ابراهيم رمضان
المتبرجات
تجديد الخطاب الدينى، بات أمرًا حتميًا يا سادة، نعم ولكن ليس على جثة مؤسسة أو على حساب أشخاص، بالتأكيد، ببساطة كل ما نحتاجه هو أن نتأمل حالنا جيدًا لنرى أننا فى حاجة ضرورية للبدء الآن وليس غدًا.. وأن المؤسسات العلمية عليها أن تأخذ زمام المبادرة، لتعبر بنا من هذا النفق لتنير لنا ما تبقى من أعمارنا وتمهد الطريق للأجيال القادمة.
سأسرد بعضًا مما نسمعه من أعلى بعض منابر مساجدنا، ويبتعد بنا عن مشاكل الواقع، وربما يلقى اللوم فى بعض المسائل على طرف دون الآخر.
فلنبدأ بالكلمات الدارجة والمتكررة لدى غالبية «الخطباء» وهما المتبرجات والكاسيات العاريات، باعتبارهن وفقًا لهؤلاء الخطباء سبب كل بلاء يقع فيه العباد والبلاد.
يتناسى هؤلاء أن القرآن والسنة أيضًا قد أمر الرجال بغض البصر، وعدم التدقيق فى تفاصيل هذه وتلك، إلا أن بعض هؤلاء «الخطباء» يصب هؤلاء جام غضبهم على هذه السيدة أو تلك الفتاة.
فى خضم نشوة بعضهم بخطبته العصماء التى لا تخلو من (الزعيق والتهديد والوعيد) للمصلين، يهمل أكثرهم ملامسة الواقع ومناقشة حوادثه كـ(الانتحار)، وقتل الآباء لأطفالهم خشية «إملاق»، والتى وردت فيها نصوص قطعية من المصدر الرئيس للتشريع الإسلامى (القرآن الكريم).
بعضهم قد يتحفنا بخطبة منبرية عن أى زوجات الرسول كان يحبها أكثر (خديجة أم عائشة)، فى الوقت الذى تقول فيه الإحصائيات تشير إلى أن هناك ملايين الفتيات وصلن سن الزواج، ولم يحظين بالفرصة المناسبة، لا لشيء إلا للمغالاة فى المهور والتجهيزات من جانب بعض الأسر، دون أن يحدثنا هذا الخطيب المفوه عن كيفية معالجة مشكلة كهذه عبر حلول مختلفة كفكرة العمل على إقناع الأسر بتخفيف تكاليف الزواج التى صارت ضربًا من الخيال والجنون فى بعض المحافظات والقرى، أو ولم يقل الرسول «صلى الله عليه وسلم» (إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه)، إلا أن الواقع أن كثيرًا من الأسر تعكس هذا الحديث ليصبح (إذا جاءكم من ترضون بأمواله فزوجوه).
يتمايل بعضهم على المنبر صارخًا فى المصلين «اتقوا الله»، وهى مقولة صادقة ولكن هل يعملون بها، هل أوصى بها هذا الشيخ زملاءه ممن يشاركون فى جريمة زواج القاصرات ممن يمتهنون وظيفة (مأذون شرعي) من خريجى كلية (الشريعة والقانون)، بجامعة الأزهر، أو ليس هؤلاء أولى بالنصح والمراجعة، والمحاسبة والوقائع كثيرة وليست خافية.
هل فكر هؤلاء (الخطباء) فى مواجهة هذه الظاهرة وتنظيم قوافل دعوية لتوعية الآباء والأمهات بحرمة ذلك شرعًا وخطورته صحيًا على الفتيات اللاتى يرغمن على مثل تلك الزيجات، وما ينجم عنها من عواقب وخيمة، لا أعتقد أنهم يفكرون فى مثل هذه القضية فجل تفكيرهم أن هناك فتيات كن يتزوجن فى عمر التاسعة منذ 1400 سنة، دون إعمال للعقل بتغير الزمان والمكان والواقع.
بعض هؤلاء (الخطباء)، يتحفنا بالحديث عن المتبرجات والموبقات ولا ينصح زملاءه من (مقيمى الشعائر والعمال) فى المسجد الذى يتولى الوعظ فيه بالوفاء بأعمالهم وعدم تركها لأنهم ارتضوا العمل فى هذه الوظائف ويتقاضون مرتبات عنها، فيما يقصر كثير منهم فى أداء عمله، وهو أمر ليس قاصرًا عليهم ففى كل القطاعات تجد أمثالهم، ولكنهم فى النهاية يعتبرهم «العامة» قدوة.
الأمثلة كثيرة، والقضايا متشابكة وتحتاج من القائمين على مؤسساتنا العلمية سرعة معالجتها وطرح خطاب دينى مستنير يجفف منابع التطرف.