
صبحي مجاهد
وفاة عالم مستنير
عندما يفقد الإنسان شخصًا عزيزًا عليه يحزن حزنًا شديدًا، لكن عندما نفقد عالمًا مستنيرًا تحزن الأمة كلها، فقليلون هم العلماء المستنيرون الذين ينيرون لنا طريق الصواب فى فهم الدين، حيث فقدنا الاثنين الماضى عالمًا مستنيرًا من علماء الأزهر الذى أثرى الفكر الإسلامى بالعلم والفهم الصحيح للدين البعيد عن الغلو والتعصب، والساعى إلى إحدث التوافق بين الجميع لدرجة أنه سمى مهندس العصر الحديث فى التقريب بين المذاهب وهو الشيخ محمود عاشور الذى تولى منصب وكيل الأزهر عام 2000، حيث فاجأ الجميع فى الأزهر بعقليته المتفتحة التى تشعر معها أنك تتعامل مع أحد المثقفين المعتدلين مع أنه شيخ أزهرى.
والشيخ محمود عاشور نشأته دينية من قبل التحاقه بالأزهر، حيث كان فى كفالة جده، الذى كان من الأزهريين المحبين للعلم والدعوة - ويحكى الشيخ محمود عاشور لحظة علم جده بتقدم أوراقه لدار العلوم فيقول: « تقدمت بأوراقى إلى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة وكان جدى فى ذلك الوقت فى مرضه الأخير الذى مات فيه ولما أخبرته بما فعلت حزن حزنًا شديدًا وقال يابنى لقد وهبتك للأزهر فلماذا تقدمت لكلية دار العلوم؟ هل لأن هذه الكلية توجد فيها بنات؟ وقال إذا ذهبت إلى دار العلوم فإن ربى وقلبى غاضبان عليك ولن أسامحك أبدًا وهنا تدخل أحد أقاربى وقال إن جدك يحبك حبًا عظيمًا ولا تجعله يموت وهو غاضب عليك وبالفعل سحبت أوراقى من كلية دار العلوم ثم التحقت بكلية اللغة العربية.
التحق بكلية اللغة العربية بالقاهرة وتخرج فيها عام 1964 م، عمل عقب تخرجه مدرسًا للغة العربية فى مديرية التربية والتعليم فى بنها وعمل فى مدرسة قها الإعدادية لمدة عام، سافر إلى السودان كمدرس معار وبقى هناك ستة أشهر ثم رجع إلى مصر ولم يعد إلى السودان مرة أخرى، و فى عام 1972 م نقل إلى مجمع البحوث الإسلامية وعمل فى مكتب الأمين العام للمجمع عضوًا فنيًا ثم مديرًا لمكتب الأمين العام وكان يشغل هذا المنصب الدكتور محمد بيصار رحمه الله الذى عين وكيلًا للأزهر وخلفه فى منصب الأمين العام الشيخ محمد حسين الذهبى ـ رحمه الله ـ وعمل معه أيضا مديرًا لمكتبه، وعندما عين الشيخ محمد حسين الذهبى وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر أخذه معه وذلك فى مايو 1975م. ، ثم عين وكيل أول لوزارة شئون الأزهر فى عام 1996 وظل فى هذا المنصب يعمل مع رئيس الوزراء فيما يتعلق بالأزهر لأن رئيس الوزراء هو فى نفس الوقت وزير لشئون الأزهر، ثم عين وكيلًا للأزهر فى يونيو 2000 م.
وللشيخ محمود عاشور العديد من المواقف التى لا نزال نذكرها حديثه عن الخلاف بين السنة والشيعة حيث قال أنها قضايا مفتعلة وهناك قوى تغذى هذه الخلافات.. وشعار الاستعمار قديمًا كان «فرق تسد» وهم الآن مازالوا يفرقون، الاستعمار فى شكله الجديد يتخذ من التحريض والوقيعة بين المسلمين منهجًا جديدًا.
وكان من آرائه أن المناهج التى تدرس حاليًا بالأزهر لم تعد مواكبة للعصر وتحتاج إلى وقفة ومراجعة وتنقية وبناء جديد. وأن تجديد الخطاب الدينى يحتاج إلى جهود أكبر ولا يقف عند محاضرة فى داخل أو خارج مصر.وطالب بتدريس مادة الثقافة الإسلامية فى جميع مراحل التعليم والجامعات المصرية لبناء جيل جديد ينشأ نشأة علمية وثقافية ودينية,رحم الله الشيخ الجليل.