الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مجلس الدولة.. قضاء وفتوى وتشريع

مجلس الدولة.. قضاء وفتوى وتشريع






مجلس الدولة .. يقف شامخًا بمبناه الشاهق على ضفاف نيل مصر العظيم، وفروعه فى مختلف أنحاء المحروسة رمزًا للعدل وسيادة القانون، قاضيًا جليلا للمشروعية، يفصل فى الأنزعة الإدارية بجميع درجاتها، ومفتيًا أمينًا للدولة فى وزاراتها وهيئاتها ومؤسساتها ومحافظاتها، ومشرعًا قديرًا للقوانين التى تعدها الحكومة، أو يحيلها إليه البرلمان، يتجشم عناء مهام جسام، ومسئوليات جمة، وأعباء كبيرة، لا يقوى على حملها إلا أولئك الذين شرفهم الله كقضاة ومفتين ومشرعين، يحتسبون أجرهم عنده الله، ولا يبغون إلا رضاه، ورد المظالم ورفع المعاناة .
وقد أُنشيء مجلس الدولة فى مصر عام 1946 برئاسة المغفور له المستشار كامل باشا مرسى، والذى شَرُفت به ساحات الجامعة والنيابة العامة ومحكمة النقض والمحاماة ووزارة العدل، وكان له الإسهام الأكبر لصدور قانون مجلس الدولة حين كان وزيرًا للعدل وقدم للبرلمان مشروع القانون، وإدخال نظام القضاء الإدارى فى مصر لأول مرة، وإذ ارتأى مجلس النواب عدم إقرار القانون بحجة تأجيل نظره لدورة أخرى، فقد قدم استقالته وأصر عليها الأمر الذى أدى الى سرعة نظر مشروع القانون قبل فض دورة المجلس و أقر المجلس مشروع قانون مجلس الدولة و صار نافذًا، وفى سبتمبر 1946 عُيِّن كأول رئيس لمجلس الدولة.
وفى عام 1949 تولى رئاسة مجلس الدولة أسطورة القانون والقضاء الدكتور عبد الرزاق باشا السنهورى والذى تنأى أى كلمات أوصفات أن تفى بقدره ومقامه العلمى والقانونى والوطنى، وقد شهد مجلس الدولة فى عهده ( 1949 – 1954 ) أحداثًا تاريخية فارقة بتغيير النظام الملكى إلى نظام جمهورى كنتيجة حتمية لثورة 23 يوليو 1952، كما ساهم السنهورى باشا وزملاؤه قضاة المجلس الأكفاء فى تصويب مسارات العدالة الاجتماعية من خلال أحكامهم وفتاواهم الحاسمة بالحق والصادعة للعدل والقانون.
وبموجب أحكام دستور 2014، فإن مجلس الدولة - وفق نص المادة 190 بعد تعديلها فى الاستفتاء الأخير - جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، كما يختص بالفصل فى الدعاوى والطعون التأديبية، ويتولى الإفتاء فى المسائل القانونية للجهات التى يحددها القانون، ومراجعة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية التى تحال إليه، ومراجعة مشروعات العقود التى يحددها ويحدد قيمتها القانون، وتكون الدولة أو إحدى الهيئات العامة طرفاً فيها، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى.
والقانون الحاكم لمجلس الدولة الآن هو القانون 47 لسنة 1972 وتعديلاته، ويتكون المجلس بموجبه من ثلاثة أقسام، قضائى، وفتوى، وتشريع؛ ويتألف القسم القضائى فى مجلس الدولة من المحكمة الإدارية العليا ومحكمة القضاء الإدارى والمحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية وهيئة مفوضى الدولة، وتختص كل منها بنظر ما يرفع إليها طبقًا للقانون، كما يضم قسم الفتوى مجموعة من الإدارات المتخصصة بإبداء الرأى القانونى فى الموضوعات التى تقتضيها طبيعة عملها، ويختص قسم التشريع بدراسة القوانين واللوائح التى تزمع الدولة إصدارها، أو تلك التى يحيلها إليه مجلس النواب، أما الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع فهى أعلى جهة للإفتاء القانونى فى مصر.
ومن الأحداث التى أعتز بها كثيرًا فى حياتى، أنه كان لى شرف صدور قرار جمهورى بتعيينى بمجلس الدولة، ولكن أثناء عملى بالنيابة العامة، فكانت حيرتى بالغة، بين الاستمرار فى النيابة العامة وما تمثله لى من ثقة وشرف ومسئولية، وبين الانتقال لمجلس الدولة وما يمثله لى كذلك من ثقة وشرف ومسئولية، فكان أن استخرتُ الله تعالى فى بيته الحرام بمكة المكرمة، وصدر القرار الإلهى باستمرارى فى النيابة العامة، باعتبارها الأسبق فى التعيين (معيار إجرائى وليس موضوعى) وهو ما شرحه لى والدى رحمه الله وأعطانى نصيحة لا تبرح عقلى ووجدانى وهى أن نتيجة الاستخارة تتجسد فيما تتجه إليه إرادتك أنت - وليست قوى غيبية – بأن ينير الله لك جوانب لم تكن ماثلة فى فكرك قبل تلك الاستخارة .. (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ سورة القصص( 69 )

وبالقانون .. تحيا مصر