الزمكان الإلكترونى

الزمان: 14 أغسطس 1958
المكان: مدينة نيويورك - الولايات المتحدة الأمريكية
يتحرك الشاب «جيفرى» بتؤدة وتراخ متجولا فى شوارع مدينة المال والأعمال..يلفت نظره البنايات الشاهقة والسيارات الفارهة... يشعر بالملل... يتسلل خلسة قفزا عبر الحواجز إلى داخل إحدى دور السينما ليشاهد جزءاً كبيراً من فيلم بطولة نجمته المفضلة «اليزابيث تيلور».. قبل أن يقفز مجدداً إلى الشارع العريض بدون أن يلاحظه القائمون على دار السينما...يتحرك فى اتجاه المكتبة المركزية. يتسلل إلى داخلها ويتصفح الكتب قبل أن يدس كتاباً فكاهياً فى وسط ملابسه ويغادر المكتبة قبل أن يلاحظه الحراس.
يدخل بعد ذلك إلى النادى الرياضى الذى يشترك فيه «جيفرى» لممارسة رياضة الملاكمة إلا أنه يدلف إلى صالة الأجهزة الرياضية ويقوم بتمارين إحماء لمدة ساعة دون أن يكون اشتراكه يسمح له بذلك.. يرتدى ملابسه ويعود للتجول....قابل مجموعة من الفتيات اللواتى يقدمن منشورات دعائية لإحدى الجمعيات الخيرية فيقوم باعتراضهن وإجبارهن على التوقف عن هذا النشاط والفرار ذعراً.
يذهب بعد ذلك إلى المستشفى العام حيث قضت عمته نحبها العام الماضي. لا يستطيع أن يتجاوز تلك الأزمة...يدلف إلى قاعة ملفات المرضى فيقوم بتمزيق بعض الملفات والاستيلاء على البعض الآخر.. يتوجه إلى منزل الطبيب المشرف على حالة عمته فيستولى على كل الخطابات الموجودة فى صندوق البريد الخاص به. حيث يجد بها تصميماً لجهاز طبى جديد يشترك الطبيب فيه..فيقوم بحرق الأوراق فى الحديقة الخلفية للمنزل وهو يضحك بهستيريا وتشفى.. يتوجه بعد ذلك إلى محطة القطار الرئيسية.. حيث يقوم بقطع مجموعة من كوابل التحكم ما أدى إلى تعطل حركة القطارات وتلف جزء كبير من أنظمة توليد الكهرباء بالمدينة... يتحسس جيوبه... يفتش فى بعض الخطابات الخاصة بالطبيب فيجد دفتر الشيكات الخاص به...يقلد توقيعه ويذهب إلى البنك ويحصل على خمسة آلاف دولار... الشرطة تطارده بالطبع.. لا يقوم بهذه الجرائم بسهولة كما جاء بهذا المقال ولكن بعد مرور ستين عاماً بالتمام و الكمال أصبحت كافة الأنشطة والخدمات العامة والمعاملات الشخصية تعتمد على أنظمة إلكترونية مرتبطة بشبكات معلومات خاصة أو مرتبطة كلياً أو جزئياً بشبكة الإنترنت...
فدار السينما والمكتبة واشتراك النادى وصلاحياته والأنظمة الطبية وملفات المرضى وصندوق البريد والشيكات البنكية وغيرها... انتقلت من الواقع المادى إلى صورة إلكترونية  تدار بواسطة أنظمة تكنولوجية متطورة ومن خلال شبكات معلومات متعددة جعلت العالم كله تحول إلى حجرة صغيرة و ليس قرية صغيرة كما كان يدعى فى السابق.
لهذا صدر قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والذى صدق عليه السيد رئيس الجمهورية  فى 14 أغسطس 2018.
عزيزى القارئ إن كنت ترى أن ما قام به جيفرى من أعمال هى أعمال مشروعة أو لديك قصور فى استيعاب فكرة تطور الجريمة  بتطور الوسائل التكنولوجية  فعليك أن تبقى حسن النية إلى أن تلمس بنفسك مدى خطورة العالم الإلكترونى والذى قد تفوق خطورته العالم الواقعى فى الكثير من الأحوال.
وللحديث بقية