، حيث كان القانون المعمول به فى ذلك الوقت هو القانون 32 لسنة 1964، والذى كان يمنح الجهة الإدارية الممثلة فى وزارة الشئون الاجتماعية فى تلك الفترة صلاحيات واسعة، وعلى ضوء ما ذكرته سابقًا من صراعات أدت إلى انقسام أميبى فى الحركة الحقوقية وتعددت مبادرات العاملين بالمنظمتين العربية والمصرية فى تأسيس منظمات جديدة، فقد لجأ هؤلاء الحقوقيون إلى الابتعاد عن تسجيل منظماتهم طبقًا لقانون الجمعيات وتأسيس منظماتهم كشركات إما مدنية أو تجارية، واعتقد أننا قد نلتمس بعض العذر لمؤسسى هذه المنظمات فى رفض الانصياع لقانون الجمعيات فى ذلك الوقت، إلا أن ظاهرة الشركات استفحلت واستمرت فى الازدياد رغم تعديل قانون الجمعيات مرة عام 1999 وقضى بعدم دستوريته، ومرة أخرى عام 2002 إلا أن شركات حقوق الإنسان أصرت على موقفها برفض التسجيل تحت مظلة قانون الجمعيات.
والسؤال ما الذى يزعجنا فى أن تكون هناك شركات لحقوق الإنسان؟، والإجابة أن المبرر الوحيد لعدم التزام أصحاب تلك الشركات بالتسجيل طبقًا لقانون الجمعيات بات غير موجود، فالقانون تم تعديله ووصل عدد الجمعيات الحقوقية المسجلة طبقًا لقانون الجمعيات 450 جمعية، بينما يصر أصحاب 11 شركة حقوقية على رفض التسجيل طبقا للقانون، الأمر الثانى أن المنظمات الحقوقية المسجلة طبقًا لقانون الجمعيات تخضع لرقابة مالية وإدارية من الوزارة المعنية ولا تستطيع الحصول على منح، ومن ثم فإنفاق تلك المنح لا يتم إلا بإذن مسبق من وزير التضامن، ويجب على الوزارة أن تتحقق من أوجه إنفاق المنح فى أماكنها الصحيحة، بينما الشركات لا تخضع لأى إشراف مالى أو الحصول على تراخيص من وزارة التضامن، وهو ما يتعارض تمامًا مع مبدأ سيادة الدولة وحقها فى أن تعلم من أين تأتى الأموال وفيما تنفق.
الأمر الثالث أن أصحاب هذه الشركات رغم حصولهم على تمويل أجنبى لم يصدروا يومًا بيانًا يعلنون فيه حجم الأموال التى تلقوها ومن أين حصلوا عليها وفيما أنفقوها، وهو يتعارض مع مبدأ الشفافية حيث التمويل قرين الشفافية ومن ثم يصبح التمويل الأجنبى دون شفافية هو فساد مطلق فى أقل التقديرات، كما أن المحاسبة تغيب عن تلك الشركات فمن غير المعلوم من يحاسب تلك الشركات.
بينما الجمعيات تمتلك جمعية عمومية أو مجلس إدارة له صلاحيات فى تقويم الأداء وتصحيح الأخطاء، ومن ناحية أخرى تفتقد تلك الشركات لالتزاماتها بواجبها نحو وطنها فقد تورط عدد كبير من تلك الشركات الحقوقية فى عدم تسديد ضرائبها بل هناك قضايا تهرب ضريبى تخص بعض هذه الشركات الحقوقية على عكس الجمعيات المسجلة التى تقوم وزارة التضامن سنويًا بالتأكد أن الجمعية أوفت بالتزاماتها تجاه الدولة وسددت ضرائبها وحصصها التأمينية.
إلا أن الأمر الأكثر استفزازًا هو ما روجه أصحاب الشركات للغرب من أنهم منظمات مستقلة عن الدولة، وأن الحكومة ستفرض قيودها على أنشطتهم حال خضوعهم لقانون الجمعيات، وهى فرية قد يصدقها الخواجة أو الممول أو يريد تصديقها لكنها محاولة لكسب مزيد من الأموال بعيدًا عن أعين أى نوع من الرقابة سواء الرسمية أو الرقابة الشعبية، والأمر الثانى الأكثر استفزازًا هو ما فعله أصحاب الشركات الحقوقية من الترويج بأن المنظمات الحقوقية المسجلة طبقًا لقانون الجمعيات هى منظمات يسيطر عليها الأمن وأصبحنا أمام وضع بائس ومقلوب، فالمنظمات الملتزمة بالقانون والتى تخضع لإشراف وزارة التضامن باتت غير مستقلة، بينما أصحاب الشركات يحصلون على التمويل من منظمات دولية مشبوهة تارة ومنظمات غير معروفة تارة أخرى باتوا هم المستقلين!
مجمل القول أن شركات حقوق الإنسان، ليست جمعيات أهلية أو منظمات حقوقية هى فى جوهرها مراكز أبحاث ودراسات تقدم خدماتها لدوائر صنع السياسة فى أوروبا والولايات المتحدة مقابل أموال، وهى أيضًا تقوم بإعداد الأبحاث والدراسات للمنظمات الدولية، ولذلك لن تخضع لتسجيل نفسها تحت مظلة قانون الجمعيات، ليس بسبب تعنت القانون كما يزعمون ولكنها المصلحة المباشرة لتلك الشركات للعمل بحرية وبعيدًا عن أعين الرقابة.