الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
محمد عبد المعطى.. وإنسانية الشعر «1»

محمد عبد المعطى.. وإنسانية الشعر «1»






القصائد تشبه أصحابها، وقصائد الراحل «محمد عبد المعطى» - الذى تمر بنا ذكراه العاشرة هذه الأيام دونما أن يتذكره أحد – تشبهه كثيراً فى عفويتها، وطزاجتها، وصدقها الفنى والشعورى، فحينما كنت تقبل عليه، تشعر بارتياح شديد لفرط الطيبة والحميمية التى تتبدى من تقاطيع وجهه الذى يميل إلى الاستدارة أكثر، والمبتسم دائما وكأنه يحتضنك بعينيه الصغيرتين المندهشتين اندهاشة الشعراء، واللتين تلمعان من خلف نظارته، بصلعته الخفيفة التى تبدأ من منتصف رأسه المستديرة كرمانة كبيرة وتنتهى بجبهته البارزة قليلا للأمام، وشاربه الخفيف الذى يعلوه أنف عريض، بقامته القصيرة، وجسده الممتلئ «المدكوك»، فتراه لا يكف عن الضحك، وإشاعة الصخب والهرج فى المكان، وإطلاق النكات بخفة ظله المعهودة، فلم أره أبدأ إلا مبتسما رغم أحزانه الكثيرة التى كان يخفيها بداخله، وكأنه أودعها فى «خزينة» أسراره، لا يبوح بها لأحد، ولا يعطى مفتاح خزينته إلا «لخاصته» واحسبنى أحدهم.
مرت ستة عشر عاما بين لقائى الأول بالراحل، ولقائى الأخير هى عمر العلاقة بيننا، خلالها جرت مياه كثيرة فى النهر، وجمعتنا ندوات ومؤتمرات وحكايات ومسامرات.. فقد التقيت به للمرة الأولى فى صيف 1991، حينما ذهبنا سويا لاستلام جوائز شعر العامية التى فاز بها كلانا فى المسابقة المركزية بهيئة قصور الثقافة، وآخر لقاء به كان فى العريش أثناء عقد مؤتمر اتحاد الكتاب العرب، وطيلة أربعة أيام وثلاث ليال لم نفترق.. كان فى تلك الأيام أقرب ما يكون منى، أفاض إلىّ بأحزانه وهمومه وما فعله لأصدقاء به من «خيانات» كان حزينا حزناً غامضاً – كما وصفه لىّ – ولديه شعور بأنه لن يمهله العمر لكى يحقق أحلامه التى يصبو إليها، وأنه قد تخطى الثلاثة والأربعين دون تحقيق شيء يذكر، وكنت بدورى أخفف عنه شعوره بالمرارة.
ولد «محمد عبد المعطي» فى 27 أغسطس عام 1963 بالفيوم، ورحل فى 3 أغسطس 2007 عن عمر يناهز الرابعة والأربعين، وهو ما زال فى عز عطائه الإبداعي.. فقد خطفه الموت بغتة منا على أثر حادث أليم على طريق الفيوم بحيرة قارون، وهو راكب خلف أحد أصدقائه على ظهر دراجة بخارية.
كان فى بداية عهده بالكتابة يتردد على الندوات الأدبية بالقاهرة، يلقى أشعاره فيها، ويشارك فى مناقشاتها، ويعود أدراجه إلى الفيوم، وقد أتاح له قرب الفيوم من القاهرة إقامة العديد من العلاقات الطيبة مع أدباء وشعراء العاصمة، بل وأدباء وشعراء مصر كلها من أقصاها إلى أقصاها من خلال مشاركته الفعالة فى ندواتها ومؤتمراتها التى كان حريصاً على المشاركة فيها، ومتمتعا بمحبة الجميع، لم يأل جهداً فى القراءة وتثقيف نفسه، ومتابعة كل جديد على الساحة الثقافية، حتى صار بالفعل صوتاً شعريا فريدا ومتميزا، وفى طليعة جيله – جيل الثمانينيات الأدبى – أصدر ديوانه الأول «رحيق الشهد والمحاياه» فى سلسلة إبداعات بالهيئة العامة لقصور الثقافة عام 1996، واتبعه بديوانه الثانى «بنت ما ولدتهاش ولادة» عام 2000، وكان علامة فارقة فى تجربة عبد المعطى الشعرية، ولم ير ديوانه الثالث «صندوق روبابيكيا» الذى صدر فى سلسلة أصوات بقصور الثقافة بعد وفاته بعدة أيام، ليدلل بقوة على وضوح ملامح تجربته الشعرية المتألقة والمختلفة. يقول فى مطلع القصيدة التى تحمل عنوان الديوان: «طعم هزيمتك/ مش قد مرارة حلقى إمبارح/ وأنا فى اللفة/ شايف الدنيا ومش قادر أعود تاني/ بتستغرب ليه/ كام عقب سيجارة اتخنقوا فى طفايتك/ من ساعة ما واجهتك بحقيقتك/ وإزاى لسوعت صوابعك/ ونفخت عليهم نار صدرك/ فاتحرقوا زيادة/ هاتعلق خيبة أملك/ على مين المرة دى».