الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
كليات الحقوق بين الواقع والمأمول

كليات الحقوق بين الواقع والمأمول






كليات الحقوق فى مصر– ونظيراتها فى كليات الشريعة والقانون وكلية الشرطة – بوتقة القانون التى ينصهر فيها الطالب بعد تخرجه فى المرحلة الثانوية، لكى يواجه سوق العمل فى اتجاهاته ومجالاته المتشعبة والمتنوعة سواء فى هيئات تدريس الجامعات أو المحاماة أو الجهات والهيئات القضائية أو الإدارات القانونية فى الوزارات والهيئات والمؤسسات.
ويلتحق بكليات الحقوق الحاصلون على الثانوية العامة فى مرحلتها الثالثة (أى ما دون نسبة 60% غالباً)، ويدرس الطالب خلال أربع سنوات فى الكلية ما يقرب من / أو ينيف على، أربعين منهجًا دراسيًا، من أهمها: المدخل لدراسة القانون (نظريتا القانون والحق )، وتاريخ القانون وفلسفته، والنظم السياسية والقانون الدستورى، والقانون الدولى العام والمنظمات الدولية، وتاريخ التشريع الإسلامى ومصادره وأحكام المواريث  والوقف والهبة وأصول الفقه، وعلوم الإجرام والعقاب والاقتصاد والمالية العامة والتشريعات الضريبية، والقانون والقضاء الإدارى والإدارة العامة، وقوانين المدنى والمرافعات والإثبات والتجارى والعمل، والعقوبات بقسميه العام والخاص، والإجراءات الجنائية، والبحرى والجوى، والقانون الدولى الخاص، وأحكام الجنسية ومركز الأجانب وتنازع القوانين، وعقود البيع والإيجار والهبة، وقواعد تنفيذ الأحكام، وحق الملكية والحقوق العينية، فضلا عن مقررات المصطلحات القانونية بلغات أجنبية، وما تخصصه بعض الكليات من برامج للتمرينات العملية والمهارات القانونية ونماذج للمحاكمات الصورية.
هذا هو واقع كليات الحقوق الآن، ولا شك أن هذا الواقع أنجب أجيالا عديدة عبر سنوات طويلة من النوابغ والنجباء والرموز، ملأوا الحياة القانونية علمًا وعملا، وهؤلاء لا يتعدون نسبة ضئيلة للغاية، وسط آلاف تتخرج سنويًا فى كليات الحقوق من أولئك الذين تعثروا ولم يجدوا لهم مكانًا (ملائمَا) فى سوق العمل، رغم تفوقهم الدراسى ونبوغهم العلمى فى عموم مفهومه وتقييمه العالمى!!
وتطبيقاً لهذا الواقع، تحضرنى هذا العام حالتان، إحداهما لشاب اسمه (محمد) التحق بكلية الحقوق شعبة عربى من الثانوية البريطانية IGCSE  بتقدير ممتاز أى مجموع يفوق 90 %، ورغم إصرار محمد على دراسة القانون باللغة العربية فى محرابه المقدس هُنا فى مصر، إلا أنه لم يتخرج  فى الكلية – بعد عناء شديد - إلا بتقدير تراكمى لن يجاوز الحد الأدنى لتقدير جيد 65 %، وسوف يواجه هذا الشاب النابغ  ولا شك صعوبات جمة فى فرصة عمل له فى مصر، والحالة الأخرى لفتاة اسمها (هالة) أنهت دراستها بكلية القانون بإحدى أكبر جامعات إنجلترا بأعلى التقديرات هناك، وتم تكريمها - كمصرية – فى احتفال دولى مهيب، ولكن تلك الفتاة النابغة سوف تواجه معركة المعادلة بالمجلس الأعلى للجامعات، وما تتطلبه تلك المعركة حامية الوطيس من أوراق ومستندات ووقت وجهد، قد يفقدها بريق نجاحها وتفوقها، فكلا هذين النموذجين قد لا يجدا لهما مكانًا لائقًا فى سوق العمل رغم نبوغهما العلمى وتفوقهما الدراسى!!
 ومن ثم، فإن المأمول هو إعادة النظر فى معايير وضوابط الالتحاق بكليات الحقوق، بحيث يلتحق بها المتفوقون فى الثانوية العامة (90 % كحد أدنى) مع اختبار مهارات فردية فى اللغات العربية والأجنبية مثلا، وكذلك إعادة تحديد مقرراتها ومناهجها الدراسية التى يحتاجها سوق العمل، وذلك فى توازن دقيق يمزج بين مقتضيات الحداثة وجذور الأصالة، مع الاستعانة ولا شك بتجارب الدول الأوروبية المتقدمة التى سبقتنا بمراحل فى تلك المجالات، كى ننمى فى الطالب المصرى ملكات وقدرات البحث والتفكير العلمى والتطبيقى معًا، وليس التلقين والحفظ لمئات الصفحات فى الكتب الدراسية والتى يطرحها جانبًا ويلجأ إلى ملخصات ومذكرات وموجزات لا تفى بالحد الأدنى المطلوب استيعابه.
ويعلم الكثيرون من القراء الأعزاء أننى كنتُ أحد أوائل الجمهورية فى الثانوية العامة عام 1985 على القسم الأدبى، ورغم هذا التحقتُ بكلية الحقوق وحققتُ فيها – بفضل الله – أعلى التقديرات طوال السنوات الأربع، وفى ذات الوقت أتقنتُ اللغات وكنتُ فاعلا فى الأنشطة الثقافية الجامعية، وحين تخرجتُ وجدتُ أبواب العمل تُفتح لى وتسعى إليّ دون أدنى واسطة أو مجاملة.  
وبالقانون .. تحيا مصر ،،