الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«باريس» مدينة السحر .. و«القانون»

«باريس» مدينة السحر .. و«القانون»






باريس .. عاصمة فرنسا، إحدى أهم المدن الأوروبية طيلة قرون طويلة من تاريخ البشرية، أخذت شهرتها بوصفها «عاصمة النور» وكذلك «مدينة السحر».. لأنها مركز للثقافة والفنون والعلوم، ومن أكبر المدن جذبًا للسياحة فى العالم.. بها  برج إيفل ومتحف اللوفر، وقوس النصر، وقصر غارنييه، ومسلة كليوباترا، وكاتدرائية نوتردام، كما أن بها  كنيسة الساكرى كور الساحرة Basilique du Sacré-Cœur de Montmartre فى مونمارتر وهى الأشهر بعد نوتردام، وفى الحى اللاتينى تتجلى مظاهر السحر والحضارة والتاريخ، ولأولادنا نصيب من السحر كذلك حيث تأسست فى أطراف باريس مدينة ملاهى والت ديزنى أويوروديزنى وهى أكبر مدينة ألعاب أوروبية وثانى أكبر مدينة فى العالم خارج أمريكا بعد طوكيو باليابان.
وبجانب مظاهر السحر تلك فى باريس، فإن القانون يتربع على عرش اهتماماتها، فقد ظهرت فيها تقنينات نابليون Code Napoléon عام 1804 م، لكى تجسد النظام اللاتينى الرومانى الذى وضع قواعده جوستينيان فى القرن السادس الميلادى،ومنه انتشر فى كثير من دول العالم، وذلك فى مقابل النظام الأنجلوسكسونى أوالأنجلوأمريكى، وما بين النظامين بون شاسع ؛ فالنظام القانونى الأنجلوسكسونى قائم على العرف والاستدلال من السوابق القضائية .. أما النظام القانونى اللاتينى فيقوم على القانون المكتوب والاستدلال من النصوص التشريعية، كما أنشئت فى باريس  عام 1253 م-  أى منذ أكثر من سبعة قرون ونصف القرن - جامعة السوربون Sorbonne وهى من أعرق وأرقى الجامعات فى العالم، ومن خلالها انتشر الوعى بالقانون والمدارس الفقهية القانونية فى مختلف فروع القانون، وبات خريجوالسوربون عنوانًا للتميز والتفوق، وهم يعدون سفراء لتلك الجامعة – والتى تطورت إلى جامعات عديدة خلال تلك القرون – يُشار إليهم بالبنان فى المؤتمرات والمحافل العلمية والأكاديمية.
وقد تأثر النظام القضائى المصرى كثيرًا بالنظام اللاتينى فى نسخته الفرنسية، فى عديد من المظاهر تبدو فى ازدواج القضاء ( المحاكم العادية، وقضاء مجلس الدولة ) والتقاضى على درجتين وتنظيم المحاكم العادية إلى محكمة النقض، ومحاكم الاستئناف (بدوائر جنايات أومدنى)، والمحاكم الابتدائية والجزئية، ودورالنيابة العامة فى التحقيق والاتهام ومباشرة الدعوى الجنائية والطعن على الأحكام والأوامر الجنائية ،وكذلك فى مراحل الإجراءات الجنائية فى مراحل التحريات والقبض والتفتيش والتحقيق والحبس الاحتياطى والإحالة وأدلة الثبوت وصدور الحكم وطرق الطعن عليه وتنفيذه، وأيضا فى المرافعات المدنية والتجارية لترتيب المحاكم وطرق إقامة الدعاوى ونظرها والأحكام التمهيدية والنهائية والطعن عليها والأوامر الولائية وتنفيذ الأحكام، ومن ثم فى الإثبات الجنائى والمدنى، وغير ذلك من المظاهر التى تنأى تلك السطور عن الإحاطة بها.  
وتعود بى الذاكرة إلى نحو أكثر من ثلاثين عامًا مضت، وقت أن وطئت قدماى مطار أورلى بباريس لأول مرة عام 1985 مع رحلة أوائل الثانوية العامة، والتى كانت نقطة البداية لتذوق سحر وجمال وروعة باريس، ويمضى قطار العمر فتتعدد زياراتى لها فى الجامعة وبعد التخرج، ثم للدراسة والبحث فى مرحلتى الماجستير والدكتوراه، فالمشاركة فى مؤتمرات وندوات قانونية وقضائية، وكذلك اصطحاب أسرتى وعائلتى فى عطلات صيفية خلال تلك السنوات، ومؤخرًا انضمامى لعدد من المؤسسات العلمية القانونية الدولية، ورغم تلك السنوات الطوال وتعدد الزيارات، فالشعور فى كل مرة أدلف إليها وكأنها المرة الأولى.
إن لباريس سحر خاص، لا يشعر به إلا من سار فى شوارعها، وجلس على مقاهيها فى الشانزليزيه، أوزار بيت مصر Maison Du  Egypt  فى ضيافة المصرى الأصيل الدكتور عاطف طرفة، ومهما بلغ بك الإرهاق والتعب من عناء الالتزامات والمواعيد المتتابعة، فإن زيارة قصيرة لقصر فرساى مثلا، كفيلة بإعادتك لحيوتك ونشاطك، كما أنه مهما أرهقك عناء البحث فى مكتبات العالم عن مرجع قانونى نادر، فإن زيارة لمكتبة السوربون، وغيرها من الجامعات تغنيك وتكفيك، ولن أحصى عدد من التقيتُ بهم فى باريس من العلماء والباحثين والمثقفين والمفكرين من المصريين الأكفاء الذين ملأوها علمًا وثقافة، ولكل منهم مكانة محفورة فى وجدانى وكيانى.
وبالقانون تحيا مصر