السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فؤاد قاعود.. الانعزالى

فؤاد قاعود.. الانعزالى






شاعر العامية الكبير الراحل فؤاد قاعود لم يجد حظه من الشهرة والانتشار مثله أبناء جيله - الأبنودى، وحجاب، ونجم، وسمير عبد الباقى وغيرهم، وقد اختار قاعود - فى أواخر أيامه - أن يعيش فى عزلة بعيدا عن الأضواء قانعاً بما قدمه من أعمال إبداعية للساحة الأدبية، وهذه العزلة ساهمت فى عدم معرفة الأجيال الجديدة بأشعاره.
 يقول «قاعود» (محبوبتى غنيوة مصرية/ ضفايرها فرعين الليل وعيونها عسلية/ محبوبتى غنيوة لعبية/ سمعوها شطين النيل/ وقالوها مراكبية/ محبوبتى نجماية صبح يستفتح بها الصياد/ يضمن يومه ترنيمة رب/ ترتيلة راهب/ يصحى لها العصفور من نومه/ وأنا قلبى حباية قمح/ سوتها الشمس/ ورمتها لعصفورة شقية.. الخ).
فقد ظهرت موهبته الشعرية متجلية منذ الصغر، وبرز بين زجالى الإسكندرية، وأصبح من أعمدة الزجل بها وهو فى السادسة عشرة من عمره عام 1952م، بعدها انتقل إلى القاهرة لقضاء فترة التجنيد، وتعرف إلى الراحل صلاح جاهين، فقدمه إلى قراء «صباح الخير» من خلال بابه الشهير «شاعر جديد يعجبنى» عام 1960م، حيث قال عنه: «التقيت بفؤاد قاعود فوجدته شاباً صغيراً جداً، ولكن شيئا فى عينيه كان عجوزاً جداً، وأشعاره سمعتها فوجدتها تنبض بنبض عجيب، ولها نبرة حادة مقلقة، فهو حين يسخر يصبح كالسياط، وحين يبث مكنونات قلبه تنفجر من قلبه الينابيع الحارة والعواصف الثلجية، وتمطر كلماته فى النفس مطراً مر المذاق ومسكراً فى آن.. فقلت له: «هذا هو الشعر». لأن القصيدة عند قاعود تنهل من تراث العامية، السابق عند بيرم التونسي، وفؤاد حداد، وتستشرق آفاق الشعر الحديث، فى وحدة حارة ومشتعلة برفض الواقع القبيح بكل مظاهره، والطموح لعالم آخر أجمل، ولم يكتف جاهين بتقديمه لقراء المجلة بل قدمه للأديب الكبير الراحل إحسان عبد القدوس، والذى أعجب به هو الآخر وشاعريته، فعينه محرراً بمجلة «صباح الخير» عام 1963م.
 قدم قاعود العديد من المواهب الشعرية فى بابه الشهير «الفرازة»، كما استمر يقدم مجلة صباح الفل داخل مجلة «صباح الخير» لأكثر من 14 سنة، وحملت شخصيات شعرية لكل منها قالبه الخاص وتميزه وأن اشتركوا جميعا فى نقد عيوب المجتمع وكشف سلبياته وهم «جوعان بن هفتان ونكد الدولة سخطان وفرقع لوز»، وكان - رحمه الله - يرى أن شعر العامية لا يقل شأناً عن شعر الفصحى، بل يرقى فى أحياناً كثيرة عنه وكان لا يقبل سوى مصطلح «شعر العربية المصرية».
كان إنتاج فؤاد قاعود ثريا ومتنوعاً بين القصائد التى تحمل رؤية مكثفة ولها أعماق فلسفية والقصائد الزجلية التى تخاطب وجدان الشعب الكادح، وفور قراءتك لقصيدة من قصائده تشعر أنه صاحب بصمة وصوت متفرد فى تجربته الشعرية المتوهجة والقوية، ولم يكتف النقاد بتشبيهه ببيرم التونسى وبعده حداد، بل جعلوه امتداداً لصلاح جاهين بوصفه أول من قدمه للقراء، بل تعدى هذا التشبيه بالمتنبى لأن قاعود كثر فى شعره الفخر والتعالى وتأثر بالمهجرين فنحا نحوهم فى الشعر الفكري، وكان يرى أن العامية المصرية قادرة على استيعاب كل الصور والرؤى الشعرية العالمية.
وكان رحمه الله يحمل هموم الوطن فوق كتفيه، وينتمى بأشعاره للفقراء والبسطاء من أبناء هذا الشعب، وهو القائل: «المجتمع زى الرصيف وسخ فيه ناس بتعرق ع الرغيف وفى ناس بتعرق م التنس» كانت هذه هى رؤية قاعود للمجتمع الذى ساد فيه الظلم ووصل إلى ذروته، لدرجة أنه أصبح - على حد تعبيره - مجتمعاً «وسخاً» مثله مثل الرصيف الذى تعلوه القاذورات، لأنه يفرق بين الغنى والفقير الذى دائما ما يدفع فاتورة المجتمع الظالم كاملة.