الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حماية الممتلكات الثقافية

حماية الممتلكات الثقافية






شاركتُ الأسبوع الماضى فى مؤتمر مهم نظمه مركز جامعة الدول العربية فى تونس بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية  حول التنوع الثقافى فى الوطن العربى، بمقر المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة (ألكسو) فى تونس، وقدمتُ ورقة عمل حول تحديات توحيد التشريعات العربية (حماية الممتلكات الثقافية أثناء الحروب نموذجًا)، وكان مؤتمرًا ناجحًا بكافة المعايير الموضوعية والمنهجية والتنظيمية واللوجستية، ومن ثم أردتُ أن أخصص مقال هذا الأسبوع لإيجاز ما تضمنته ورقة العمل فى شأن حماية الممتلكات الثقافية.
وتعتبر الحماية الخاصة للممتلكات الثقافية فى فترات النزاع المسلح إحدى صور الحماية التى يوفرها القانون الدولى بشكل عام للتراث الثقافى العالمى والقانون الدولى الإنسانى بشكل خاص، نظراً لارتباطه بالإنسان ومعبراً عن ذاتيته الوطنية وحضارته الثقافية .
وجاءت الاتفاقية الدولية لحماية الممتلكات الثقافية فى فترات النزاع المسلح تم توقيعها فى لاهاى عام 1954 كأول وثيقة دولية تهدف إلى وضع تنظيم قانونى دولى لتوفير حماية خاصة لتلك الممتلكات وأدت إلى إنشاء اللجنة الدولية للدرع الأزرق (ICBS)، وعرفت الاتفاقية مصطلح الممتلكات الثقافية على نحويشمل جميع الممتلكات الثقافية بغض النظر عن أصلها  أوأهميتها لجميع الشعوب. وتعكس هذه الحماية التوسع الذى لحق بنطاق القانون الدولى الإنسانى حيث لم يعد قاصراً كما كان عليه الحال حتى منتصف القرن الماضى، على حماية ضحايا الحروب من الأفراد وتخفيف معاناتهم، بل امتد نطاقه ليكفل الحماية الخاصة للممتلكات الثقافية فى فترات الحروب، وقد جاء هذا التوسع فى نطاقه ليشمل كنتيجة طبيعية لما خلفته الحروب على مر العصور للعديد من الدمار والسلب والنهب للممتلكات بمختلف أنواعها ومـن أهمها الممتلكات الثـــــقافية، وقد وضعت الاتفاقية العديد من الأحكام المتعلقة بحماية الأهداف المدنية والممتلكات الثقافية، وكفلت إجراءات الحماية للممتلكات الثقافية، وقررت أيضاً حماية الأماكن التاريخية والدينية والفنية والعلمية، لما لها من أهمية تاريخية وروحية للأمم وللشعوب.
وتتمتع الممتلكات الثقافية بحماية عامة تتمثل بالوقاية واحترام هذه الممتلكات من الأضرار التى يمكن أن تلحق بها، وحماية خاصة تتمثل بوضع عدد محدد من المخابئ المخصصة لحماية الممتلكات الثقافية المنقولة وحماية معززة أثناء الظروف العادية أوالطارئة وبشروط معينة، ويجوز أن تمتع الممتلك الثقافى بأكثر من صورة من صور الحماية .
وبسبب التطورات التقنية الحديثة التى شملت شتى الميادين وبشكل خاص وسائل الحرب الأمر الذى أجاز للدول الأطراف تعيين أفراد لحماية الممتلكات الثقافية مع منحهم حماية خاصة من احتمال تعرضهم لأعمال العنف التى قد تسبب لهم أضرارا فى الأماكن التى تقع على مسافات قريبة من الممتلكات.
وفى ظل ما يشهده العالم العربى اليوم من حروب ونزاعات مسلّحة، يواجه التراث الثقافى فى المنطقة خطراً كبيراً نظراً لرمزيته التاريخية بما يؤدى إلى الاستهداف المتعمد وتدمير المواقع الأثرية، ولاسيما تلك المدرجة على قائمة التراث العالمي، والنهب والاتجار غير القانونى بالتحف وعمليات التنقيب غير المشروعة، إلى خسائر كبيرة تحرم البشرية برمتها من ذاكرتها الجماعية، وتحرم شعوب المنطقة من الشهادة المادية على تاريخها، وأيضاً من مورد اجتماعى واقتصادى ثمين يجسّده هذا التراث، مع هذه التحديات الهائلة الجديدة، أصبح من الضرورى تطوير وتحسين آليات وأدوات حماية الممتلكات الثقافية، خاصة فى حالة النزاعات.
وقد أعد المركز العربى للبحوث القانونية والقضائية التابع لجامعة الدول العربية مشروع اتفاقية عربية لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع المسلح منذ عام 2016 وتوالت ملاحظات الدول العربية على هذا المشروع والذى لم ير النور حتى الآن، وهو ما نأمل أن تتوالى جهود إجراءات استصداره والتوقيع عليه من الجهات المنوط بها ذلك فى الدول العربية، ونشيد هنا بإعلان القاهرة بشأن حماية الممتلكات الثقافية الصادر فى السادس عشر من فبراير 2004، والذى تولت تنظيمه اللجنة القومية للقانون الدولى الإنسانى بوزارة العدل المصرية واللجنة الدولية للصليب الأحمر تنظيم المؤتمر بالتنسيق مع جامعة الدول العربية ومنظمة اليونسكو.
 وبالقانون .. تحيا مصر