الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
دار القضاء العالى .. المبنى والمعنى

دار القضاء العالى .. المبنى والمعنى






دار القضاء العالى.. هو المبنى الذى يقع جغرافيًا فى وسط القاهرة، وقد تم بناؤه فى عشرينيات القرن الماضى من تصميم معماريين فرنسيين، ويتميز بالطراز البازليكى الرومانى بأعمدته الشاهقة وصالاته الواسعة وأبوابه العتيدة، ومبانيه العالية التى تتزين بالرسومات الهندسية والزخارف الفنية الرائعة  فى الأسقف والحوائط وداخل غرفه وممراته.
وهو المعنى الذى يجسد العدالة فى أرحب محاريبها، يتداعى إليه المتقاضون من كل حدب وصوب، يلوذون بحماه، ويلتمسون تحقيق الإنصاف والحق وسيادة القانون، يجلس على منصات عدله قضاة أجلاء أكفاء أوفوا ما عاهدوا الله عليه، وهو هدفهم الأسمى وهمهم الأوحد وغايتهم الكبرى.. يسطرون بضمائرهم ويقينهم أحكامًا هى عنوان الحقيقة.
ودار القضاء العالى يضم بين جدرانه مقر محكمة النقض (بعد انتقالها من سراى القضاء العالى بباب الخلق )ورئاسة محكمة استئناف القاهرة (التى كان اسمها محكمة استئناف مصر) ومكتب النائب العام (والذى انتقل مؤخرًا إلى مدينة القاهرة الجديدة)، كما كان مقرًا للمحكمة الدستورية العليا حتى أواخر تسعينيات القرن الماضي.   
وتعقد محكمة النقض جلساتها فى دار القضاء العالى، وهى قمة الهرم القضائى فى مصر، وهى محكمة نوعية وحيدة،  وبها دوائر مدنية وجنائية، ويتولى رئيسها رئاسة مجلس القضاء الأعلى الذى يعقد جلساته كذلك بدار القضاء العالي، ويتشكل من كبار رجال القضاء وهم: رئيس محكمة النقض، ورئيس محكمة استئناف القاهرة، والنائب العام، وأقدم نائبين لرئيس محكمة النقض، ورئيسا محكمتا استئناف الإسكندرية وطنطا.
وتعد محكمة استئناف القاهرة  هى أول من سكن مبنى دار القضاء العالى، وقت أن  كانت محكمة استئناف مصر، ثم  تعددت محاكم الاستئناف إلى ثمانى محاكم فى القاهرة والإسكندرية وطنطا والمنصورة والإسماعيلية وبنى سويف وأسيوط وقنا، ويعقد مجلس رؤساء الاستئناف جلساته كذلك فى دار القضاء العالى برئاسة رئيس محكمة استئناف القاهرة، وفضلا عن مقر رئاسة المحكمة فى دار القضاء العالى (وبعض دوائرها) فإن لها مأموريات استئنافية فى جنوب وشمال القاهرة والقاهرة الجديدة والجيزة.
ولم يبق من مكتب النائب العام فى دار القضاء العالى – بعد نقله للقاهرة الجديدة -  سوى ما يُعين عن حُسن سير العدالة وصالح القضاء والقضاة والمتقاضين.
وبعد أن تأسست فى مبنى دار القضاء العالى  المحكمة العليا (1969) ثم المحكمة الدستورية العليا (1979)، فقد استقلت المحكمة بصرحها الشامخ بالمعادى منذ عام 1998.
 ولدار القضاء العالى فى عقلى ووجدانى مكانة تستغرق كيانى؛ حبًا واحترامًا وإكبارًا واعتزازًا وفخرًا، وتحفر فى ذاكرتى أحداثًا ومواقف لا تحصيها كلمات هذه السطور المحدودة، والتى بدأت منذ قرابة ثلاثين عامًا، وقت أن وطأت قدماى صرحه الشامخ للمثول أمام مجلس القضاء الأعلى فى اختبار شفوى للتعيين فى النيابة العامة، وقد وجدتُ نفسى وجهًا لوجه مع أصحاب المقام الرفيع، وكنتُ مجندًا فى القوات المسلحة،  وقد خرجتُ فجرًا من معسكر تدريب قوات الدفاع الجوى فى دهشور، وقد بدت على ملامحى علامات الإرهاق مصحوبة بشئ من التوتر والقلق، ولا أنسى تلك الجملة (الاستفهامية الاستنكارية التقريرية) التى أعتز بها كثيًرا من معالى النائب العام حينها المغفور له المستشار الجليل جمال شومان، حين فاجأنى بعد إجابة السؤال الموجه لى قائلا: (إنت خايف من إيه يا قاضى.. ما انت قاضى!!) فاعتبرتها بشارة طيبة للقبول، وقد ذكرّتُه بها بعد التعيين، فقال لى إنها فى اللغة العربية تعد (تورية) لمن يتقن قواعد البلاغة!!
 ولن أنسى تكريمى بندبى للعمل بالمكتب الفنى لمحكمة النقض بدار القضاء العالى فى بدايات الألفية الثانية  إبان تولى المغفور له والدى الروحى المستشار الأغر الدكتور محمد فتحى نجيب رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى، حيث أصدر قراره بذلك (دون علمى)، وأبلغنى به رئيس المكتب الفنى حينئذ المرحوم المستشار الوقور محمد عبد الواحد، وحين سألت قاضى القضاة الدكتور فتحى نجيب عن ذلك قال لى:( وهل لديك رأى آخر بعد قرار مجلس القضاء الأعلى!!).   
 وبالقانون تحيا مصر ،،