الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
سر نجاح الاستفتاء: «الوعى الدستورى»

سر نجاح الاستفتاء: «الوعى الدستورى»






أرسل نجاح الاستفتاء على التعديلات الدستورية رسالة للعالم بأن الشعب المصرى لديه وعى حقيقى بحاضر تلك الأمة المصرية ومستقبلها، وأن هذا الوعى يترسخ ويتأكد يومًا بعد يوم، ولم يكن لهذا الوعى أن يتحقق إلا بتواصل وتكامل وتتابع الجهود المجتمعية منذ ثورة 30 يونيو 2013 التى أعادت مصر للمصريين، وأشاعت وعيًا وطنيًا متزايدًا يصب فى خانة (المشاركة) وليست (المشاهدة)، وأدركت مجموعات فئوية ونخبوية عديدة من الشعب المصرى  أن نداء الوطن يصبح واجبًا مقدسًا، يقتضى نشر الوعى والإيجابية، ويرفض الدعة والسلبية، حينما يكون هذا النداء حقيقة واقعة وليس أضغاث أحلام.
 ويحدثنا التاريخ الحديث عن نماذج واضحة لهذا الوعى الدستورى عبر صفحات مضيئة من عمر الوطن، تجلت فى دستور 1923، كاستحقاق شعبى لثورة 1919، حينما ثار الشعب المصرى على الاحتلال البريطانى لتوغله فى شئون الدولة وفرض الحماية وإعلان الأحكام العرفية وطغيان المصالح الأجنبية على الاقتصاد، فصدر الدستور المصرى والذى اعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، ثم صدر تبعاً له قانون الانتخابات وألغيت الأحكام العرفية، واستمرت حالة الوعى والتفاعل الإيجابى تلك مع دستور 1971، بعد استفتاء شعبى فى 11 سبتمبر 1971 وسمى بـ«دستور مصر الدائم»، بعد معاناة الشعب المصرى من آلام نكسة 1967، فصدر هذا الدستور لتجديد الحياة والمشاركة الديمقراطية الشعبية، وفى مرحلة تالية تم تعديل هذا الدستور باستفتاء شعبى فى 22 مايو 1980.
لقد نجح الاستفتاء فى إماطة اللثام عن عبقرية الوعى الدستورى للشعب المصرى الذى كان قد خرج فى يناير2014 ليقول نعم لوثيقة دستورية جديدة، كانت - حينها - محققة لطموحه وآماله، ولكن حينما أدرك حتمية تعديل بعض نصوصها، خرج مرة أخرى ليقول كلمته فى إبريل 2019، لتكون دليل إثبات على تلك العبقرية المتأصلة والمتواصلة فى الوجدان الجمعى الشعبى والنخبوى كذلك.
 وكان لى شرف المساهمة المتواضعة فى نشر هذا الوعى الدستورى المجتمعى، وذلك فور الإعلان عن تلك التعديلات الدستورية بعد مناقشتها فى اللجنة العامة فى فبراير 2019 وإقرارها من مجلس النواب، فأعددتُ كتابا من 184 صفحة عنوانه (الوعى الدستورى.. مصر نموذجًا)، تم إهداؤه: (إلى أمى الغالية .. مصر الكنانة المحروسة بإذن الله أمس.. واليوم.. وغدًا.. أهديك هذا العمل مُستشرفًا الأمل.. والإشراق.. والطموح لى ولأبنائى وأحفادى، ابنك/خالد)، وتم إطلاقه فى منتدى مبادرة الوعى الدستورى واستشراف مستقبل مصر نظمه فى مارس 2019 المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى برئاسة الحبر الجليل نيافة الأنبا إرميا، وبمشاركة نخبة من المهتمين والمعنيين من مختلف فئات وتخصصات المجتمع المصرى، وذلك بهدف تعميم تلك المبادرة فى جميع ربوع مصر فى الجامعات والمدارس ومراكز الشباب وقصور الثقافة ومراكز هيئة الاستعلامات، وغيرها.
وبفضل الله كان الحصاد مشرفًا وواقعيًا ومنتجًا، فلم تكد محافظة أومدينة أوقرية فى مصر إلا وشهدت مؤتمرات جماهيرية حاشدة تدعو المواطنين للمشاركة فى الاستفتاء  فى ظاهرة فريدة، أكدت للقاصى والدانى أن عبقرية الزمان والمكان لهذا الشعب، هى سر قوته وإصراره وعزيمته التى لا تلين، وأن لديه جينا وطنيا ينمو وقت الإنجازات، ويخبو وقت الإحباطات، وأن سر نجاحه فى إثبات هذا الجين الوطنى هى الإنجازات الملموسة وليست الوعود الزائفة، فحينما يتحقق من الصدق والشفافية، تتولد لديه طاقة لا تُبقِى وَهَن، ولا تَذَر ضعف.
أما وقد انتهى الاستفتاء على تلك التعديلات الدستورية المفصلية فى تاريخ مصر، فقد آن الأوان لحفز الهمم وتواصل الجهود المجتمعية لنشر ثقافة الوعى الدستورى، لكى تصبح تلك الثقافة زادًا دائمًا لا يقتصر فقط على وقت الاستفتاءات أو الأزمات، ولعل فى استدعاء التجربة الأمريكية ما يؤكد ذلك، لأن الدستور هناك هو رأس الأمر وذروة سنامه، فالدين لله والدستور للجميع، وكذلك الأمر فى عدد كبير من المدنيات الحديثة التى تتجسد فيها دولة القانون عملا وتنفيذًا وواقعًا.
  وبالدستور والقانون تحيا مصر ،،