الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
وداعـــــــًا .. العلاّمـــة القانونى (القشــــيرى)

وداعـــــــًا .. العلاّمـــة القانونى (القشــــيرى)






لم يكن العلاّمة الدكتور أحمد صادق القشيرى مجرد فقيه قانونى عالمى ومحكَّم دولى فحسب، بل كان رمزًا فريدًا للوطنية فى أسمى معانيها، وأوضح مظاهرها؛ وهذا ما أثبتته- واقعًا ملموسًا وحقيقة ساطعة - سيرته العلمية ومسيرته العملية التى امتدت قرابة سبعين عامًا منذ تخرجه فى كلية الحقوق جامعة القاهرة أوائل خمسينيات القرن الماضى، وحتى فاضت – منذ أيام - روحه الطاهرة إلى بارئها؛ فقد عُيِّن فور تخرجه مندوبًا مساعدا بمجلس الدولة متتلمذًا على يد الدكتور السنهورى باشا وهو من هو فى عالم القانون والفقه والتشريع، وساهم القشيرى على مدى عدة سنوات فى تحقيق العدالة فى أحد أهم محاربيها المقدسة، ثم انتقل للعمل فى كلية الحقوق جامعة عين شمس أستاذًا للقانون الدولى الخاص ومستشارًا ثقافيًا لمصر فى باريس فكان أيقونة مضيئة ظلت جذوتها متقدة حتى أوائل السبعينيات، حين استقال من الجامعة واختار العمل الخاص فأسس مكتبه الأشهر فى التحكيم الدولى والاستشارات القانونية، وظل عطاؤه الوطنى متواصلا، فكان مدافعًا عن حق مصر فى قضية طابا التى انتهت بصدور الحكم بأحقيتها فى ترابها المقدس فى 14 علامة حدودية بينها وبين إسرائيل وكانت منها علامات رأس النقب ذات الأهمية الاستراتيجية القصوى لمصر، ويُنسب له الدور الأبرز فى استرجاعها بعد معركة قانونية حامية الوطيس، تكاملت فيها جهود الدبلوماسية مع الحقوق القانونية، كما كانت هناك محطات مهمة فى حياته منها – مثالا، لا حصرا– عمله قاضيًا بمحكمة تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس icc، ورئاسته الجامعة الدولية الفرنسية للتنمية الإفريقية «سنجور»، وعضويته لمعهد القانون الدولى فى لاهاى، وللمحكمة الإدارية للبنك الدولى فى واشنطن، كما تشرفت مؤسسات وطنية ودولية عديدة بتكريمه منها وزارة الثقافة فى مصر، وغرفة البحرين لتسوية المنازعات والتى أشادت به الشيخة هيا آل خليفة قائلة:» إننا نحتفل بمصر، ممثّلةً بالدكتور القشيرى وحياته التى سخّرها لتطوير القانون على المستويين العربى والدولى».
لقد عرفتُ العلامة القشيرى عقب تخرجى مباشرة عام 1989، حين التحقتُ بدبلوم الدراسات العليا فى التجارة الدولية بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وتشرفتُ بتدريسه مادة التحكيم التجارى الدولى، وله الفضل – بعد الله سبحانه وتعالى – فى مختلف مراحل حياتى العلمية، بدءًا من تشجيعى على دراسة التحكيم الدولى فى أطروحة الدكتوراه حيث شرفنى بعضويته للجنة مناقشتها والحكم عليها، ومرورًا بترشيحى لدورات أكاديمية لاهاى للقانون الدولى سنوات عديدة، ونهاية - هذا العام 2019 – بإهدائى ثلاثة كتب عملاقة بمجلداتها التى تنيف على ثلاثة آلاف صفحة والتى خصصها لروح المغفور لها الدكتورة سامية راشد أستاذ القانون الدولى الخاص، ولروح أستاذه المغفور له الدكتور السنهورى باشا، بما يؤكد إنسانيته ووطنيته التى تجرى فى أوصاله مجرى الدم فى العروق، كما أهدانى أهم مؤلف للمغفور له الدكتور عوض المر، نشرته جامعة سنجور أثناء رئاسته لها، بإهداء شخصى من المؤلف – منذ قرابة 10 سنين - معنون «الرقابة الدستورية فى ملامحها الرئيسية».
 لا أستطيع ان أخفى معاناتى التى سيخلفها غياب العلامة القشيرى فى حياتى، ولكن لا أملك سوى التسليم بقضاء الله وقدره، وهو صميم الإيمان بحقيقة الموت ومؤداه أن لقاءنا فى الحياة الدنيا مرهون بقدر الله فينا، والذى لا نعلم موعده ولا مكانه ولا طريقته، وقد حرصتُ - بعد مراسم دفنه وانصراف المعزين – أن أجلس إليه قرابة الساعة ..  أتمتم مع نفسى ببعض العبارات:
« وداعًا .. أستاذى الجليل العلامة القشيرى .. لن أبكيك، بل سأظل وفيًا مخلصًا لمبادئك الإنسانية التى علمتنى إياها، وثق – يا حبيبى الغالى – أن غرسك قد أتى أُكُله ثمارًا يانعة، فها هم أبناؤك وتلاميذك ومحبوك يحملون رسالتك العلمية الوطنية الهادفة، عبر أجيال لا تعرف سوى الجدية والدأب والمثابرة، ونم – فى مثواك الخير – قرير العين.. هادئ النفس.. مرتاح الوجدان، فقد أديتَ الأمانة على خير وجه، وكنتَ رسول سلام ومحبة ووئام، تدعو لحب مصر .. معشوقتنا الأزلية الأبدية».
وبالقانون .. تحيا مصر،،