الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ماذا حدث فى يناير 2011 ؟ ( 3 – 3 )

ماذا حدث فى يناير 2011 ؟ ( 3 – 3 )






هذا هو المقال الثالث والأخير الذى يؤصل ويناقش ويحلل – بموضوعية وحيدة - ما جرى فى يناير 2011 فى جانبها القانونى، وما كان يجب أن تحصده ثورات الخراب العربى المشئومة على تلك البلدان، فقد شاع حينها مصطلح «الشرعية الثورية» فى مقابل «الشرعية الدستورية» والأخيرة هى الطريق الطبيعى والآمن لسيادة دولة القانون بانتقال السلطة بانتخابات ديمقراطية يتولى من خلالها من يختاره الشعب لحكم البلاد، فى حين أن الشرعية الثورية تفرض على المحكومين ما ثار من أجله بعض المارقين على القانون الذين ينشدون التغيير بالعنف والفتنة والتحريض والمؤامرة، وما يصاحبها من رفض لكل شيء وأى شيء سوى القتل والدمار والخراب والهلاك.  
وقد شهدت مصر فى تاريخها المعاصر - قبل 25 يناير 2011 -  ثورتين تجسدان تلك الشرعية الدستورية، حين ثار الشعب عام 1919 – والتى نحتفل بمئويتها هذا العام -  فكان دستور 1923 كأول وثيقة دستورية تجسد العلاقة بين الحاكم والمحكومين، فتحققت ديمقرطية تعددية زاخرة فى الحياة السياسية المصرية وازدهرت الثقافة والأدب والفنون وبرزت أسماء فى سماء القانون أمثال سعد زغلول وعبد العزيز باشا فهمى وعبد الرزاق السنهورى، ثم كانت ثورة 1952 ثورة بيضاء لم ترُق فيها نقطة دم واحدة، أطلقها مجموعة من الضباط الأحرار المخلصين وقادوا شعب مصر العظيم لتغيير نظام الملكية إلى جمهورية دستورية، وفقا لنصوص دستورية حاكمة، فكانت حزمة قوانين إصلاحية لتحقيق العدالة الاجتماعية وظهر مصطلح القومية العربية، وكان المجتمع بجميع طوائفه وفئاته يسعى لدولة قانونية تعلو فيها الوطنية وتتحقق من خلالها شرعية ثورته.
 كان يمكن قبل تفاقم أحداث يناير 2011 أن تتحقق تلك الشرعية الدستورية، حيث تشكلت فى بدايات تلك الاحتجاجات لجنة لتعديل بعض مواد الدستور برئاسة قاضى القضاة رئيس المجلس الأعلى للقضاء المستشار الدكتور سرى محمود صيام، وبدأت اللجنة بالفعل فى الاستعداد لمهمتها تلك، لعرض النصوص المقترحة منها للتعديل على استفتاء شعبى وفقا للإجراءات الدستورية، وإذ بالأحداث تتفاقم يوما بعد يوم، وكان ما كان، ففقدت تلك الشرعية الدستورية (شرعيتها) وطغت على الساحة (اللاشرعية الثورية)، وتكونت ميليشيات إرهاب فكرى وتنظيمات تُزكى الصراعات والخلافات وتدعو للاضطراب والفوضى.
لقد كنتُ شاهد عيان على تلك الفترة من واقع انتدابى من القضاء مستشارا تشريعيا لمجلس الشعب – وقبل يناير 2011 بسنوات – وقد انتقلت سلطات مجلس الشعب إلى مجلس الوزراء وقتها، فتشكلت أمانة فنية بمجلس الوزراء للشئون التشريعية والاتفاقيات الدولية -  تشرفتُ برئاستها – وضمت نخبة من المسئولين فى وزارات العدل والخارجية والداخلية والعمل والاستثمار وغيرها، فضلا عن مستشارى مجلس الدولة والهيئات القضائية وخبراء متميزين فى مجالاتهم، كانت مهمتها التقعيد والتوطيد لفكرة الشرعية الدستورية، وتوحيد جهات إعداد التشريعات، فضلا عن اختصاصات إشرافية برلمانية أخرى،  ولكن الحالة الفوضوية السائدة حينها حالت دون استمرار تلك الأمانة لعملها، فوئدت فى مهدها، ما خلا بعض الجهود الحثيثة التى بدت بعض مظاهرها فى تعديلات لبعض القوانين واقتراح للبعض الآخر وتفعيل الاتفاقيات الدولية الشارعة، وإعادة تشكيل مجالس قومية ومؤسسات صحفية قومية.  
وسوف يسجل التاريخ بحروف من نور ووطنية تلك الثورة الشعبية الحقيقية التى انطلقت  – منذ أكثر من 30 مليون مصرى – فى 30 يونيو 2013، لتسقط نظامًا فاشيًا إقصائيا، وتصوّب مسارات احتجاجات  يناير 2011، وتقود مصر إلى طريق دولة القانون، فكان دستورا فى يناير 2014، ثم انتخاب رئيس للجمهورية فى يونيو 2014، واكتملت خارطة الطريق  بانتخاب مجلس النواب فى ديسمبر 2015.
وقد انتهجت تلك الثورة – وما زالت - مبدأ الشرعية الدستورية فى مختلف مراحل خارطة طريقها، وها هى تلك الشرعية الدستورية تترى وتتتابع فعالياتها فيما يُثار فى الآونة الأخيرة من أصوات تدعو لتعديلات دستورية تنبع من دوافع وطنية بحتة، وتطالب بذلك من خلال أدوات دستورية شرعية لا لبس فيها ولا غموض، بل الكل فى واحد، والمصلحة الوطنية هى الأداء المتبع مهما كانت الاختلافات والنقاشات، ليس من بينها غوغائية السبل لا تآمرية الاتجاهات، وهو ما نأمل أن يسود، فالطريق إلى دولة القانون هى الشرعية الدستورية وليست (اللاشرعية الثورية) .
وبالقانون .. تحيا مصر،،